عشية انعقاد الدورة الـ73 للأمم المتحدة رشحت معلومات من مصادر عدة، تفيد ان إدارة ترامب تحاول تجسير الهوة مع الموقف الفلسطيني من خلال مراجعة بنود صفقة القرن المشؤومة. وذلك بعد أن اصطدمت بالموقف الفلسطيني الحاسم في رفض المعلن والمخفي من الصفقة، وبعد ان تراجعت الأنظمة العربية عن ممارسة أية ضغوط على الرئيس أبو مازن وقيادة منظمة التحرير، عندما أدركت صلابة الموقف الفلسطيني، وعدم تمكنها من الالتفاف على الشرعية الوطنية، وأيضا بعد ان أدركت ان القوى العالمية (الأمم المتحدة، الاتحاد الأوروبي، الاتحاد الروسي، الصين وغيرها من الأقطاب) تتحفظ، ولا تقبل الصفقة الأميركية، لأنها بعيدة عن أبسط معايير السلام ومرجعياته الأممية، مما أحرج العرب، ودفعهم لتغيير آلية تعاملهم مع القيادة الفلسطينية، وبالتالي تخلوا عن التساوق مع إدارة ترامب وفق ما طلبته منهم، وأعلنوا استعدادهم للمضي معها شرط موافقة القيادة الفلسطينية، دون ذلك لا تتحمل أية مسؤولية.
حتى أن بعض جماعات الضغط اليهودية في "الإيباك" و"جي ستريت"، ومن داخل المؤسسة التشريعية الأميركية بشقيها (الشيوخ والنواب)، بالإضافة إلى اوساط الدولة العميقة، وحتى داخل القوى الصهيونية في إسرائيل، كان لهم جميعا تحفظات على لا منطقية، وعدم عقلانية الصفقة ما أثر نسبيا على فريق ترامب الصهيوني المزاود على حكومة الائتلاف الحكومي اليميني المتطرف، ودفعه لمراجعة بعض بنود الصفقة لتأمين قبول ودعم كل القوى في أميركا وإسرائيل والإقليم والعالم. وهو ما عبر عنه كوشنير في أكثر من تصريح خجول عكس التراجع النسبي، حيث أشار إلى ان اعتراف ترامب بالقدس، لم يتضمن اعترافا بكل القدس، ولم يحدد في أية قدس يعترف.
كما أنه حسب مصادر وثيقة، أجرت الولايات المتحدة بالتعاون مع ممثلي حلف شمال الأطلسي (الناتو) حوارات معمقة حول الملف الأمني، وكيفية السيطرة على هذا الملف، وذلك لطمأنة إسرائيل على أمنها، وخلق روافع مساعدة على هذا الصعيد من خلال بناء مشاريع رؤى برعاية أميركية أوروبية (أطلسية) تقارب بين الطرفين، وتؤمن المصالح المشتركة لهما في حال حدث اختراق في عملية السلام. اضف إلى ان هذا الملف يخضع للمراجعة والتطوير. لا سيما انه قيد الدراسة.
هذا التحرك غير المعلن، نجم عنه إجراء تعديلات نسبية في بعض ركائز الصفقة، خاصة في ملف القدس، وموضوع المساعدات لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا"، والأمن والحدود. حيث حاولت الإدارة الأميركية تحميل القيادة الفلسطينية المسؤولية عما اتخذته من إجراءات في ملف المساعدات المتعلقة بالمستشفيات والمشاريع التنموية، وحتى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، باعتبار أنها ردود أفعال على موقف قيادة منظمة التحرير، مما يعكس هشاشة وبؤس الموقف الأميركي. وحسب بعض المصادر الأوروبية المطلعة، فإن التعديلات الجديدة وجدت ارتياحا وقبولا عند البعض الأوروبي، دون أن تشير لماهية وتفاصيل تلك التعديلات.
مع ذلك الموقف الرسمي الفلسطيني مازال على ما هو عليه، لم يحدث أي تغيير فيه، ولم تتنازل القيادة عن محدداتها وثوابتها الوطنية، وغير مستعدة للتخلي عن مرجعيات عملية السلام وركائزها الأميركية ( الإدارات السابقة) والأممية. ولا حتى عن الرعاية الدولية لعملية السلام، بعد ان فشلت الإدارة الأميركية فشلا ذريعا في إدارة التسوية السياسية، حين تخلت عن دورها طوعا بسبب تماهيها مع دولة الاستعمار الإسرائيلية في استباحة الحقوق والمصالح الوطنية الفلسطينية. وهذا الموقف سيتضمنه خطاب الرئيس عباس يوم الخميس القادم.
مما لا شك فيه، ان الساحة السياسية تشهد تحركا تحت السطح، غير ان المتتبع لما يجري، وللمواقف المعلنة من ممثلي الأطراف ذات الصلة يستطيع ان يتلمس التغير النسبي في مواقف الإدارة الأميركية. لكنها حتى الآن مازالت دون محددات مرجعيات السلام، والتقدم، الذي تتحدث عنه بعض الأوساط الأوروبية والأميركية لم يرق للاستجابة للحقوق الوطنية الفلسطينية. لكن هل تحمل الأيام القادمة تحولات جديدة؟ من السابق لإوانه افتراض أي سيناريو، أو إبعاد أي سيناريو.