تعاني بعض المجتمعات العربية، والإسلامية اليوم من ظاهرة شاذة وغريبة، اتسعت وانتشرت بعد الصراع والحروب بسبب الفوضى الخلاقة التي نشرها "الربيع الدموي العربي"، انتشار النار في الهشيم؛ وهي ظاهرة التسول؛ حيثُ يتصدر مشهد التسول في كثير من الدول العربية التي أنهكتها الصراعات الداخلية والحروب، ثُلةٌ من كبار السن، والأطفال والفتيات، والنساء؛ وقد انتشرت ظاهرة التسول واستشرت في المجتمعات العربية كسريان السرطان الخبيث في الجسد، خاصةً بين بعض الأسر الفقيرة والمحتاجة، والتي ينخفض فيها المستوى المعيشي والتعليمي لأولياء الأمور وبخاصة العاطلين عن العمل؛ فكثيراً ما نرى أطفالاً بعمر الزهور يتجولون على المفترقات، وبين السيارات الواقفة على المفترقات وعند إشارات المرور يمدون أيديهم لركاب السيارة، وللمارة، ويستجدونهم بشدة وبإلحاح طالبين منهم مالاً؛ قائلين بالعامية ( أمانة تّرْزِقّنِيِ )! الخ...، إنه مشهد مؤلم يتكرر كل يوم، من نساء بعضهُن يّلْبِسِنّ النقاب ويحتضنون أطفالاً في عمر الزهور من أجل التسول، أو من مُقعٍد يجوب الأسواق على كُرسيٍ متحرك، ويمسك ورقةً، أو تقريراً طبياً بحالته المرضية، ويناشد المارة والباعة والمتجولين بمساعدته بمبلغ من المال؛ وترى أطفالاً ونساءً في الأسواق يمدون أيديهم بالتسول طالبين المساعدة والمال!؛ ذلك السلوك "المُعيب" الذي يشوّه المظهر المجتمعي العام، لأن التسول ظاهــرة اجتماعيــة سيئة، وخطيـرة، انتشرت في بعض الدول التي تعاني من الصراعات مثل سوريا والعراق واليمن وفلسطين بشكـل كبيـر، حتى أصبحـت تهـدد المجتمـع بأسـره، وتنذر بالعديد من العواقب؛ ولقد ظهرت جلياً ظاهرة التسول مؤخراً، في فلسطين المُحتلة، وخاصةً قطاع غزة المحاصر براً وبحراً وجواً من الاحتلال الإسرائيلي!؛ وذلك بعد مُضي 12 عاماً على الانقسام الفلسطيني الداخلي؛ وسيطرة وحكم حركة حماس لقطاع غزة، مما نتج عنه ازدياد حالات الفقر المدقع لغالبية سكان القطاع؛ حيث أن الأوضاع الاقتصادية الصعبة والحصار المفروض على القطاع جعلت بعضاً من المتسولين يستسهلون هذه الظاهرة كمهنة لهم!، وتكمن خطورة الأمر في التسول هو تسرب الأطفال من مدارسهم للتسول؛ والذي قد ينتج عنه اتساع و انتشار الأمية، في المجتمع؛ والأكثر خطورة من ذلك قد يتعرض بعض النساء المتسولات والأطفال للاستغلال بكل أنواعه، مما ينتج عن ذلك مشاكل اجتماعية أكثر خطورة، وقد يتم تشكيل عصابات منهم وتشغيلهم للعمل فقط في التسول، وجمع الأموال وفق عمل منظم من أجل جمع المال؛ حيث تبين أن بعضاً من المتسولين لديهم عقارات وأراضي وممتلكات واتخذوا من التسول مهنةً امتهنوها!؛ ويعاني ما يقارب 2 مليون فلسطيني في قطاع غزة من معدلات فقر وبطالة قياسية جراء الحصار المفروض من قِّبل الاحتلال الإسرائيلي على القطاع، وبحسب مركز الإحصاء، فإن معدل البطالة في القطاع يصل إلى نسبة أكثر من 41%، وهناك جيش من العاطلين عن العمل!، إضافة إلى أن نسبة الفقر، والفقر المدقع بلغت أكثر من 65%، ونسبة انعدام الأمن الغذائي ارتفعت إلى 75%، وفق دراسة قانونية وإحصائية لمؤسسة الضمير؛ وعندما يصبح «التسول» ظاهرة مجتمعية طارئة على مجتمع لم يعهدها سابقًا بسبب الظروف والأوضاع المحيطة به من تردي في كافة مناحي الحياة اليومية، فهنا يتوجب على الجميع الوقوف بحزم وقوة للقضاء على تلك الظاهرة ومحاربتها من خلال برامج وخطط تنموية شاملة ممن يملكون الحكم والقرار والمال؛ لتستهدف هذه الفئات، وليس ملاحقتها ضمن فكرة أن «التسول» مهنة الذي لا مهنة له!؛. وهناك نسبة كبيرة تتسع وتزداد من الأطفال المتُسولين، فالظاهرة تزايدت في الآونة الأخيرة في قطاع غزة بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية، وهنا تجدر الإشارة إلى أن بعض هؤلاء المتسولين هم فعلاً لم يجدوا خياراً أمامهم سوى طرق جيوب الآخرين بحثًا عن رزقهم أو العلاج لبعضهم، تحت ظروف اقتصادية أجبرتهم على التسوّل القسري لأنَّهم لم يجدوا سبيلاً آخر للُقمة العيش. إنَّ التسول ظاهرة مشينـة تقتل عزة النفس وتميت النخوة، وترفع نسبة الإعالة والبطالة، وتؤدي إلى الانحـراف الأخلاقي والفكـري، مما يُسبب تهديـدًا وإخـلالاً بالاستقـرار والأمـن العام الذي يمس العديد من وجوه الحياة الفلسطينية ويتسبب في ظهور العديد من الظواهر الفرعية المدمرة، كالتسرب من المدارس، والعديد من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، بما لها من عواقب وخيمة تقضي على الوجه القيمي، وتزرع المفاهيم الهدامة، وتشوه الوجه الحضاري المشرق للوجود الفلسطيني؛ وتنشط هذه الظاهرة كثيراً في أوقات ومواسم دينية محددة كشهر رمضان والأعياد. إن الواقع السياسي في قطاع غزة جراء الانقسام الممتد منذ اثني عشر سنة، أثر على كل مناحي الحياة، لا سيما تدهور الوضع الاقتصادي والمعيشي للآلاف من المواطنين، لعدم وجود مصدر رزق لهم ودخل مادي يساعدهم على تخطي أعباء الحياة ومتطلباتها، فلهذا تجد ظاهرة التسول تنتشر وتتفاقم في مختلف مناطق القطاع، حيث كان يشاهد قديمًا أن من يتسول ويمد يده للناس من أجل العون والمساعدة هو مواطن ترسم معالم وجهه الكبر في السن وشيخوخة خريف العمر، أمّا اليوم وفي واقع غزة المرير تجد التسول منتشرًا بين كل الفئات العمرية حتَّى بعض الشباب!؛ فنجد الطفل الصغير الذي لا يتجاوز العاشرة من عمره، يوقفك وأنت تسير في الطريق، متوسلًا إليك أن تعطيه مالاً؛ وتجد آخر يوقفك من أجل طلب المساعدة وشراء الطعام لأبنائه الصغار، كما تجد أيضًا الفتاة وهي في ربيع العمر تطلب العون والمساعدة من أجل شراء الدواء لأمها، وتجد الكثير من الحالات الإنسانية التي يطول الحديث عنها وعن ظروفها الحياتية والاجتماعية والمطلع على الواقع العام للحياة في غزة نتيجة تردي وانهيار الوضع الاقتصادي، العام في غزة، وذلك بسبب عدم توفر فرص عمل للعائلات المستورة أو ضماناً اجتماعياً، والذي دفع بها للتسول وطلب المساعدة على الملأ!؛ إن غياب الضمان الاجتماعي من أسباب التسول؛ فعلىينا جميعاً أن ندق جرس الخطر، بسبب تفشي ظاهرة التسول، وما تحمله في طياتها من خطورة على البنية الاجتماعية، ونحن نرى ونشاهد الأطفال الصغار والنساء متسولين يبحثون عن طلب المساعدة في الأماكن العامة وما يترتب عنها»!؛ فهنا يتوجب على الجميع الوقوف بحزم وقوة للقضاء على تلك الظاهرة خاصة تسول الأطفال، والذي يترتب عليه انتهاكات متعددة لحقوقهم، وخاصة الحق في الصحة والتعليم، عدا عن تأثيراته السلوكية السلبية، علماً بأن ظاهرة التسول تُكسب الأطفال سلوكاً سيئاً وخطيراً سوف يؤدي إلى مضاعفات فمن المسؤول عن ذلك، فكلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته ويتحمل من يحكم غزة من حكومة الأمر الواقع المسؤولية الأكبر في اتساع تلك الظاهرة والتي يجب أن تنتهي من خلال إيجاد الحلول الخلاقة والإنسانية والاجتماعية من قبل الحكومة والمجتمع والفصائل والتنظيمات ومؤسسات المجتمع المدني لكن تنتهي تلك الظاهرة؛ لأن الأطفال مكانهم الطبيعي مقاعد الدراسة والحياة الكريمة وليس التسول على مفترقات الطرقات، مما يدق ناقوس الخطر وعلى من يتحكم في القطاع أن يقوم بمساعدة كل من يحتاج المساعدة وتوفير سبل العيش الكريم للناس، وإلا فهو لا يستحق الحكم؛ فمن يحكم البلاد والعباد تقع عليه المسؤولية الأكبر.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها