نهاية حكم النخبة

هآرتس - آري شبيط:8/9

(المضمون: اقتراح تأسيس ما يسمى سلطة المنافسة لضمان المنافسة الحرة في الاقتصاد الاسرائيلي ومنع هيمنة كبار الاثرياء على الشركات والاتحادات ومنع الاحتكار).

قام بنيامين نتنياهو بخطئه الاقتصادي الأكبر في السادس والعشرين من تشرين الاول 1997. ففي ذلك اليوم باع رئيس الحكومة نتنياهو ملك الملاحة تيد اريسون بنك العمال. وحصلت دولة اسرائيل مقابل البنك على مبلغ كبير هو 1.37 مليار دولار. لكن الثمن الذي دفعته الدولة عن البيع كان أعلى من المقابل. فنقل السيطرة على البنك المسيطر على الدولة الى نواة سيطرة تسيطر عليها عائلة واحدة، انشأ في اسرائيل نظاما اقتصاديا اجتماعيا جديدا هو نظام حكم النخبة.

ليس نتنياهو هو الذي بدأ مسيرة الخصخصة الاسرائيلية الآثمة. فقد سبقه شمعون بيرس واسحق رابين وبايغه شوحاط. لكن نتنياهو كان يفترض ان يكون مختلفا، فقد كان ملتزما بالمنافسة الحرة ومحاربة الاحتكار. وكان بنك العمال ايضا مختلفا. فقد كان وما يزال المارد المالي الاسرائيلي. لهذا اخطأ نتنياهو خطأ تاريخيا حينما لم يجعل المارد قزما قبل ان يخصخص.

ان نقل احتكار قوي من يد الدولة الى يد عائلة رسخ الهيمنة على ثلثي سوق المصرفية الاسرائيلية. ورسخ الوضع الذي لا تنافس حقيقيا فيه بين المصارف. ورسخ الوضع الذي تظلم فيه المصارف اقتصادات البيوت بأن تجبي فائدة كبيرة من الأجراء وتمنح ملوك المال اعتمادا رخيصا.

ان صفقة نتنياهو – اريسون أخرجت مركز القوة الرئيس في الاقتصاد عن يد دولة اسرائيل ونقلته الى يد اتحاد شركات لاصحاب ثراء. وبهذا بلغت الذروة مسيرة خصخصة النخبة الحاكمة التي أحدثت هنا مصرفية نخبوية ونخبة ثراء يغذي بعضهما بعضا.

ليست السوق الحرة هي التي حلت محل الاشتراكية الاسرائيلية القديمة، بل سلطة تركيزية جديدة لمصارف ونخبة حاكمة من اصحاب الثراء واصحاب الصحف.

في الـ 14 سنة الاخيرة لم يكن لنتنياهو ولا لرؤساء حكومة آخرين فرصة لاصلاح الخطأ. فالنخبة الحاكمة الجديدة خصت الحكومة وجعلت السياسة عقيمة وحولت قادة الدولة الى دمى. وحينما حذر ديدي لحمان ميسر ويارون زليخة لم يُصغ أحد. وحينما احتجت شيلي يحيموفيتش ودوف حنين لم يفعل أحد شيئا. فقد كانت الديمقراطية الاسرائيلية عاجزة إزاء المارد الجبار الذي انشأته. ولم يكن عندها ما يكفي من القوة للثورة على تركيز القوة السياسية الذي أحدث التركيزية الاقتصادية.

توجد الآن فرصة، لمرة واحدة. فالاحتجاج الاجتماعي الكبير أذاب الخيوط التي تحكمت بها النخبة الحاكمة الثرية بالدمى. وقد أحدث وضعا يوجد فيه الآن في الميدان السياسي ثلاث قوى رئيسة: الشعب والبروفيسور دانييل تريختنبرغ ونتنياهو. لهذا يستطيع نتنياهو وتريختنبرغ أن يصنعا ما لم يصنعه أحد قبلهما ولن يستطيع أحد صنعه بعدهما. انهما يستطيعان نقض عُرى حكم النخبة الاقتصادية في دولة اسرائيل.

إن ألف فكرة تُرمى الآن في الفضاء مثل: ضريبة الوراثة، وضريبة الشركات وخفض ضريبة القيمة المضافة وتقليص ميزانية الامن. لكن مع كل الاحترام للتغيير المطلوب في مزيج الضرائب فليس هو الذي سيُحدث التغيير. ومع كل الاحترام للاقتطاع من ميزانية الامن – فليس هو الذي سيؤدي العمل. ان الثورة التي يطلبها الشعب يمكن احداثها قبل كل شيء في مجال واحد هو مجال المنافسة. ويمكن احداث الثورة باجراء حاد مضاد للنخبة الثرية الحاكمة.

اليكم الاجراء وهو جعل مكتب المسؤول عن القيود الأعمالية سلطة المنافسة. وأن تُمنح سلطة المنافسة استقلالا مطلقا وصلاحيات عليا وصلاحيات بنك اسرائيل. وأن يترأس سلطة المنافسة يارون زليخة. وأن يُنصب لسلطة المنافسة هدف هو ألا يوجد في اسرائيل في غضون ثلاث سنين مجال أعمال يكون فيه جهة أعمالية واحدة (أو اثنتين) سيطرة أعمالية. ينبغي نقض اتحادات الشركات، كسر الاحتكار وضمان المنافسة الحرة لكل فرع من الفروع.

وهكذا، حتى 2015 ستحدث ثورة حقيقية. وسيصحح نتنياهو خطأ تاريخيا ويصنع تريختنبرغ تاريخا ويحصل الشعب على عدالة اجتماعية. وبعد عشرين سنة مظلمة ستكف اسرائيل عن ان تكون حكم نخبة وتعود الى الديمقراطية.

 

تركيا والاحتجاج والشرق الاوسط

اسرائيل اليوم - زئيف جابوتنسكي:8/9

(المضمون: لا يجوز للقيادة الاسرائيلية ان تعمى عن الأخطار الضخمة من الشمال والشرق وعليها ان تستعد بما أوتيت من قدرة اقتصادية وعلمية لمجابهة هذه الأخطار).

في نهاية سنة 1955 عقدت صفقة سلاح ضخمة، بمفاهيم تلك الايام، بين مصر وتشيكوسلوفاكيا التي كانت دولة تغطية تخدم السوفييت من اجل تنفيذها. حصل المصريون آنذاك على 150 طائرة حربية متقدمة (ميغ 15). ولم يكن لاسرائيل رد مناسب على ذلك ولا سيما ان المصريين حصلوا ايضا على 50 قاذفة بعيدة المدى، و70 طائرة نقل ومئات الدبابات والمدرعات. وقد دفعوا عن السلاح، إن كانوا دفعوا أصلا، القليل جدا من المال، وكان هذا أحد اسباب رجوع الولايات المتحدة عن نيتها أن تُقرض مصر جزءا من كلفة بناء سد أسوان.

في مقابل ذلك أمم عبد الناصر قناة السويس وهو ما جعل بريطانيا وفرنسا تسيطران على قناة السويس مع سيطرة دولة اسرائيل على شبه جزيرة سيناء.

نقل السوفييت المصريين الى جانبهم نهائيا حينما دفعوا ثلث المليار ونصف المليار الدولار التي احتيج اليها لاقامة السد وتحسين الارض حوله.

لماذا أُثير صفقة السلاح تلك من الماضي؟ لأن اردوغان بعد ان بلغ تقريبا الى قطع العلاقات مع اسرائيل، يخطو نحو مناطق خطرة جدا علينا.

يوجد الآن في واقع الامر امكان منطقي لأن يحاول اردوغان معاودة الحيلة السوفييتية. فقد نعلم في المستقبل بأن سفره القريب الى القاهرة كان خطوته الاولى في محاولة نقل مصر الى جانبه.

انه قادر على ان يعرض عليها صفقة لترجع عن اتفاق السلام مع اسرائيل ولتعود في الآن نفسه لتصبح دولة مواجهة لنا، وأن تعوض عن الضرر الاقتصادي المتوقع نتيجة خسارة المساعدة الاقتصادية والعسكرية من الولايات المتحدة. ونقول لنلذ الآذان فقط ان الوضع الاقتصادي لتركيا اليوم يُمكّنها من فعل ذلك.

أوضح اللواء (احتياط) غيورا آيلاند في الاسبوع الماضي انه يجب على اسرائيل في تقديره أن تستيقظ من غفوة تتعلق بامكان الغاء مصر لاتفاق السلام وان تستعد لامكان ان يحدث هذا في غضون بضع سنين. وأضاف ان هذا سيبتلع فورا من ميزانية الدولة جميع الاموال التي يريدون تخصيصها اليوم لحل الازمات الحقيقية التي أثارها الاحتجاج الاجتماعي.

اذا تحقق سيناريو تعجيل المسار السياسي الخطر على يد اردوغان فان الحاجة الى استعداد كهذا ستصبح فورية.

يوحي اردوغان بأفعاله كلها بتصميم على العمل لاضعاف دولة اسرائيل لكنه لا يوجه تهديده الينا فقط بل الى سوريا ايضا.

وقد تشير أفعاله الى انه يطمع في حقول الغاز التي كشف عنها شرقي البحر المتوسط، فلماذا يحتاج الى ذلك؟.

كي تساعده حقول الغاز، أعني اردوغان التركي، على النفقة على حملة الزعامة غير المضعضعة للعالم الاسلامي السني. اذا تطورت الامور على هذا النحو فستكون تمهيدا لحرب يأجوج ومأجوج الحتمية في المستقبل بين تركيا والقوة المنافسة التي تقود العالم الاسلامي الشيعي، أي ايران.

منذ سكنت معارك حرب يوم الغفران لم نواجه تهديدا أمنيا كالذي يطل علينا هذه الايام من الشمال والشرق.

لهذا يجب على قيادة الدولة ان تتعرف على الأخطار الاستراتيجية وأن تستعد لهذه السيناريوهات، على أمل ألا تتحقق.

ومن اجل ذلك يجب عليها ان تستعبد جميع القدرات الاقتصادية والعلمية لدولة اسرائيل. وما لا يجوز للقيادة ان تفعله هو ان تستمر في التصرف في شأن الامن القومي والنفقة الامنية كما كنا نستطيع ان نفعل في الـ 34 سنة الاخيرة.

وهذا صحيح حتى لو خلص البروفيسور تريختنبرغ الى استنتاجات اخرى، وصحيح برغم أن رئيس حكومتنا التزم بقبول استنتاجات لجنة تريختنبرغ.

 

بشار الاسد يرفض اقتراحات طهران

هآرتس - تسفي بارئيل:8/9

(المضمون: يبدو أن الضغط الايراني لا يؤثر في الاسد، المتمسك بقراره الاستراتيجي في ادارة صراع عنيف مع المواطنين، وذلك لان كل اصلاح حقيقي معناه فقدان مراكز القوة لحكمه وسقوطه السريع).

الرئيس السوري بشار الاسد زار طهران سرا قبل بضعة ايام والتقى بالزعيم الروحي الاعلى علي خمينئي والرئيس الايراني محمود احمدي نجاد. صحيفة "زمان" العراقية التي بلغت عن ذلك على لسان مصادر دبلوماسية، اضافت بانه في اللقاء أوصت القيادة الايرانية الاسد "عدم اغلاق الباب في وجه المبادرة العربية لحل الازمة في سوريا والتفاوض بشكل ايجابي مع الجامعة العربية".

موقف ايران من المظاهرات والمتظاهرين تغير في الاسبوعين المنصرمين واطلق زعماؤها تصريحات حادة، دعت الاسد للكف عن استخدام القوة وايجاد حل غير عنيف. في الشهر الماضي صرح وزير الخارجية الايراني، علي أكبر صالحي، بان "على الحكومات ان تستجيب لمطالب شعوبها العادلة. سواء في سوريا ام في اليمن، الشعوب في هذه الدول تمثل مطالب شرعية وعلى الحكومات ان تستجيب لها بسرعة".

ولكن في هذه الاثناء يبدو أن الضغط الايراني لا يؤثر في الاسد، المتمسك بقراره الاستراتيجي في ادارة صراع عنيف مع المواطنين، وذلك لان كل اصلاح حقيقي معناه فقدان مراكز القوة لحكمه وسقوطه السريع. من هنا فان كل مبادرة خارجية للحل تعتبر كتدخل غير مرغوب فيه في شكل ادارة سوريا ويجب رفضها. هكذا، مثلا، أجل الاسد للمرة الثانية زيارة الامين العام للجامعة العربية الى دمشق، والتي كان يفترض أن تجري اليوم، والموعد الجديد تقرر ليوم السبت. وتأجيل الزيارة ليس فقط اهانة للامين العام للجامعة نبيل العربي – أحد آخر المؤيدين المتبقين للاسد – بل وتجاهل "التوصية الحارة" لايران ايضا.

قادة المعارضة بالذات يحاولون الان تجنيد ايران الى جانبهم كي تتنكر هذه للاسد وتؤيدهم. صحيفة "الشرق الاوسط" السعودية افادت أمس عن لقاء ممثلي المعارضة السورية مع دبلوماسيين ايرانيين في اوروبا. وحسب رئيس اللجنة العربية لحرية التعبير بهية المرديني، في هذه اللقاءات طلب ممثلو المعارضة نقل رسالة الى ايران بموجبها مصالحها في سوريا ستحفظ ايضا اذا ما سقط نظام الاسد وصعد نظام آخر، وان مكانة الشيعة في الدولة لن تتضرر.

ايران، التي تواصل تزويد الجيش السوري ونقل مبالغ مالية كبيرة للنظام لدعم اقتصاده، ليست عمياء عن التطورات في الدولة وعن امكانية سقوط النظام. وبالتالي من غير المستبعد أن تقرر ايران تبني الخيار في مرحلة ما، فتؤيد المظاهرات وتتنكر للاسد. اذا كانت هذه ستكون سياستها فان الامل في ان يضع سقوط الاسد حدا للنفوذ الايراني في سوريا ولبنان سيتبدد. كما تحاول المعارضة اقناع روسيا بتأييدها، حتى الان دون نجاح زائد، وبالتوازي يبعث الاسد مستشارته بثينة شعبان الى موسكو كي تواظب روسيا تأييدها للنظام.

في هذه الاثناء يواصل الاسد اعطاء الانطباع بسير الامور كالمعتاد. اول أمس قتل 16 شخصا في مدينة حمص وبلدة نعيمة قرب درعا. مقاطع فيديو نشرت على الانترنت تظهر جنودا سوريين يطلقون النار من مسافة قصيرة على المواطنين، وتقارير لمواقع المعارضة تتحدث عن اقتحامات للمنازل، تنكيل بالنساء وأعمال قتل على أيدي مجموعات الشبيحة. وفي نفس الوقت نشرت أسماء الاسد، عقيلة الرئيس، على صفحتها في الفيس بوك صورا لزيارة الزوجين لعائلة تلميذ تميز في دراسته.

الاسد يلبس في الصور سترة زرقاء، قميص غولف وبنطال جينز وعقيلته بشعر مضبوب. وبدا الزوجان كطالبين جاءا لزيارة اقربائهما في القرية. هذه الصور ترمي الى الشهادة بان أسماء لا تزال في سوريا، خلافا للتقارير التي قالت أنها فرت الى بريطانيا.

 

مرور عشر سنين منذ 11 ايلول:

مأساة امريكية

اسرائيل اليوم - ابراهام بن تسفي:8/9

(المضمون: هل يعاود الرئيس اوباما وادارته الواقعية والابتعاد عن الأوهام والأحلام ليسيرا في ارض الواقع كما فعلت ادارة جورج بوش الأب؟).

تميز سلوك الولايات المتحدة في الساحة الدولية، ولا سيما منذ الحرب العالمية الاولى، أكثر من مرة بتحولات وانتقالات حادة متطرفة. وحدث مرة بعد اخرى انطباع أن ردود الأمة الامريكية على أحداث صادمة وحروب طويلة كانت قاسية جدا وأفضت بها الى دوار رأس في دوائر أمل وخيبة أمل، وتفاؤل ملتهب واحباط عميق، وكل ذلك من غير أن تصوغ لنفسها التوازن المطلوب بين المُراد والواقع وبين الرؤيا المثالية وارض الواقع.

هكذا مثلا تهاوى سريعا الحلم السامي للرئيس وودرو ولسون بأن ينشيء في اوروبا بعد الحرب العالمية الاولى نظاما سياسيا واجتماعيا جديدا يكون قائما على مباديء على قيم ديمقراطية خالصة، تهاوى الى هاوية النسيان والخفوت. وحل محل الآمال الكبيرة التي كانت في أساس قراره دخول الحرب العالمية الاولى – بعد نهاية المعارك – عزلة منغلقة مرتابة بينت عن طموح امريكا الى الانفصال من طرف واحد عن العالم القديم الذي لم يصمد لسقف التوقعات السابقة.

بعد ذلك بعقدين، على أثر الهجوم الياباني المباغت على الاسطول الامريكي في بيرل هاربر، انقضى عصر العزلة هذا نهائيا ومُهدت الطريق لتصبح الولايات المتحدة القوة العظمى ذات الأهداف والمصالح التي تشمل العالم.

حطم الهجوم الارهابي في 11 ايلول 2001 (الذي سيكون في مركز الوعي الامريكي في يوم الاحد حينما يتم تذكر مرور عقد على هذه الصدمة) حطم بضربة واحدة صورة العمل الأولية والحذرة لادارة الرئيس بوش في الصعيد الدولي وأدى به الى تبني استراتيجية جديدة قتالية. ومثل ولسون في العقد الثاني من القرن العشرين أصبح بوش ايضا رافع راية الايمان بأنه يمكن ومن الضروري نشر بشارة الديمقراطية على أسنة الرماح ايضا (حتى في العراق الذي ليس فيه قاعدة الديمقراطية في الحد الأدنى). وهكذا أصبحت صدمة 11 ايلول والشعور بالتهديد العميق الشديد الذي أحدثته حادثة مبلورة مركزية جعلت ادارة بوش تخطو مباشرة الى داخل الصحراء العراقية باعتبار ذلك مشتقا من برنامج العمل القتالي الجديد الذي صاغته. وقد أمل بوش أن يضع اقتلاع نظام صدام حسين الاستبدادي القمعي الذي كان يُرى في واشنطن متصلا بارهاب القاعدة بحبله السري، سيضع الأساس لانشاء نظام ديمقراطي مستقر طالب للسلام – لا في بغداد وحدها بل في جميع أنحاء العالم العربي. وهكذا يسهم ايضا في أمن القوة العظمى الامريكية ورفاهيتها.

في حين عبرت سياسة الرئيس بوش في الحقيقة في الاشهر الثمانية التي سبقت العمليات عن صد عميق عن تورط ما في الساحة الدولية وعن ارادة ضمان الاستقرار بواسطة الايحاء بقوة ردعية (كما كانت الامور خلال أكثر مراحل الحرب الباردة) – تغير وجه الامور تغيرا كاملا في أعقاب هجمات 11 ايلول.

رأى الرئيس ان الهجوم الارهابي عزز مبدأ الحرب الردعية بحسب مذهب المحافظين الجدد. وقد قامت على مبدأ المبادرة العسكرية باعتبارها لبنة مركزية حيوية في محاربة الارهاب ونظم الحكم التي تمنحه التأييد والرعاية. لكن بخلاف توقعات الرئيس السابقة لم يؤدِ التدخل الامريكي الى التحول الاجتماعي والسياسي المرجو والفوري في العراق. ولم يصبح ايضا الهاما لاجراءات تحول ديمقراطي معجل في أجزاء اخرى من الشرق الاوسط بل بالعكس: فالمواجهة الطويلة المشحونة بالشقاق الطائفي على ارض العراق جعلت هذه الدولة نازفة منحلة العُرى، وألقت بظل ثقيل على فترة بوش وتركته التاريخية.

وكذلك محاولة الرئيس أن يضمن أمن مواطنيه الذين يغشاهم الخوف مقابل المس بحريات وحقوق ديمقراطية أساسية (بواسطة "قانون الوطنية") – كانت مبالغا فيها. وكان أن انتهت الى أن تصبح عصا مرتدة عليه. إن الأمة الامريكية المذعورة من الهجوم الارهابي الكثيف أصبحت أمة مجندة وتقبلت بتفهم التغيير الواجب منذ الآن في طابع حياتها في المستوى العام. لكن حقيقة أن ادارة بوش لم تحجم عن غزو المجال الخاص لمواطني الولايات المتحدة بلا سبب قوي لذلك ايضا، أثارت انتقادا واسعا لاذعا حتى من قبل السلطة القضائية.

على خلفية التنبه المؤلم من الأحلام الكبيرة، ليس من المفاجيء أن التزم وريث بوش في البيت الابيض، براك اوباما، أن يغير الاستراتيجية الامريكية من الأساس، وبذلك فصل نفسه عن هدف محاربة الارهاب باعتباره محورا مركزيا في التفكير والسلوك الامريكيين، وإزاء ذلك ليس مفاجئا ايضا ان قرار ادارة اوباما الاول كان اغلاق معسكر الاعتقال في غوانتنامو.

لكن كان اوباما خاصة وعلى نحو تناقضي – وهو الذي بذل كل جهد في بداية طريقه لمد يد المصالحة والمداعبة الى دول مؤيدة للارهاب واضحة كايران وجعل رواسب 11 ايلول في الآن نفسه قزما – هو الذي أشرف على عملية اغتيال اسامة بن لادن (والتوسيع المؤقت للتدخل العسكري الامريكي في افغانستان).

بعد مرور نحو من سنتين ونصف منذ أدائه يمين القسم يبدو ان اوباما يعرف اليوم حدود ايمانه الأولي المتعلق بمقدار قدرة اللفتات الحسنة على جعل الأعداء المتطرفين يسيرون في طريق الاعتدال. تتميز امريكا اوباما اذا بالعودة الى نهج أحزم وأصرم، على الأقل في ميدان محاربة الارهاب على ارض افغانستان واليمن.

لم تتلاش رواسب 11 ايلول من الوعي الامريكي بعد مرور عشر سنين. وقد تحطمت رؤيا جعل السيوف محاريث على ارض الواقع في مواجهة أعداء مُتحدِّين.

والسؤال هو هل يفضي الاعتراف بحدود الحلم بادارة اوباما فيما بقي لها في الرئاسة الى مناطق الواقعية الواعية التي لا أوهام فيها (التي ميزت ادارة جورج بوش الأب). وسيكون هذا بالنسبة اليها تخليا عن النواة الصلبة من اعتقاداتها الليبرالية الأولية التي ساعدتها على الوصول الى البيت الابيض.