بوب ضد بيبي

هآرتس – أسرة التحرير:8/9

روبرت (بوب) غيتس هو من أكثر الشخصيات تجربة وخبرة في الادارة الامريكية. بفضل علاقاته ومؤهلاته وصل الى رئاسة وكالة الاستخبارات المركزية الـ سي.أي.ايه، حظي بثقة الرؤساء والمقربين منذ عهد ادارة كارتر، عين وزير الدفاع الثاني في ادارة جورج بوش، وكان الوحيد في قمة هذه الادارة الذي طلب منه وتفضل بمواصلة مهام منصبه في ادارة اوباما ايضا، كجمهوري في أوساط الديمقراطيين. مذهبه الفكري مقبول على التيار المركزي في المؤسسة الامريكية الرسمية وأقواله تسمع بانصات شديد حتى بعد اعتزاله. وعليه فثمة أهمية زائدة لتحفظه الحاد من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. غيتس، كما نشر أمس، وصفه بانه "ناكر للجميل" وكمن  لا يتكبد عناء اعداد فروضه البيتية قبيل لقاءات عمل جوهرية. هذا تصريح نادر تجاه زعيم دولة صديقة، علاقاتها العسكرية مع واشنطن جيدة جدا، رغم والى جانب العلاقات السياسية الباردة.

غيتس قصد بداية مسألة التفوق النوعي للجيش الاسرائيلي؛ بمعنى، التصدير الامني الامريكي الى الدول العربية المعتدلة. اسرائيل تخشى التصدير للسلاح الامريكي، بينما ترى الولايات المتحدة في هذا السلاح وفي المشورة المرافقة له رافعات هامة، وهي ترفض التخلي عن اسواق في المنطقة للمنافسين الروس، الفرنسيين وغيرهم. واسرائيل التيتعتمد منذ عشرات السنين على مساعدات اقتصادية سخية، تتخذ صورة المتنكرة للاحتياجات الامريكية بما في ذلك خلق اماكن عمل.

غير أن هذه هي مجرد زاوية واحدة للعلاقات بين الدولتين. اسرائيل بحاجة الى المساعدات الاستخبارية والعملياتية الامريكية، ضمن امور اخرى لاعتراض صواريخ أرض – أرض. بدون موافقة امريكية، ستجد اسرائيل صعوبة في العمل عسكريا ضد اسرائيل. في زمن السلام، تتوقع اسرائيل مساعدة عسكرية واقتصادية اخرى.

سلوك نتنياهو ليس فقط يرد جميل السخاء بانعدام الكياسة؛ بل انه يقلص العطف على اسرائيل في مراكز القوة الامريكية الحيوية. ما يقوله غيتس عمليا هو ان الولايات المتحدة يمكنها بصعوبة أن تتعايش مع هذا، ولكن نتنياهو خطير على اسرائيل. ايهود باراك، الذي يعرض نفسه كصديق قديم لغيتس، لا يمكنه أن يتملص من المسؤولية عن شراكته مع نتنياهو.

 

يا نتنياهو واردوغان انزلا عن الشجرة

 

يديعوت أحرونوت - تولين دلوغلو "صحفية تركية ومحللة سياسية تسكن في أنقرة":8/9

 

(المضمون: اردوغان يحاول تحقيق ما هو غير قابل للتحقيق: طلب الاسف، التعويض للعائلات الضحايا وانهاء الحصار البحري على غزة. لو كان الحديث يدور فقط عن الاسف، لكان أسهل على اسرائيل تجاوز كبريائها. ولكن الان من الصعب جدا رؤية أحد الطرفين يتراجع عن موقفه المتصلب).

­كان يمكن ان نتوقع من الرئيس شمعون بيرس أو من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ان يصعد الى البث في ذات يوم أحداث مرمرة، في 31 أيار 2010، ويتوجه مباشرة الى الشعب التركي للاعراب عن الاسف على فقدان الحياة – لا يهم من المذنب. ولكن هذا لم يحصل. تركيا قررت طلب الاعتذار، الامم المتحدة شكلت لجنة للتحقيق في الحدث رغم معارضة اسرائيل، والعلاقات الطيبة بين الدولتين اصبحت ذكرى بعيدة.

          من جهة اخرى، يبدو ان رئيس وزراء تركيا، رجب طيب اردوغان، يعيش وهما في أنه اذا ما ربط بين رفع الحصار البحري عن غزة وبين طلبه الاعتذار والتعويض على حادثة مرمرة، فان الامر سيعطي ثماره. فهل يؤمن حقا في أن ينجح في أن يفرض على اسرائيل رفع الحصار؟

مواقف اردوغان تطرح مسألة ما الذي تحاول انقره تحقيقه حقا. تقري بالمر يقضي بان جنود الجيش الاسرائيلي اتخذوا العنف المبالغ فيه ضد الاسطول ويعرب عن تحفظه من ذلك. رغم ذلك ترفض أنقرة قبول استنتاجات اللجنة. في أعقاب تسريب التقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" أعلنت حكومة اردوغان عن عقوبات جديدة ضد اسرائيل بما في ذلك تعزيز القوة البحرية العسكرية في القسم الشرقي من البحر المتوسط. ومصادر مقربة من الحكومة في أنقرة تقدر بانه اذا ما نظمت منظمة IHH التركية التي سيرت مرمرة اسطولا آخر الى غزة، فانه سيحظى هذه المرة بمرافقة سفن سلاح  البحرية التركي، الامر الذي من شأنه أن يحدث مواجهة اخرى بين تركيا واسرائيل.

احدى الشائعات في الشارع التركي تدعي بان الازمة الحالية ترمي بالاجمال للسماح لاردوغان بالحفاظ على قاعدته الدينية – المتطرفة. وكدليل على ذلك يشير مؤيدو هذه النظرية الى قرار تركيا نصب رادار للناتو في اراضيها، والذي أحد اهدافه هو الحفاظ على اسرائيل ضد هجوم صاروخي ايراني. غير أنه في الوقت الذي تغرق فيه اوروبا في فوضى اقتصادية والولايات المتحدة تنشغل بمشاكل اخرى مختلفة تماما في مجال السياسة الخارجية ليس واضحا من أين سيأتي المال لمنظومة الصواريخ هذه.

يبدو أن أنقرة تتمزق بين ارادتها قيادة العالم الاسلامي وبين طلبها الاعتذار الاسرائيلي. اردوغان يحاول تحقيق ما هو غير قابل للتحقيق: طلب الاسف، التعويض للعائلات الضحايا وانهاء الحصار البحري على غزة. لو كان الحديث يدور فقط عن الاسف، لكان أسهل على اسرائيل تجاوز كبريائها. ولكن الان من الصعب جدا رؤية أحد الطرفين يتراجع عن موقفه المتصلب.

تقرير بالمر ترك غير قليل من الاسئلة المفتوحة. فهل نهج آخر كان يمكنه أن يمنع الاسطول الى غزة؟ هل السيطرة العسكرية على مرمرة كانت الخيار الوحيد؟ ولماذا أدارت اسرائيل الازمة كما أدارتها؟ يبدو وكأن التوتر يشعل فقط نار العلاقات بين اردوغان ونتنياهو. عندما يربط اردوغان بين مصير أنقرة ومصير غزة ويوجه اتهامات شديدة لاسرائيل، فان لذلك أثرا هائلا على مكانته في العالم العربي والاسلامي. رغم ثورات "الربيع العربي"، يبقى اردوغان شعبيا جدا في الشارع العربي.

ليس واضحا بعد كيف سيؤثر الربيع العربي على تركيا. أعضاء الحكومة الاسلامية لاردوغان يعرفون انفسهم اولا وقبل كل شيء كمسلمين. ولكن بينما تحاول تركيا ان تتبوأ دور الزعيم في العالم العربي – السني فان عليها ان تتذكر بان العرب يعرفون أنفسهم قبل كل شيء كعرب. مع بعض الحظ، فان اسرائيل وتركيا على حد سواء ستفهمان بانهما في النهاية لن تكسب أي منهما اذا ما فقدتا الواحدة الاخرى.

 

 

تهييج

هآرتس - جدعون ليفي:8/9

(المضمون: يقود اسرائيل ثلة من المهيجين ومشعلي الحرائق الذين يضرون وسيضرون بمصالح اسرائيل القومية كثيرا والجمهور في غفلة وعدم اكتراث يراقب ولا يحتج).

كأنه لم يكن صيف 2011، وكأنه لم يكن هنا احتجاج: فاسرائيل تُقاد بعمى فظيع على أيدي قلة من الساسة الذين لا مسؤولية عندهم، وهم مُهيجون خطرون لا شبيه لهم والجمهور في عدم اكتراث. انها حكومة حبلى بالأخطار، تُدبر سياسة فاضحة – ولا احتجاج. مع كل الاحترام (الكبير) للاحتجاج الاجتماعي، كان يجب أن يثير احتجاجا سياسيا. ومع كل الاحترام (الكبير) للشؤون الاجتماعية، غلاء المعيشة أمر حيوي لكن ماذا عن جوهر المعيشة الذي يعرضونه الآن للخطر باسمنا ولا نفتح لذلك فماً.

بعد الصيف يأتي الخريف كما هو المعتاد، وخريف 2011 ينذر بالسوء. فتركيا وامريكا وايلول في الامم المتحدة – ومصيرنا متروك لقلة من الساسة العابثين، برئاسة بنيامين نتنياهو الذي يظن أن الكرامة الوطنية هي أن نخسر آخر حليفة لنا في المنطقة؛ وأن الكرامة الوطنية هي جعل الاسرائيليين يخشون السفر الى الدولة التي يحبونها؛ وأن الكرامة الوطنية هي اسرائيليون تحت تفتيش مُذل في اسطنبول، وربما ايضا جنود يحاكمون في محكمة الشعوب؛ وأن الكرامة الوطنية هي أن نخسر حليفة استراتيجية ودولة مسلمة مهمة كانت الوحيدة تقريبا التي قبلتنا في المنطقة التي اخترنا العيش فيها.

ان الكرامة الوطنية في نظر نتنياهو ووزرائه هي ايضا أن نسمع من وزير دفاع آخر حليفة لنا كلاما لاذعا (صادقا) عن رئيس الحكومة. فلمن توجد كرامة أكبر اذا؟ ألمن يطلب اعتذارا محقا ويصر على ذلك أم من يدهور دولته نحو الهاوية؟.

في الغد من قتل النشطاء التسعة في متن "مرمرة" كان يجب على اسرائيل ان تعتذر من أعماق قلبها. فالاستعمال المفرط لسلاح فتاك وقتل مدنيين من دولة صديقة من مدى قصير كما بين تقرير بالمر أمر يحتاج الى الاعتذار، ولا يصعب أن نتخيل ماذا كان يحدث لو أنه قُتل تسعة نشطاء اسرائيليين من اجل يهود تركيا على يد جيشها.

لكن افيغدور ليبرمان، وزير الخارجية الأزعر، أعطى الاشارة، وبنيامين نتنياهو، رئيس الحكومة المذبذب، استسلم لجنون عدم الاعتذار. ويحسن ان نتذكر ان هذا جاء بعد الكرسي المنخفض وبعد دافوس. ويحسن ان نتذكر انه جاء في مواجهة قوة اقليمية نامية وقوية في الوقت الذي تقطع فيه مع سوريا وايران بالضبط، وعدد سكانها أكبر بعشرة أضعاف من سكان اسرائيل وجيشها النظامي أكبر بثلاثة أضعاف – لكن من ذا يعد. وماذا ستفعل مصر الآن بعد أن قطعت تركيا العلاقات تماما تقريبا؟ والى أين سيدهورنا هذا بعد؟.

يراقب الاسرائيليون كل ذلك وكأن الحديث عن كوارث طبيعية. وقد تعلموا في هذا الصيف أن غلاء المعيشة ليس قضاءً وقدراً كما روضوهم على التفكير دائما، لكنهم لم يتعلموا حتى الآن أن السياسة الخارجية ليست ظاهرة طبيعية لا يمكن تغييرها أو مكافحتها. لقد تم تزويدهم بمخدرات التنويم والطمس على الحواس، الأفيون الاسرائيلي للجماهير، ورُقية كل ازمة وهي ان العالم "معاد للسامية"، وأن العالم "ضدنا" ولا يهم ماذا نفعل. بل انهم لا يسألون انفسهم: أكل هذا مجدٍ؟ يكفي أن يسمي مذيع في التلفاز متعطش الى الشهرة رئيس حكومة تركيا "أزعر أنقرة"، وأن يقول وزير نقل عام متعطش الى الانتخابات التمهيدية ان تركيا هي التي يجب عليها الاعتذار، وأن يكتب محلل متحمس عن "معاداة السامية القديمة"، وكل ذلك كي نقبل ما يطل علينا في الخريف باعتباره جزءا من تبدل الفصول ولنشعر بأنه عادل جدا مرة اخرى.

"حريق، أيها الأخوة، حريق، بلدتنا تحترق كلها... وأنتم متكتفون من غير أن تبذلوا مساعدة ومن غير أن تُخمدوا النار، نار البلدة"، هذا ما كتبه مردخاي فيرتغ. بيد أن هذا الحريق في بلدتنا هو بقدر كبير من صنع أيدينا. يوجد مُشعلو حرائق في تركيا ايضا لكن من هم عندنا أخطر كثيرا. انهم سيحرقون المصالح القومية الأشد حيوية من اجل صدر مشدود إزاء ناخبيهم؛ وسيبيعون اسرائيل مقابل قامة منتصبة، ومتوهمة عفى عليها الزمن إزاء اعضاء مركزهم.

فماذا عن الجمهور؟ اذا كان الحديث في الحقيقة عن كارثة طبيعية وعن أن العالم كله ضدنا، فماذا يفعله سوى أن يتحد في اظهار لكونه ضحية وشعور قومي، وهي الالعاب الأحب إليه. أين الاحتجاج حينما يحتاج إليه مرة اخرى؟.

 

 

اسبوع العزة الوطنية

معاريف - روبيك روزنتال:8/9

(المضمون: في عالم خطير ومهتز، في منطقة معادية يعد قطع العلاقات مع تركيا ليس أقل من كارثة. وهو يتراكم الى تهديد وجودي. الامن ليس فقط قبة حديدية واف 16. الامن هو قبل كل شيء هو منظومة سياسية متوازنة، داعمة ومعززة).

­كم من العزة سكبت هذا الاسبوع من كل زاوية. حافظنا على عزتنا الوطنية، تركيا حافظت على عزتها الوطنية، أمتان منتصبتا القامة وقفتا الواحدة حيال الاخرى في استعراض للعزة لتريا أيا منهما ستخفض رأسها. ديكان قتاليان، قبل لحظة من الانقضاض الواحد على الاخر. الكثير، الكثير من العزة. والقليل، القليل جدا من الحكمة. القليل جدا من الرؤية الى البعيد.

ليس مناسبا اسداء مشورات دقيقة لرئيس الوزراء، ما الذي بالضبط كان ينبغي له أن يفعله أو كان يمكنه أن يفعله، وهل يعتذر، وكيف يعتذر، ومتى يفوت هذه الامكانية أو تلك. دورنا كمواطنين ليس المعرفة الافضل من الزعماء ما الذي ينبغي عمله. دورنا أن نعرض عليهم مرآة وان نقول: ما نتج عما فعلتم سيء. افعلوا على نحو أفضل. أنتم مسؤولون عنها، عن سلامتنا، عن وضع هذه الدولة في عالم خطير ومهتز، في منطقة معادية. في هذه المنطقة المعادية قطع العلاقات مع تركيا ليس أقل من كارثة. وهو يتراكم الى تهديد وجودي. الامن ليس فقط قبة حديدية واف 16. الامن هو قبل كل شيء هو منظومة سياسية متوازنة، داعمة ومعززة.

لم يكن أي عزة في استعراض الاهانة في المطار في تركيا. ليس هناك أي عزة في التوبيخ العلني لغيتس. ليس هناك أي عزة في الوضعية المتواصلة للدولة المنبوذة. ليس هناك أي عزة في خسارة مليارات الدولارات من العلاقات التجارية. ليس ثمة أي عزة، بل فشل واضح، فشل في الاختبار الوحيد الذي يتعين على السياسيين أن ينجحوا فيه، اختبار النتيجة.

في اختبار النتيجة فوتت حكومة اسرائيل موعدها الثاني في علاقاتها مع تركيا. الموعد الاول مر بنجاح كيفما أتفق، فهدأت الخواطر، والسياح عادوا، ولكن رئيس الوزراء، وبالاساس وزير خارجيته كان ينبغي لهما أن يعرفا بان الموعد الثاني سيأتي. ومثلما كان محظورا على السيطرة على مرمرة أن تنتهي بقتلى، ولكن هذا حصل، هكذا محظور أن ينتهي الموعد الثاني بقطع العلاقات، ولكن هذا حصل.

مريح جدا تحليل اعتبارات وخطوات رئيس الوزراء التركي. اردوغان "في فوضى عاطفية"، اردوغان يريد أن يكون زعيما اسلاميا رائدا في المنطقة. اردوغان يمثل العداء العميق للاسلام تجاه اسرائيل. اردوغان يدهور النزاع عن عمد. اردوغان يختلق نزاعا، كما يقول معارضوه في تركيا. في كل هذا ثمة قدر لا بأس به من الحقيقة، غير أن ليس اردوغان هو الذي ينبغي أن يرفع لنا التقارير بل نتنياهو. في اختبار النتيجة نحن نواصل فقدان اصدقاء وشركاء، وقدرتنا السياسية والامنية على المناورة.

نتنياهو يواصل كونه أسيرا، طواعية، لدى يخين وبوعز خاصته: بوغي يعلون، الذي مواقفه باتت متوقعة مثل شروق الشمس في الصباح؛ وافيغدور ليبرمان، الذي تعد الكراهية، السلبية والعدالة العدوانية والتبسيطية هي الامر الوحيد الذي يعرفه، وكل خطواته هي افتراضات تجسد نفسها – مع تركيا، مع الفلسطينيين، ولم نقل أي كلمة بعد عن ايلول.

ومن الجهة الاخرى، الصامتون وعديمو النفوذ، لا يهم الترتيب؛ دان مريدور، الذي قال مرة اخرى شيئا لم يحصيه أحد، وأولا وقبل كل شيء سيد الامن، الرجل المقرب من بيبي، ظاهرا، فقط ظاهرا، الرجل الذي يعرف كل شيء، ايهود باراك. ولا كلمة عن تركيا، بل فقط "مصادر أمنية رفيعة المستوى تعرب عن عدم الرضى". ونحن، المواطنين، الذين خرجنا الى الشوارع بجموعنا في سبيل نيل قدرة على شراء شقة وانهاء الشهر، نرى كيف يغلق طوق الحصار السياسي والاقليمي علينا، ونصمت.

 

 

عودة الى التصور العام

هآرتس - يسرائيل هرئيل:8/9

(المضمون: تحذيرات اسرائيل لأعدائها المختلفين مكررة ممجوجة لم تعد تخيف أحدا من الأعداء).

في مستهل الاسبوع تحدث قائد الجبهة الداخلية، اللواء إيال آيزنبرغ، عما في قلبه أمام حلقة مدعوين في معهد ابحاث الامن القومي فقال: "يسمى هذا ربيع الشعوب العربي لكنه يمكن أن يصبح شتاءً اسلاميا متطرفا، ويزيد هذا في احتمال حرب عامة شاملة حتى مع احتمال استعمال سلاح ابادة جماعية".

يثير كلامه عاصفة لأن كلامه الحذر ايضا ("احتمال") يُرى انه تحدٍ للسلامة السياسية التي تبلورت في اسرائيل في شأن الصبغة الحقيقية لذلك "الربيع". ولأنه أسمى الليل ليلا مخالفا الحالمين.

على أثر التحليل (الذي كان يرمي الى رسم صورة وضع لا الى التهييج) وبّخ وزير الدفاع آيزنبرغ. وحضر مساعد اهود باراك، عاموس جلعاد، ايضا المعركة وقال لآريه غولان في الشبكة الثانية: "لم يكن وضعنا الامني قط أفضل مما هو الآن". تثور قشعريرة في ظهور اولئك الذين يتذكرون أن هذا القول صدر ما يشبهه تماما عن قادة الدولة عشية حرب يوم الغفران، فهل يكرر التصور العام نفسه - والتاريخ في هذه الحال ايضا؟.

رد باراك قائلا: "لا أحد من أعداء اسرائيل معني بالمبادرة الى حرب عليها". ألا أحد؟ ولا حتى محمود احمدي نجاد؟ فلماذا حشد حسن نصر الله عشرات آلاف الصواريخ؟ ألا يُسمع أي صوت للحرب من مصر في المدة الاخيرة؟ ولماذا تُهرب الى قطاع غزة صواريخ يستطيع بعضها اصابة مطار بن غوريون؟ وهل يوجد من يعلم ماذا يولد اليوم في عمان؟.

ويحذر باراك قائلا: "انهم يعلمون جيدا لماذا لا يحسن أن يستعملوا السلاح الكيماوي، ويعلمون جيدا لماذا لا يحسن أن يفكروا حتى في استعمال هذا السلاح على اسرائيل". كلا، انهم لا يعلمون. فباراك وأشباهه من المهددِّين الدائمين علموهم أن التهديدات على شاكلة "لا يحسن بهم" هي تهديدات باطلة. ففي الانتفاضة الاولى للحجارة والزجاجات الحارقة هددوهم بأنهم اذا استعملوا السلاح الحي فستكون القواعد "في الحرب كما هي في الحرب". وجاءت الانتفاضة الثانية وأطلقوا النار ونفذوا عمليات انتحارية وقتلوا منا قتلا كثيرا، وبعد شهور كثيرة فقط من "ضبط النفس هو القوة" جاءت عملية "السور الواقي".

وآنئذ جاءت المرحلة الثالثة من التهديدات: فاذا تجرأوا على اطلاق صواريخ على السكان المدنيين فستصبح مدنهم مع سكانها أنقاضا. وكان بين المهددين كبار الأدباء في الأدب العبري وكبار الساسة من اليسار. وقد علمنا أن التهديدات على شاكلة "لا يحسن بهم حتى التفكير بسلاح كيماوي" لا غطاء لها ولن يكون لها غطاء أبدا.

إن المسدس الاسرائيلي مشحون في الحقيقة برصاص فتاك لكن اسرائيل - وهذا محقق في الوقت الذي يكون فيه باراك وزير دفاع - لن تضغط الزناد أبدا، إلا في يوم القيامة وندعو الله ألا يأتي أبدا، لا قبل ذلك. ولن يرد اليهود حتى لو أُصيب مواطنوهم بسلاح كيماوي عليهم أبدا بالقدر نفسه.

لهذا حينما يستمر اطلاق الصواريخ من غزة على مواطني الجنوب – وحتى لو كان فيها عنصر كيماوي – فان الرد سينحصر في "رصاص مصبوب" اخرى (لن تستكمل مرة اخرى حتى النهاية ولا توجد أي عملية اسرائيلية تنتهي الى اخضاع العدو وهذا أحد اسباب الحرب الأبدية). واذا لم يخطر ببالنا اخضاعهم بمرة واحدة والى الأبد بسلاح تقليدي فما معنى التحذير الأجوف من رد من نوع آخر؟.