بعد سلسلة هزائمه في الأشهر الأخيرة، وصفت احدى القنوات الفضائية المقربة من ايران، "داعش" بأنه "وحش من ورق". القناة استعارت هذا الوصف، من مقولة لزعيم الثورة الصينية ماو تسي تونغ وصف فيها الامبريالية العالمية حينها بأنها نمر من ورق.

قبل ثلاثة اعوام، كان "داعش" يثير الرعب، اوقف في حينه العالم كله على رجل واحدة، واليوم نشهد انهياره بشكل متسارع، كقصر بني من الرمال. لذلك وجب التساؤل مرة أخرى حول هذا التنظيم المتوحش الذي استعار كل دموية التاريخ البشري ليفجرها ارهابا باسم الدين. وما يجعل التساؤل اكثر الحاحا، هو ان كل الاطراف، من الولايات المتحدة الاميركية مرورا بروسيا وايران وحتى حزب الله جميعهم يعلنون النصر على داعش سواء في العراق او سوريا.

ومما يثير التساؤل ايضا تلك الاتفاقات التي ابرمها النظام السوري و"حزب الله" مع "داعش" في اكثر من موقع، والتي كان آخرها على الحدود السورية اللبنانية، والتي انتقل بموجبها ارهابيو "داعش" بالحافلات المكيفة الى مناطق أخرى من سوريا. هذه الاتفاقات تجعلنا نعيد النظر في كل ما يتعلق بهذا التنظيم، خصوصا انه كان بامكان "حزب الله" والنظام اسر هؤلاء الارهابيين المتوحشين وتقديم قادتهم إلى محكمة الجنايات الدولية، لما ارتكبوه من ابشع جرائم الحرب والارهاب.

كل ذلك يستحق ان نحلل هذه الظاهرة، ظاهرة "داعش" لكي نفهم طبيعة الصراع الذي دار ويدور في سوريا والعراق، وانعكاساته الخطيرة على الأمة العربية ومستقبلها.

من دون شك ان هناك ظروفاً موضوعية وأخرى ذاتية وراء الظاهرة الداعشية، اهم تلك الظروف هو شعور العرب السنة العراقيين، بأنهم خرجوا مهزومين ومكسورين بعد الدخول الاميركي للعراق عام 2003، فهولاء خسروا السلطة والثروة التي كانوا ينعمون بها ابان حكم صدام حسين. وفي سوريا كان العرب السنة يرغبون في إنهاء تفرد العلويين بقرار السلطة في دمشق. وهناك بالطبع ثقافة العنف الموروثة من التاريخ، بسبب هذا الصراع الدامي المتواصل بين الشيعة والسنة منذ معاوية وعلي بن ابي طالب رضي الله عنه وارضاه.

 الاعتقاد السائد، ان الولايات المتحدة، صاحبة فكرة الفوضى الخلاقة في المنطقة والعالم هي من بعث الروح في المارد الداعشي بكل ما فيه من وحشية ودموية وعنف. ولكن مع ذلك فإن هذا جزء مهم من الحقيقة ولكن ليس كلها على ما يبدو، فالواضح اليوم وبعد انجلاء الصورة تماما ونحن نراقب التطورات على الارض العراقية السورية، ان كل الاطراف استخدمت "داعش" وكان لها فيه حصة. والواضح ايضا ان لكل طرف من المستخدمين هدفه وغرضه، فقد نفخ الجميع في صورة "داعش" لكي يكون واحدة من ابشع الصفحات في تاريخ البشرية، واليوم وبعد ان حقق كل طرف اهدافه اصبح من الضروري أن يتحول الى وحش من ورق يلعق هزائمه الواحدة بعد الأخرى، والجميع ويا للعجب يعلنون بفخر الانتصار على هذا الوحش.

لدينا نحن الفلسطينيين في تاريخنا المعاصر ظواهر مشابهة للظاهرة الداعشية، تم استخدامها من اطراف عدة لتشويه الطابع التحرري للنضال الوطني الفلسطيني. المقصود هنا هي ظاهرة جماعة ابو نضال، التي انشقت في مطلع السبعينيات عن فتح والثورة الفلسطينية. هذه الجماعة تحولت الى عنوان عريض تم استخدامها من عدة اجهزة مخابرات عربية وعالمية بما في ذلك الموساد الاسرائيلي، للقيام بالأعمال القذرة، عبر سلسلة من الاغتيالات والتفجيرات الارهابية في العواصم الاوروبية، وذلك بهدف وصم النضال الوطني الفلسطيني بالارهاب.

"داعش"، وبغض النظر عن اسباب ظهوره ومن يقف خلفه فإنه تحول الى عنوان عريض يستخدمه الجميع اما لتبرير وحشيته هو، او اطماعه، او مشاريع تمدده في المنطقة العربية.

اليوم ونحن نشهد طي صفحة هذا التنظيم الدموي، وهذا بحد ذاته بشرى سارة لنا وللبشرية جمعاء، الا ان الحقيقة الباقية ان كل الاطراف التي جاءت لمحاربة "داعش" هي اليوم تتمدد في الجغرافيا العربية وعلى حساب العرب. ويبدو اليوم ان هناك سؤالا مبررا هو عن اي عرب نتحدث؟ للاجابة على هذا السوال فإنه بات من الضروري اعادة صياغة هوية الأمة على أسس انسانية جديدة يؤمن من خلالها العرب بالحوار ويعترفون بالآخر.