بدأ الجيش الاسرائيلي المناورة الحربية الاكبر حيال حزب الله منذ 1998. وتجري المناورة في قيادة المنطقة الشمالية وتمثل مواجهة مع حزب الله في لبنان. وهي تتم في فترة حساسة جدا – على خلفية التصريحات الحازمة من محافل في اسرائيل ضد تثبيت وجود ايران في لبنان. وتوضح أوساط جهاز الامن بان المناورة لا ترتبط بالتطورات الاخيرة في الساحة الشمالية وان وجهة اسرائيل ليست نحو الحرب. ولكن يمكن أن نفهم بان التغطية الاعلامية الواسعة التي اعطيت للمناورة فتنقل الرسالة بان الجيش الاسرائيلي جاهز للمواجهة. أما المناورة التي اتخذت اسم "نور دغان" على اسم قائد الموساد السابق مئير دغان الراحل الذي قاد في الماضي الجيش الشمالي.

في قيادة المنطقة الشمالية يعمل جيشان: جيش سوريا وجيش لبنان. ومع أن المناورة يجريها جيش لبنان وتمثل الحرب ضد حزب الله، في جهاز الامن يشددون على أن الحرب التالية في الشمال لن تكون "حرب لبنان الثالثة" بل ستدور في جبهتين بالتوازي: مع سوريا ومع لبنان. واضافة الى قوات حزب الله في لبنان، لديه اليوم نحو 7 الاف مقاتل على الاراضي السورية. والى جانب الالتزام السوري بمساعدة حزب الله في حربه ضد اسرائيل، هناك احتمال عال في ان ينضم الايرانيون هم ايضا، ولا سيما بنار الصواريخ نحو اسرائيل. وبالتالي فان المناورة التي تجرى اليوم تحدد عمليا كيف ستبدو الحرب التالية في الشمال.

نقطة الانطلاق الاساسية، عند مقايسة علاقات القوى بين الجيشين، الجيش الاسرائيلي وحزب الله (رئيس الاركان جادي آيزنكوت وصف حزب الله كجيش لدى تسلمه مهام منصبه)، هي حرب لبنان الثانية. وتمهيدا للحرب تزود حزب الله بـ 100–150 الف صاروخ وراكم تجربة عملياتية في القتال في سوريا كتفا لكتف مع جيش الاسد في ظل المساعدة الروسية، بما في ذلك استخدام الطائرات غير المأهولة الهجومية والمدفعية. وتتضمن فكرة الحرب التالية لدى حزب الله توجيه ضربات نارية ثقيلة على اسرائيل (اطلاق 1.200 صاروخ في اليوم)، اجتياحات برية نحو البلدات في حدود الشمال، التخفي في داخل الاراضي اللبنانية في مواجهة قوات الجيش الاسرائيلي، عمليات هجومية من البحر واستخدام أدوات طائرة غير مأهولة. بعد الانجازات العسكرية المثيرة للانطباع التي حققها حزب الله جند على الفور 4 الاف مقاتل في غضون فترة زمنية قصيرة في مساحة تجمع في منطقة المعارك في شمال سوريا. كما أن عدد قتلى حزب الله في سوريا انخفض هذه السنة جدا ويبلغ نحو 50 فقط – مقارنة مع 100 قتيل في السنة السابقة.

من الجهة الاخرى، يعيش نصرالله احساس عزلة على خلفية تصفية نائبه بدر الدين (في اسرائيل يدعون بشدة ان التصفية نفذت بتوجيه منه)، فان محيطه شكاك جدا، وحجم التأييد العام من ايران تقلص في السنة الاخيرة.

منذ 2006 يعيش الجيش الاسرائيلي ايضا في حالة تحسن كبير على كل المستويات، بما في ذلك جمع الاف الاهداف الهجومية التي كانت ناقصة جدا في الحرب السابقة. كما أن حجوم هجمات سلاح الجو اتسعت منذئذ عدة أضعاف: ما فعله سلاح الجو قبل 11 سنة في 33 يوما يمكن عمله اليوم على نحو أفضل.

من المهم التأكد من أن التحسن في الجانب الاسرائيلي يمكنه بالفعل أن يوفر الجواب اللازم حيال العدو، إذ ان حزب الله ايضا قوي جدا في مجال التعلم وجمع المعلومات الاستخبارية. في الجيش الاسرائيلي يقولون ان الاعمال ضد ارساليات السلاح التي تخرج من لبنان الى سوريا في السنوات الاخيرة حسنت "ذراع الاستخبارات وسلاح الجو" – أي التحسن الذي تم كيف نفسه مع العدو. وتركز هذا النشاط على الصواريخ الدقيقة، التي يحاول حزب الله الحصول عليها من خلال اقامة مصانع في لبنان وفي سوريا بدعم ايراني. اما الجيش الاسرائيلي فيحذر من أنه لن يسمح لمصانع انتاج الصواريخ الدقيقة بان تصبح فاعلة. من جهة اخرى في الجيش يقولون انه يجب الامتناع عن رؤية مسألة الدقة وكأنها كل شيء وخلق الاحساس – حيال الساحة الدولة وحيال الجمهور في اسرائيل ايضا – بان على هذا ستقوم وستسقط نتائج المواجهة التالية. لدى حزب الله ما يكفي من الصواريخ الثقيلة والدقيقة، مع وتيرة نار عالية، قادرة على احداث دمار وضرر كبير. اما احباط شبكة المصانع فهو هام جدا، ولكن حتى لو تم، سيلحق الجبهة الداخلية ضرر شديد في حرب مستقبلية.

وختاما، فان الطرفين غير معنيين الان بحرب، ولكن حزب الله يشعر بريح اسناد ايرانية – روسية. القدس لم تنجح في اقناع موسكو في التراجع عن التعاون مع طهران، التي ترى فيها شريكا استراتيجيا في الحرب ضد داعش وفي الحفاظ على حكم الاسد. ولكن روسيا هي ايضا جهة لاجمة كفيلة بمنع التدهور الى حرب والعمل على انهائها اذا ما اندلعت حقا. في نهاية حرب كهذه سيكون الضرر اللاحق بالجبهة الاسرائيلية الداخلية جسيما، ولكن في الجيش الاسرائيلي مقتنعين بان القوة التي ستستخدم ستكون على مستوى يقلق حتى الايرانيين.

بقلم: يوسي يهوشع