كيف نستطيع أن نتفاءل من لقاءات الرئيس أبو مازن في تركيا على فرضيات الضغط التركي على "حماس" في غزة، والمؤشرات لا تجعل التفاؤل يتقدَّم؟ بينما العكس صحيح، أي أنَّ اضمحلال التفاؤل يزيد من حجم التشاؤم بإمكانية تحقيق المصالحة والوحدة الفصائليّة حول منظمة التحرير الفلسطينية.

النَّظر بدقّة لمجموعة من المتغيّرات والمستجدّات تُبرِز لنا حجم التداخل الإقليمي المؤثِّر في قرار حركة "حماس" التي رهنت قيادتُها -في غزة تحديدًا- نفسها للمحاور الإقليمية وبطريقة تستنزف مفاهيم وقوى وإدراك هذه القيادات.

في الحين الذي تستجدي فيه قيادات الانقلاب في غزة الرضا المصري، تنزع للتباعد عن الحضن الفلسطيني، فلا تستجيب مُطلقًا لشلال الاتفاقات، والتي حاول الرئيس تبسيطها بثلاث نقاط واضحة، ولكنها لم تلقَ إلا الاعتراض والاشتراطات من قِبَل "حماس" وبشكل مُزرٍ، فدعونا نحاول النظر في المستجدات والمتغيرات خاصة مع صعود نجم يحيى السنوار، لعلّنا نفهم معًا.

اللجنة الإدارية دائمة

الرئيس حين طلب الاستجابة بحل اللجنة الإدارية، أجابوه بوضوح بقلب المعادلة: دع الحكومة تقوم بعملها بغزة ثُمَّ (نفكّر نحن ونقرّر نحن) أن نحل أو لا نحل اللجنة الإدارية! بمعنى أنَّ "حماس" لم تضع نفسها في آلية استجابة مُطلقًا، وإنَّما في سياق النظر والتحقُّق، وكأنَّها تريد أن تُحاكِم الحكومة، وتبدأ بفرض شروطها عليها، وإلا فلا حلَّ للجنة الإدارية؟!

والناظر لخطاب حاكم غزة يجد بوضوح مثل هذا السياق! فلنرى ما قاله بوضوح. يقول يحيى السنوار في  28/8/2017 أنَّ اللجنة الإدارية التي تحكم غزة بِاسم حماس "ليست مقدّسة"، وهذا جميل، ولكنَّه يضع شروطًا واضحة لحلّها حين يقول "شريطة أن تزول المبررات التي أدّت لتشكيلها!"[1].

وعمومًا لم يكن مثل هذا الكلام شاذًّا بل كان متوافقًا مع تصريحات نواطق "حماس" أو العكس، ما يعني أنَّ القرار الحمساوي أصبح واضحاً بهذا الشأن: (سنظل ممسكين برقبة غزة، ولن نفلتها إلا بشروطنا نحن)!

لن نوقف التنسيق مع الإسرائيليين!

قد يتفاجأ البعض بمثل هذا العنوان الجانبي حين الحديث عن المتغيّرات في "حماس"! ونقول لا تتحيّزوا ولا تجمدوا عند حدود ما تريدونه فقط، فالحقيقة صريحة لا تحتمل التقنيع (وضع الأقنعة). فالتنسيق من قِبَل السلطة محصّن باتفاقيات (أوسلو)، والتنسيق الأمني بين الإسرائيليين وفصيل "حماس"، وإن كان لم يتم بشكل مباشر كلقاءات، فهو مُطبّق على الأرض، وهو ما أكَّده السنوار مؤخّرًا بوضوح حين قال بمؤتمره الصحفي (حماس ليست بوارد خوض حرب جديدة مع الاحتلال ولا تسعى لها)! وهو ما يتّفق مع الطموح الإسرائيلي بإبقاء حكم "حماس" في غزة مستقرًّا، وحكم حركة "فتح" بالضفة كما تفهمه السلطات الصهيونية إمعانًا بالفصل والشقاق بين الأشقاء.

يقول "يعقوب عميدرور" الجنرال المتقاعد في المخابرات العسكرية الإسرائيلية ومستشار الأمن القومي السابق لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مقابلة حصرية مع شبكة (i24NEWS)، (لا يمكن الإطاحة بـ"حماس" من الخارج بواسطة سلاح الجو، حركة "حماس" ستبقى حتى لو هاجمناها مئة يوم، مائتي يوم، سنة، في نهاية المطاف لا يوجد قوى بديلة، فـ"حماس" قضت على القوى البديلة كافّةً في القطاع، حركة "فتح" لم تعد لديها قوة في القطاع، كلُّ مَن حاول رفع رأسه قطعوا رأسه، كلُّ من حاول النهوض كسروا رجليه، حرفيًّا أطلقوا النار على ركبتيه). وبناء عليه يقول مسؤول إسرائيلي لـ(يديعوت أحرونوت) 29/8/2017: (إنَّ الحكومة الإسرائيلية لا تضغط على "حماس" اقتصاديا لأنّها مهتمة باستقرار حكمها بغزة)، معلِّلا ذلك بأنَّ (اهتمام "إسرائيل" باستقرار الحكم الحالي في غزة ينبثق من خشيتها من أنّ البديل سيكون أسوأ بكثير)، وكما أكَّد ذلك أيضًا الكاتب الإسرائيلي"رونين بيرغمان" في مقاله [2].

إذًا "حماس" لا تريد حربًا، وكذلك الاسرائيلي لا يريد حربًا! ولا يضغط على "حماس" بل يُتيح لها التقدُّم ورغد الحكم! كما نقرأ بتصريحات الإسرائيليين الذين لا يرون أهمية بالتعامل معنا كفلسطينيين إلا لنقطتين فقط هما: الحفاظ على أمنهم أولا، والإمعان بتفتيت الجبهة الفلسطينية.

العلاقة مع محمد دحلان

تُقيمُ حركة "حماس" علاقاتها مع أي طرف وفق معادلة أصبحت واضحة تقول إنَّها لن تتخلّى عن السلطة في غزة التي تمكّنت منها بالدم، فلا يخامر ذهن أحدٍ أنّها بصدد التخلّي عن سيطرتها العسكرية والأمنية قط!

 هذا على فرضية إمكانية تخلّيها عن الشأن الإداري، ومن يحكم الأمن يحكم البلد في العالم الثالث الذي نحن منه.

لذا فإنَّ كل علاقات "حماس" في تيار غزة ترتبط بهذا العامل، وبناء عليه يصبح شأن بناء مقومات سلطة "حماس" لـ"حماس" رقم واحد،  كما قال خليل الحية (مال "حماس" لـ"حماس")، ويليه رعاية شؤون الناس بالقطاع إن استطاعت بالتحالفات المصلحية غير الايديولوجية والمؤقتة سواء مع السلطة الوطنية الفلسطينية أو مع مصر أو مع محمد دحلان أو مع الإسرائيليين.

يؤكِّد قادة "حماس" وكان آخرهم محمود الزهار وأحمد يوسف ويحيى السنوار ذلك، وممّا قاله د.أحمد يوسف بنفَسٍ تفاؤلي مبالَغ به أنَّ (المطلوب هو استمرار التواصل والسعي لجسر الهوة مع السلطة في رام الله (؟!) لتكون تلك الخطوة التي أنجزناها مع التيار الإصلاحي هي المدخل لاستكمال جهود المصالحة مع الرئيس عباس، وبالتالي نكون قد أصبنا عصفورين بحجر واحد (؟!) كسبنا دحلان وتياره وأوجدنا أرضية تعايش مريحة في قطاع غزة بين "فتح" و"حماس"، ومهدنا الطريق أيضاً لمصالحة فتحاوية – فتحاوية، وربما ذهبنا جميعاً لانتخابات تجمعنا جميعاً على قاعدة الشراكة السياسية والتوافق الوطني).

 يعود يوسف للتأكيد: (إنَّ قناعات حركة "حماس" اليوم هي الحفاظ على كسبها السياسي مع مصر ودحلان، وعدم التفريط فيه تحت أي ظرف، وذلك بأمل توظيف هذا الكسب في سعيها لتحقيق المصالحة مع الرئيس "أبو مازن")، وبعيدًا عن نفسه التفاؤلي فإنَّ في ذلك قمّة التدخل في الشأن الفتحوي الداخلي مهما حاول يوسف تغليفه بالنوايا الطيّبة!

 وفيما أكَّد السنوار عدم رغبته بخوض حرب مع الاحتلال، ما يعني التزامه المطلق بالتهدئة والتنسيق الأمني بعدم إطلاق أي رصاصة من غزة، وذلك لتعيش غزة برخاء!؟ وحياة كريمة؟ موضحًا: (بعدم خوض حرب) حيث أنّه يبذل: (كل الجهود لتجنب الحرب ودفعها للوراء قدر ما نستطيع كي يرتاح شعبنا ويلتقط أنفاسه) وأنَّ: ("حماس" وضعت نصب أعينها هدفا استراتيجيًّا بأنّ يعيش أهل غزة حياة كريمة ؟!! من دون أن يتخلوا عن مشروعهم الوطني ودعم المقاومة).

وكان ممَّا قاله السنوار وضوحًا لا لبس فيه حول العلاقة مع محمد دحلان إذ نفى ما تردَّد عن قطع فصيله الاتصالات مع القيادي المفصول من حركة "فتح"، محمد دحلان، فقال: "لم نقطع اتصالاتنا مع تيار دحلان، فهم جزء من شعبنا مهما اختلفنا معهم، ونرحب بكل من يتقدم لخدمة شعبنا، وأي لقاء يعقد سواء كان مع أبو مازن أودحلان يلزمه قرار مُسبق من قيادة الحركة".

العودة لإيران؟

في المحاور التي في الفصائل عامة تنوع قد يكون محموداً، وقد يتحوَّل لأداة وصاية من طرف إقليمي على آخر! وهذا ما كان من شأن أحد المحاور في حركة "فتح" الذي حاول اغتصاب القرار الوطني الفلسطيني في مرحلة من المراحل لصالح هذا النظام أو ذاك النظام، وتم التصدي للمحاور تلك بقوة الإيمان والثقة والعمل في البيت الفتحوي.

و"حماس" اليوم تعاني من عِلل التدخلات والتداخلات الإقليمية بين محور إيران في جهة ومحور قطر وتركيا و"الإخوان المسلمين"، وما بين تيار متزن يحاول أن يعقلن الخيارات، لكن مفاجأة السنوار كانت بالإشارة القوية لـ(العلاقات الممتازة) كما وصفها مع طهران.

هذه العلاقة "الممتازة" مع طهران إن فهم بها حسم الخيارات بين المحاور داخل فصيل "حماس"، فقد تكون مُتّسقة وليست متضاربة مع العُزلة القطرية التي تبحث عن حليف ضد دول الخليج، وقد تكون جاءت في الوقت المناسب للسنوار أو في قراءته للواقع الذي تقترب فيه تركيا من إيران ضد الأكراد، لكن اللعب على التناقضات في قضية مثل قضية فلسطين سيخلف خرابًا ودمارًا.

هلّل موقع (العالم) الإيراني وموقع (الاخبار) اللبناني لعودة العلاقات بين "حماس" وإيران كما كان، فأشارتا في تقريرهما يوم 29/8/2017 بعد الإشادة باللقاءات مع قيادات "حماس" بطهران قائلة [3] بفرح غامر أنه: (بعد سنوات من "الاختلاف" مع إيران حول الأزمة السورية، قررت قيادة حركة "حماس" إعادة العلاقات مع طهران إلى ما كانت عليه قبل عام 2011.) مضيفةً أنَّ: (زيارة الوفد "الحمساوي" لطهران لن تكون الأخيرة، بل ستشهد الأشهر المقبلة زيارات لقادة آخرين، وذلك لتأكيد عودة العلاقات إلى ما كانت عليه قبل اندلاع الأزمة السورية. وقالت مصادر إنَّه "رغم التوتر الذي شهدته العلاقات، فإن التواصل لم ينقطع يوماً، وكذلك الدعم الإيراني للمقاومة لم يتوقف وعمليات نقل السلاح مستمرة").

 وفي الإشارة لخطاب السنوار "الممتاز" حول إيران، والمرن حول سوريا الأسد يضيف الموقع حسب معلوماته من "حماس": (ستعقد "حماس" ندوات وحوارات مع أنصارها في غزة والشتات لوضعهم في صورة التحالفات "الجديدة القديمة")؟!

من الممكن أن نقول بالخاتمة إنَّ معادلة "حماس" ستتغير في ظل الفكر العملي المصلحي الجديد الذي يحمله يحيى السنوار، فهو يمسك بالميدان، ويحكم البقعة الوحيدة في العالم التي يسيطر عليها "الإخوان المسلمين"، لذا يتَّخذ بهذا قوة معنوية/إيدولوجية حيث "التمكين"، ويربطها بمعادلة قالها ألا وهي أنّه الممثِّل للمقاومة بالمنطقة، فيُعيد الربط مع محور إيران سوريا حزب الله حيث التدريب والمال والسلاح، لا سيما أنَّ قطر لا تمانع وتركيا منشغلة -وربما ممتعضة قليلا- و"حماس" غزة محاصَرة بضيق فكرانيّتها، ورؤيتها الإقصائية من دون أن تفقد السيطرة أبدًا.

 

الهوامش

 [1] للاطلاع على لقاء يحيى السنوار مع الصحافة يوم 28\8\2017 والتقرير حول ذلك على موقع "عرب 48"، والمواقع الأخرى

 [2] للرجوع لمقال (رونين بيرغمان) في صحيفة الغد الأردنية في 30\8\2017 ، تحت عنوان "إسرائيل" تعزز حكم حماس في غزة.

[3] موقع العالم التابع لقناة العالم الإيرانية في 29\8\2017 وتحت عنوان ("حماس" تعيد الدفة إلى الحلفاء) ، وفي صحيفة الأخبار اللبنانية المقربة من حزب الله حول ذات الموضوع تحت عنوان: ("حماس" تعيد الدفة إلى طهران... ودمشق)، للكاتب قاسم قاسم.