الإنتصار الذي تحقق في القدس العاصمة على بطش وعربدة وإنتهاكات حكومة اليمين المتطرف خلال الإسبوعين الماضيين، نتيجة صمود المقدسيون، وتلاحمهم، ووحدتهم تحت راية الوطنية الفلسطينية لن يمر مرور الكرام في الأجندة الإسرائيلية ومن يقف خلفها من قوى دولية وإقليمية. لإن منطق قوة الإستعمار الإستيطاني الإجلائي الإحلالي الإسرائيلي يقوم على تدوير زوايا سيناريوهاته ليتغلب اولاً على هزيمته هنا او هناك، في هذه اللحظة او المعركة او تلك؛ ثانيا الإنتقام من قوى الشعب الفلسطيني الحية وقيادتها الشرعية، والسعي لإجبارها على الإستسلام لمشيئة منطقه، المعادي للسلام، ولتعبيد الطريق لتمرير مخططه الإجرامي؛ ثالثاً تبادل الأدوار فيما بين مركبات الدولة الإستعمارية، والتكامل مع القوى الداعمة والمساندة لخيار المشروع الكولونيالي الإسرائيلي، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية لتحقيق الأهداف المؤجلة، او التي أُرغمت على تأجيلها او التراجع عنها بسبب إشتداد روح المقاومة الوطنية، والضغوط الآتية من القوى المؤيدة للنضال الفلسطيني، او من قوى عربية وإقليمية تخشى على نفسها ومصالحها في حال فلتت الإمور عن السيطرة، مما سينعكس سلباً على اوضاعها في بلدانها، لاسيما وان القضية الفلسطينية كانت ومازالت وستبقى قضية العرب المركزية
ولعل ما أطلقه نتنياهو في جلسة الحكومة الإسبوعية أمس الأحد من تهديدات ضد القيادة الفلسطينية عموماً وشخص الرئيس ابو مازن خصوصاً، يؤكد الإتجاه العام للسياسة الإسرائيلية في المرحلة المنظورة القادمة. لإكثر من سبب، إضافة لما ذكر أعلاه، يمكن إدراج إسباب خاصة وعامة منها: اولاً قضايا الفساد، التي تلاحق رئيس الحكومة نفسه، والتي يريد ان يهرب منها، ويغطي عليها عبر جنوحه نحو مرتكزات سياساته الإستعمارية؛ ثانياً حملة التحريض من قوى اليمين المتطرف، التي تتعالى وتتصاعد يوميا ضد شخص زعيم الإئتلاف الحاكم. لإن ما حصل شكل صدمة للإسرائيليين عموماً وجمهور اليمين المتطرف خصوصاً؛ ثالثاً شعور اركان الإئتلاف الحاكم أن الحكومة خرجت ضعيفة من معركة الأقصى القائمة، وهو ما عبر عنه نفتالي بينت، زعيم حزب "البيت اليهودي" وغيره من قادة وجمهور الأحزاب المشاركة في الحكومة؛ رابعاً العمل على إستعادة زمام الأمور في المشهد السياسي، وقطع الطريق على أية مطالبات بحجب الثقة عن الحكومة القائمة، وليس إقالة نتنياهو فقط.
في ضوء ما تقدم، يمكن الإفتراض ان التحديات المحتملة امام القيادة الفلسطينية تتمثل في الآتي: اولاً مضاعفة التحريض على شخص الرئيس عباس إسرائيلياً وعالمياً بما في ذلك في الأوساط العربية الرسمية المتساوقة مع إسرائيل، لتهيئة المناخ لإرتكاب اي جريمة لاحقة تمس بمكانته ورمزيته؛ ثانياً ملاحقة الفعاليات والرموز الوطنية والدينية والثقافية / الإعلامية في القدس العاصمة عبر أكثر من إسلوب، منها: الإعتقال، الإبعاد، الإغتيال بوسائل وطرق مختلفة دون وجود بصمات مباشرة للحكومة الإسرائيلية وأجهزتها الأمنية، تزوير تهم لهم، او توريط بعضهم في قضايا تؤثر على مصداقيتهم ومكانتهم الوطنية او الدينية؛ ثالثاً زيادة تضييق الخناق على القيادة والحكومة على حد سواء، وتقليص التسهيلات إن وجدت، والسعي لزيادة الحواجز والإجراءات ضد المواطنين والمؤسسات الحكومية، وحتى التضييق على حركة الرئيس ابو مازن من وإلى الوطن؛ رابعاً الحؤول دون عقد الهيئات المركزية لمنظمة التحرير الفلسطينية كالمجلس المركزي او المجلس الوطني على ارض الوطن؛ خامساً زيادة عمليات الإعدام الميدانية للشباب والفتيات ومن مختلف الأعمار، ولمنفذي العمليات الفدائية تحت أي ذريعة او سبب، ومضاعفة عمليات العربدة والبطش للتلويح بالقبضة الحديدية من جديد؛ سادساً مواصلة سياسة التهويد والمصادرة والأسرلة للاراضي الفلسطينية وخاصة في القدس العاصمة الأبدية لفلسطين المحتلة عام 1967، والإعلان عن بناء الألاف من الوحدات الإستعمارية. فضلا عن ضم الكتل الإستعمارية الكبرى للقدس، وفي نفس الوقت، عزل العديد من الأحياء والقرى الفلسطينية العربية عن القدس العاصمة، وإخراجها من جغرافيتها ادارتها البلدية؛ سابعا متابعة عملية فرض التقسيم الزماني والمكاني داخل المسجد الأقصى، ثامناً اللجوء لخيار الحرب او الإجتياح والتصعيد العسكري على جبهة محافظات الجنوب لخلط الأوراق، وتغطية عورات الإنقلابيين ومن يتواطىء معهم ... إلخ من الإجراءات الإستعمارية.
هذه التحديات وغيرها تملي على قيادة منظمة التحرير العمل على وضع السيناريوهات الكفاحية الواقعية والحازمة لوأد مشاريع وخطط حكومة نتنياهو وهي في المهد، والحؤول دون ترجمتها من خلال تصعيد المقاومة الشعبية وتحديداً في العاصمة القدس المحتلة، ومضاعفة الجهود الديبلوماسية والسياسية مع الأشقاء والأصدقاء ودول ومنابر العالم اجمع، والتوجه الفعلي إلى محكمة الجنايات الدولية لملاحقة حكومة الإئتلاف الحاكم وجرائمها السابقة والحالية واللاحقة، والتوجه للامم المتحدة لإنتزاع قرارات أممية جديدة تعزز مكانة القضية الوطنية على الصعد كافة، ومحاصرة وعزل إسرئيل حيثما أمكن ذلك، ووضع خطط منهجية لدعم عمليات المقاطعة للبضاع والسلع الإسرائيلية في بقاع الأرض كلها، والعمل على إسقاط خيار الإنقلاب الحمساوي، وإعادة الإعتبار للوحدة الوطنية لتعزيز عوامل الصمود والإنتصار .. إلخ من اشكال النضال لحماية المنجزات، التي تحققت في معركة القدس.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها