عقلية البدائل هي العقلية الأوفر حظا في تحقيق الأهداف والأكثر قدرة على جعل الأهداف منجزات على الأرض، وعقلية البدائل ترفض الجمود والتصور الأوحد لا سيما وأن السياسة تتعامل مع حاجات ومطالب وتطلعات الشعوب وهي كلها متغيرة ومتعددة لا يستقيم معها أبدا النظر من زاوية واحدة.

لذا فالبدائل في وضع الخطط وآليات التنفيذ سمة من يمتلك روح التحدي والانطلاق، مع روح التحرر ضد الجمود والقوالب المصبوبة، وفي ظني أن الرئيس محمود عباس يمثل نموذجا في هذا الاتجاه.

لقد استطاع الرئيس محمود عباس أن يفرض خلال مسيرته مجموعة أفكار كانت منزوية، ولكنها سادت. فعندما طرح المقاومة الشعبية (الكفاح الوطني الجماهيري) بديلا لما سماه (عسكرة الانتفاضة) كان يسعى للمواجهة لغرض تحقيق الهدف بما هو متاح ومقدور عليه وفعال أيضا.

ولما انطلق يفاوض كان في رأسه والقيادة الفلسطينية هدف محدد هو تحقيق الثوابت الفلسطينية التي منعها من التحقيق التصلب الإيديولوجي لرؤساء الحكومات الإسرائيلية وللدعم الأميركي والدولي والاعتقاد بصلابة الجبهة الداخلية الإسرائيلية.

في سياق البدائل دعا الرئيس عباس في كل محفل إلى المفاوضات ولكن وفق أسس، وجعل من المستوطنات مرآة الحقيقة فحينما تتوقف أو تجمد يظهر جليا أن هناك رغبة في السلام وإلا فإن المسار أصبح خاطئا لذلك توقفت المفاوضات وما زال يحدد انها- أي المفاوضات- الطريق لحل جميع القضايا العالقة.

المقاومة الشعبية أو الكفاح الجماهيري والمفاوضات السياسية والحراك العربي والحراك الدولي وخيار الأمم المتحدة (خيار أيلول) كلها من مكونات الفكر والسياسة الفلسطينية الجديدة إلتى باتت تلقى الإجماع... إلا من حماس للأسف التي تعارض بعدد من قياداتها المفاوضات كما تعارض خيار أيلول في عدمية سياسية مغلفة بالتمسك بالثوابت، وإن كانت هذه المعارضة في حقيقتها لأسباب ذاتية وهي في ذات الوقت تصب في المصلحة الإسرائيلية التي تعمل المستحيل لمنع ما سموه (تسونامي) أو هستيريا أيلول حسب أسرة (هآرتس).

سواء حصلنا على مقعد دولة في الأمم المتحدة أو على مقعد مراقب لدولة تحت الاحتلال فإن الرئيس أبو مازن يسير حتى آخر الشوط في شمس أيلول الساطعة مكذبا كل الأصوات التي راهنت على (تكتيكيته) سواء في وضع المستوطنات كشرط للمفاوضات أو في متابعة تقرير (غولديستون) بعد أن نسيه الآخرون ويتابعه هو، أو في الذهاب للأمم المتحدة دون الالتفات لإغراءات المفاوضات.

إن بدائل (خيار) أيلول الذي أزعج الإسرائيليين وحاولوا ومازالوا لمنعه بشتى السبل من تحريض عديد من الدول الأوروبية إلى التهديد بإلغاء اتفاق (أوسلو) -وكأن الإسرائيليين أبقوا منه شيئا- إلى التهديد بمعاقبة السلطة وتجميد أموال الضرائب، هذا الخيار في شمس أيلول يجب أن يترافق بالضرورة مع حراك اعلامي مكثف و عربي رسمي وجماهيري، ومع حراك فلسطيني وطني وجماهيري ومع خطة اليوم التالي وبعقلية البدائل أيضا حيث البداية لمرحلة نضال طويل جديدة يجب أن نتجهز لها دون الخلود للراحة أو الركون للفشل أو الاستلقاء في شمس الصيف دون مظلة لن نجدها إلا في جماهير شعبنا.