يخطئ من يعتقد بأن مقتل بشير الجميل، اثناء الانفجار الذي وقع يوم 14 ايلول في بيت الكتائب بالاشرفية كان السبب في وقوع مجزرتي صبرا وشاتيلا كردة فعل وانتقام، بل انها جاءت في سياق المنهج ذاته القديم الجديد الذي يتواصل عليه حكام اسرائيل، ومن لا يتذكر ليلة 9 -10 نيسان 1948 عندما قام مسلحون من أرغون زفاي ليتومي السرية التي كان يرأسها مناحيم بيغن بمهاجمة قرية دير ياسين التي كانت تسيطر على الطريق الى القدس وقد كان معظم رجال القرية خارجها وجرى صف 254 مواطنا منها معظمهم شيوخ ونساء وأطفال جرى صفهم وقتلهم بوحشية ثم ألقيت جثثهم في احدى الابار، وكذلك مجزرة كفر قاسم التي حدثت في 29 تشرين الأول 1956 وتزامنت مع العدوان الثلاثي على مصر الذي شنته اسرائيل، وبريطانيا، وفرنسا، بهدف ضرب حركة التحرر الوطني العربية التي ترأسها الزعيم جمال عبد الناصر وإعادة السيطرة على قناة السويس بعد أن تم تأميمها من قبل عبد الناصر، وشهد على بشاعة الجريمة في كفر قاسم الاسرائيلي لطيف دوري الذي تسلل إلى القرية، ودون إفادات المواطنين الذين بقوا على قيد الحياة وخاصة الجرحى منهم وكان ذلك يوم 10 تشرين الثاني 1956 في مستشفى بيلنسون، فكما خطط ثالوث الارهاب (بيغن، شارون، شامير) لمذابح دير ياسين، وكفر قاسم، وقبيا، خططوا هذه المرة، ومعهم بشير الجميل الذي أعلن في أكثر من مناسبة عن أمنيته، بازالة المخيمات الفلسطينية وشعبها عن الوجود وتحويلها الى حدائق كبيرة للحيوانات، وقد كشف عن المخطط، شارون وزير جيش اسرائيل في جلسة الحكومة التي عقدت يوم 16 ايلول، والذي اعترف خلالها بانه التقى بشير الجميل( قبل يومين من مقتله) وتوصل معه الى اتفاقات بعيدة المدى بشأن مستقبل العلاقات بين الدولتين بعد توليه منصب الرئاسة، ثم تم التنسيق(وبالتفصيل) بشأن دخول الجيش اللبناني الى بيروت الغربية وبشأن تنظيف المدينة من المخربين خلال شهر.

فكانت فرصة لا تعوض عند شارون لاستعادة معنويات الجنود الاسرائيليين التي تدنت، بسبب فشلهم وعجزهم عن اقتحام بيروت والفدائيين الفلسطينيين فيها ولمدة 88 يوما متتالية، ومن جهة ثانية، حتى لا تصبح بيروت الغربية محمية مرة أخرى بواسطة قوات الفدائيين.

وقال شارون امام الكنيست ان هيئة الاركان والقائد الاعلى للكتائب قد اجتمعوا مرتين مع جنرالات اسرائيليين ذوي رتب عالية يوم الخامس عشر من ايلول وتباحثوا في دخول المخيمات، وهو الامر الذي فعلوه في اليوم التالي، وفي هذا السياق صرح العقيد يهودا ليفي الناطق الرسمي الاسرائيلي يوم 26 أيلول بان القوات الكتائبية قد اطلعت يوم الاربعاء، ثم جرى اطلاعها مرة أخرى قبل الاقتحام الخميس، وذكرت التايم الاميركية في 4 تشرين الأول اسماء الذين اجتمعوا وهم من الجانب اللبناني: (القائد الاعلى) فادي ابراهيم والياس حبيقة رئيس المخابرات (الذي التحق بكلية القيادة والاركان الاسرائيلية)، وجوزيف ادة قائد المليشيا في الجنوب وديب انستاس رئيس الشرطة العسكرية، ومن الجانب الاسرائيلي : اللواء امير دروري قائد القيادة الشمالية والعميد اموز يارون قائد فرقة بيروت الغربية.

لم يكن لبشير الجميل( الحي) دور في تنفيذ الجريمة، فجاء دوره وهو ميت، واستغل شارون هذا الحدث لتنفيذ مخططه الذي جاء على مرحلتين:

المرحلة الاولى: اقتحام بيروت الغربية بقرار من بيغن وشارون، بعد ثلاث ساعات من الاعلان الرسمي عن مقتل بشير تحت ذريعة منع التطورات الخطيرة والحفاظ على الهدوء والنظام وكان الايحاء بأن هنالك خطرا من احتمال اقتحام المليشيات الكتائبية لبيروت الغربية للانتقام لمقتل بشير، وللالتفاف على الوزارة استند شارون في تنفيذه للمرحلة الاولى على مصادقة رئيس الحكومة لرئيس الاركان على احتلال مفاصل رئيسية في بيروت الغربية فقط وليس احتلال المدينة، ويسمع أعضاء الحكومة أول خبر بدخول الجيش الاسرائيلي الى بيروت الغربية من تقارير الاذاعة، لكنه (أي الاحتلال ) سيكون محدودا الى كورنيش المزرعة كأبعد نقطة شمالا، وهي الحدود الجنوبية لبيروت الغربية الاصلية، مع اعطاء الضمانات الاميركية، ومع منتصف نهار 16 أيلول احتلت القوات الاسرائيلية كل المدينة، وهي أول عاصمة عربية تحتل من قبل اسرائيل، لكن أهل بيروت الغربية لم يستقبلوهم كمحررين كما في الشرقية، وهذا ما تحدث عنه روبرت فيسك (التايمز 27 أيلول)، وأصبح الجنود الاسرائيليون متورطين بسرعة في حرب عصابات تقليدية، وتعرضوا لمحاولات اغتيال وبمعدل واحدة كل خمس ساعات.

المرحلة الثانية : اقتحام مخيمي صبرا وشاتيلا من قبل عصابات الكتائب ودعم لا محدود من الجيش الاسرائيلي عصر الخميس (16 أيلول)، فبعد ان أحكموا السيطرة عليها، وسدوا كل منافذها ومنعوا اي احد من الخروج، أخذوا في التعذيب والتنكيل والقتل، الاطفال قبل الكبار، والنساء قبل الرجال، والشباب قبل الشيوخ، بقروا بطون الحوامل، فقأوا الاعين، قطعوا الرؤوس بالبلطات، بتروا الاطراف، اغتصبوا النساء على مرأى من ذويهن ثم طعنوهن بالخناجر والسكاكين، قتلوا عائلات بأكملها ثم هدموا المنازل فوق رؤوسهم، وبلغت حصيلة المجازر آلاف الضحايا بين قتيل وجريح من المدنيين العزل ولا يوجد اي سلاح بأيديهم، وهناك أوجه شبه أخرى بين المذبحتين بالاضافة للقتل والذبح والتنكيل، ففي سنة 1948 كانت القوات النظامية (هاغانا) وفي سنة 1982(الجيش الاسرائيلي) تحتل المنطقة، بينما رجال العصابات (الارغون والكتائب) يدخلون ويذبحون ويقتلون، اي بالتنسيق والدعم، والهدف دب الذعر في نفوس الفلسطينيين ودفعهم الى الهرب، ولن يغفر التاريح لهم على ما اقترفته أياديهم من مجازر لا تعد ولا تحصى.

وفي 17 ايلول داهمت القوات الاسرائيلية مركز الابحاث الفلسطيني في منطقة رأس بيروت وأفرغته من محتوياته علما بأن مكتبته تضم 10000 مجلد ومرجع ومخطوطة، قاموا بنقل غالبيتها الى اسرائيل، وكما قال مدير المركز 'لقد نهبوا تراثنا الثقافي الفلسطيني، والاوراق التي أخذوها لا تقدر بثمن وربما لا يمكن تعويضها، فقد كانت تشكل أكبر مجموعة من المخططات حول فلسطين'.

وهذا يعيد للاذهان أوجه الشبه بين غزو اسرائيل للبنان واحتلال بيروت في عام 1982، وغزو التتار وهولاكو لبغداد، فهولاكو قام بقذف كتب بغداد الى نهر دجلة، وشارون أمر بنهب مركز الابحاث الفلسطيني في بيروت. بالاضافة لنهب الشقق وتحطيم ما لم يستطيعوا حمله.

وتأتي مجازر صبرا وشاتيلا برهانا اضافيا على وحشية الاحتلال وسجلا اضافيا لجرائم حربه.