(الإرهابيون يندرجون تحت ثلاث فئات : المنظرون،  والمنفذون،  والممولون)

تعيش الأمة العربية اليوم أسوأ أيامها بسب الاضطرابات والعنف الذي تعيش فيه المنطقة وحالة الانسداد المعرفي، إذ لا يوجد بلد عربي لم تمسه حالة العنف الفكري الذي تمارسه تنظيمات الهوس الديني – وقد سادت حالة من الفوضى والحروب عدد من الدول العربية مما يهدد كيان المجتمعات العربية والإسلامية بمستقبل غامض وحاضر سماته العنف والقتل...وقد بلغت حالة الانسداد مرحلة تنذر بتفكك الدول العربية إلى كيانات ومجموعات ذات إنتماء طائفي ومذهبي وأحياناً مناطقي.

تُعدّ مشكلة التطرف، من أكثر القضايا إثارة للجدل والاهتمام، وهو وصف أفكار أو أعمال ينظر إليها من قبل مطلقي هذا التعبير بأنها غير مبرّرة. والتشدّد أو التطرّف موجود داخل كل مجتمع وحزب وجماعة فالتعصب للرأي والقناعات، وعلى إلغاء الآخر ونفيه، والتعامل معه بتشدّد وحدّة فكرية أو سلوكية، ليس بالنهج الجديد، ولا يختص بفترة زمنية دون أخرى، ولا بمجموعة بشرية معينة، بل هو ظاهرة بشرية طبيعية موجودة منذ وجد الإنسان، وستظل موجودة ما دامت الحياة البشرية؛ لأنه يتعلق بطبائع البشر وميولهم ونفسياتهم.

وحدود التطرف نسبية وغامضة ومتوقفة على حدود القاعدة الاجتماعية والأخلاقية التي يلجأ المتطرفون إلى ممارساتها، فالتطرف ظاهرة مرضية بكل معنى الكلمة وعلى المستويات النفسية الثلاثة، المستوى العقلي أو المعرفي، والمستوى العاطفي أو الوجداني، والمستوى السلوكي. واخطر أشكال العنف هو الذي يترافق مع التطرف الديني أو المذهبي أو العرقي والتي يرقى بعضها إلى مستوى الجرائم الدولية.

والإرهابيون يندرجون تحت ثلاث فئات أولها بل أخطرها على الإطلاق الأيديولوجيون والمنظرون وهم أصحاب الفتاوى للجهاد ممن يحرض على الإرهاب تحت مسمى الجهاد دون الاشتراك به لجبنهم .. أما الفئة الأخرى فهي فئة المنفذون وهم الانتحاريون والمسلحون الآخرون .. الممولون هم الفئة الثالثة من تجار وأثرياء يضخون الأموال بدوافع شتى منها العقائدي ومنها الشخصي ومنها ما ينتج تحت ضغط أو تهديد من نفس الإرهابيين .. لذا فان محاربة الإرهاب تبتدئ بتجفيف منابعه العقائدية بمحاربة الفئة الأولى أولاً وتجفيف منابعه المادية بمحاربة الفئة الثالثة ثانيا ثم تأتي المرحلة الأخيرة وهي محاربة الفئة المنفذة.

والتطرف لا يعاقب عليه القانون ولا يعتبر جريمة بينما الإرهاب هو جريمة يعاقب عليها القانون، فالتطرف هو حركة اتجاه القاعدة الاجتماعية والقانونية ومن تم يصعب تجريمه، فتطرف الفكر لا يعاقب عليه القانون باعتبار هذا الأخير لا يعاقب على النوايا والأفكار، في حين أن السلوك الإرهابي المجرم هو حركة عكس القاعدة القانونية ومن ثم يتم تجريمه. ويختلف التطرف عن الإرهاب أيضاً من خلال طرق معالجته فالتطرف في الفكر، تكون وسيلة علاجه هي الفكر والحوار أما إذا تحول التطرف إلى تصادم فهو يخرج عن حدود الفكر إلى نطاق الجريمة مما يستلزم تغيير مدخل المعاملة وأسلوبها.

ومن أسباب مشكلة التطرف أسباب اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية وفكرية وإيديولوجية. فأعداد كبيرة من شباب العرب والمسلمين هم فقراء عاطلون عن العمل، إضافة للتعليم والتنشئة الاجتماعية على ثقافة الاستعلاء ورفض الآخر والتسفيه منه وتراجع التفكير النقدي وانتفاء ثقافة المشاركة. إضافة للخطابات الدينية المتعصبة التي تستند إلى تأويلات وتفسيرات خاطئة، تجانب الفهم الصحيح للإسلام ومجافية لروح الأديان كلها من الحفاظ على القيم الروحية النبيلة التي تعتمد على المحبة والرحمة والتسامح، وتنبذ التعصب والكراهية... يضاف إلى ذلك ثلاثية الفقر والأمية والجهل التي تدفع الشخص إلى الانسياق وراء خطاب ديني مشوّه وفتاوى وتأويلات مغلوطة، وآراء ضيقة الأفق، ومناخ معادٍ لثقافة الاختلاف، وفي أحيان كثيرة تكون "المرأة" في مقدمة ضحايا التطرف نتيجة لتعثر مسيرة التنمية الثقافية والاجتماعية في المجتمعات العربية. ويزيد الشعور بالقهر نتيجة المعايير المزدوجة في العلاقات الدولية تجاه قضايا العرب والمسلمين، والتي يأتي في مقدمتها استمرار القضية الفلسطينية واحتلال الأراضي العربية والاندفاع نحو الحلول المتطرفة خاصة في ظل تنامي دور قوى فاعلة، سواء كانت دولاً وجماعات في إذكاء التطرف.

وتعتبر مسألة التطرف أهم ما يؤرق الوطن العربي، فالغلو الديني والتطرف هو المصدر الرئيسي لتمزيق النسيج الاجتماعي وتكريس آليات التطرف عبر التاريخ، فظاهرة التطرف ظاهرة سلبية تجثم على صدر المجتمعات الإنسانية قديماً وحديثاً، ويبرز من بين مظاهرها المختلفة "التطرف الديني" الذي يقترن بالغلو والتشدد في الخطاب، وما يرتبط بذلك من لجوء إلى العنف، ورفض المختلف إلى حد قد يصل إلى تكفيره، بل ومحاولة إقصائه بشكل كلي.

وتتجلى انعكاسات التطرف الديني على مستويات متعددة، خاصة المرتبطة بالمجال الأمني والاجتماعي، حيث أن تأثيراتها تخلف آثاراً سلبية، تمكن من تغلغل التعصب بين فئات المجتمع، الشيء الذي يؤدي إلى اتساع هوة تماسك بنياته الاجتماعية، فيهدد بذلك أمنه الاجتماعي، فضلا عن شرخه لاستقراره الأمني العام.

وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، الذي يُعرف اختصاراً بـداعش، هو تنظيم سلفي وهابي مسلح، يُوصف بالإرهاب تتبنى فكر التطرّف الموجود في كل زمان ومكان باختلاف الجماعات والتجمعات لذلك ربطهم بالإسلام ربط زائف مغاير للحقيقة ومغاير لحقيقة الإسلام، ففكر وأجندة وأساليب هذه المجموعة تقوم على إهدار مقدرات الأمة وحرق خيرت شبابها في أتون حروب عرقية إثنية دينية طائفية وإهدار مقدراتها لذلك وجب التصدي لهذا الخطر الداهم الذي يهدد الحدود والوجود، حيث يحتاج ذلك إلى وقفة من رجالات الدين والثقافة تحدد مناطق الخطر والخلل وترسم خارطة الحل والأمل ترتكز على مقدرات الأمة ليكون هذا التنوع الاثني والعرقي اللغوي واللوني الجغرافي والاقتصادي  مصدر قوة للأمة لا مصدر ضعف. مصدر إجماع لا مصدر خلاف وذلك على أرضية المواطنة للجميع.