المشهد في «كفر قدوم» قبل يومين كان رائعاً ومثيراً وموحياً أيضاً, أكثر من ألف من أبناء بلدة كفر قدوم يحتشدون في المسجد, يؤدون الصلاة قبل خروجهم في مسيرة من مسيرات المقاومة الشعبية السلمية, احتجاجاً على الاستيطان وتنديداً به, الموعد المعروف, لأن هذه المسيرات في كفر قدوم أسبوعية, مواقع الجيش الإسرائيلي وقطعان المستوطنين يعلمون ذلك, وما أدراك ما الاستيطان؟

إنه أبشع وأحط أنواع السرقة بالإكراه, بقوة الحديد والنار, وبغطاء الأساطير والخرافات, وبحافز الجشع الذي يصل إلى حد الهستيريا, سرقة أرض شعب آخر, هو الشعب الفلسطيني, الذي يعيش فوق هذه الأرض التي هي أول أرض أشرق عليها التاريخ الإنساني, ولكن الحركة الصهيونية ومن والاها من قوى الاستعمار القديم، ادعت بنوع عجيب من عبادة الخرافات, أن هذه الأرض فلسطين بلا شعب, وحينئذ يتوجب سرقتها بكل وسائل السرقة ابتداءً من السطو المسلح وصولاً إلى الغش والخداع والتزوير!!!

وهذا هو نوع الاستيطان الإسرائيلي المستمر الآن في الضفة الغربية.

المهم، أنه قبل يومين, أي في يوم الجمعة، خطر على بال قوات الجيش الإسرائيلي في الوحدات المكلفة بمواجهة مسيرة كفر قدوم, وبتحريض من المستوطنين,أن يباغتوا المسيرة قبل أن تنطلق من المسجد, حين كان أهالي كفر قدوم مازالوا يؤدون فريضة الصلاة, فانهالت قوات الجيش بوابل من قنابل الغاز الخانق التي انفجرت في باحة المسجد ليصاب العديد من المصلين بالاختناق, وخاصة الرجال الكبار في السن أو المرضى, فما كان من شباب كفر قدوم إلا أن بدأوا يعيدون قذف هذه القنابل الغازية الخانقة باتجاه مطلقيها من الجنود الذين أصبح منظرهم مثاراً للسخرية والعار وهم يسعلون ويتنفسون بصعوبة ويغادرون المكان, بينما واصلت مسيرة المقاومة الشعبية السلمية هدفها بنجاح.

هذا الاستيطان كله من أوله إلى آخره, القديم والجديد, داخل المستوطنات المقامة أوخارجها, هو استيطان غير شرعي, ولن يكتسب شرعية مع مرور الوقت، وهذا هو السبب في القلق الهستيري الذي يشكل حياة قطعان المستوطنين, هم ليسوا في حالة من التأكد من المصير في المستقبل, فما دام استيطانهم غيرشرعي لأنه سرقة تتم بالقوة الغاشمة, فكيف للسارق أن يطمئن, وكيف للغاصب المعتدى أن يغمض عينيه بطمأنينة وكيف للذين معلق في رقابهم دماء الفلسطينيين وأرض الفلسطينيين أن يناموا؟

كل الإدعاءات الإسرائيلية،

كل مظاهر الثقة التي يدعونها،

لاتنطلي على أحد,أفعالهم, استيطانهم, عربدتهم، قوانينهم الجائرة، أنياب جرافاتهم، الأحكام الصادرة عن محاكمهم بسرقة الأرض تحت أعذار ومبررات شتى، كل هذه الوقائع السوداء والتفاصيل الإجرامية، تتحول في ليالي الإسرائيليين إلى كوابيس.

لا تصدقوا نتنياهو عندما يتظاهر بأنه الزعيم الخارق الواثق من نفسه والمحمي بتحالف غير مقدس مع المستوطنين!!!

لا تصدقوه، فهو يعرف أن اللحظة قادمة لا ريب فيها، لأنه يواجه السلام بالارهاب، والاستهانة، وائتلافات التطرف، وهذا كله غير شرعي، ولن يدوم، وخاصة أن هذا الشعب الفلسطيني ذا القضية العادلة، هو شعب حيوي لديه القدرة دائماً على تقويض الاحتلال الكبير في موازين القوى، بابتداع أشكال نضالية مدهشة، مثل الفعاليات التي يقوم بها أسبوعياً أهلنا الرائعون الشجعان الواثقون من المستقبل في كفر قدوم.

هذه تحية لكم،

و ياليتني أكون معكم، استنشق الغاز الخانق واستنشق معه قوة الأمل، الثقة في المستقبل، وأتحد مثلكم مع الأرض التي أرادها الله أن تكون لنا، وما يريده الله يكون.