شهد جنوب مدينة غزة حدثا مأساويا عصر الخميس الماضي تحديدا في الثالثة والاربعين دقيقة عندما هاجم مسلحون من عائلة دغمش ثلاث أخوة من عائلة أبو مدين بعد ان تم مهاجمة سيارتهم من قبل سيارتين من اليمين والشمال على طريق الشيخ عجلين، وهم متجهين لإحد مراكز حركة حماس الأمنية، الذي إستدعاهم لليوم الثالث على التوالي لمساءلتهم في قضية قتل شقيقهم المعتقل لديهم (جاسم) لإحد ابناء عائلة دغمش في وقت سابق من هذا العام. كانت النتيجة سقوط إثنان من الشباب فورا كضحايا، واصيب الثالث بجراح متوسطة. والثلاثة هم: ناصر عبدربة خلف ابو مدين (49 عاما) وشقيقه مالك (40 عاما) واما الجريح فهو شقيقهم الثالث حاتم (47 عاما).

ووفق معلومات مؤكدة كانت عائلة دغمش نصبت كمينين لإبناء ابو مدين، حيث إستهدفت قتل أخوة الجاني الستة المعتقل لدى حماس، لكن رحمة الله والصدف حالت دون تعاظم الجريمة البشعة والنكراء. مع ان آل ابو مدين حسب كل المعطيات المعروفة (العرف والعادة)، قدمت كل إستحقاقات عملية القتل الجبانة الأولى، واعلنت العائلة منذ بداية الإعلان عن الجريمة براءتها من القاتل، مع ان عملية القتل لإبن دغمش، لم تكن مقصودة، ودفعت كل الإستحقاقات المطلوبة منها تفاديا لأية مضاعفات سلبية، ووأدا للفتنة. لكن روح الإنتقام والشر بقيت تسيطر على بعض ابناء عائلة دغمش، الذين إرتكبوا الجريمة النكراء والمعيبة بحقهم وحق المجتمع الفلسطيني ككل.

وقبل إبراز الوجه البشع للجريمة الوحشية، التي وقعت يوم الخميس الماضي، فإن الضرورة تملي على المراقب الموضوعي، لفت النظر لكل القوى السياسية والإجتماعية والثقافية والاكاديمية ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات الحقوقية الحيادية، إلى ان لحركة حماس دور في الجريمة الجديدة. لماذا هذا الاتهام؟ هل هو إتهام "كيدي" و"باطل" ام له اساس موضوعي؟ وهل لهذا الإتهام ابعاداً سياسية ام نتاج معطيات الواقع ؟ كل المؤشرات تفيد ان الإتهام موضوعي، ولا يستهدف تضخيم الأمور، لعدة نقاط منها: اولا حركة حماس تعلم ان الموضوع الأساس إنتهى، وبالتالي لم يعد حاجة لمسألة احد؛ ثانيا دعوة الإخوة الستة على مدار ثلاثة أيام للتحقيق معهم في أمر لم يعد له ما يبرر التحقيق؛ ثالثا نصب كمينين للإخوة الستة في منطقتين معروفتين لمرورهم منها، وهو ما يعني إتاحة الفرصة لإبناء عائلة دغمش لرصدهم وتحديد طرق وصولهم للمركز؛ رابعا معرفة اجهزة حماس المختصة ان ابناء عائلة دغمش لن يتنازلوا عن لغة الثأر، وبالتالي دعوة اخوة القاتل في القضية الأولى على مدار ثلاثة ايام، يشير إلى تورطهم بشكل مباشر في تهيئة الشرط المناسب لإبناء دغمش للثأر من ابناء ابو مدين. وبالتالي حماس متورطة في ما جرى. وأي إدعاء غير ذلك يكون إدعاءا تبريريا.

اما موضوع الثأر، فهذا الأسلوب لا يتناسب مع واقع ومركبات شعبنا وقضيته الوطنية. فلا الدين يأمر بقتل أي إنسان بريء، ولا القانون العام يسمح لإي إنسان أخذ القانون باليد، لان لهذا العمل تداعيات خطيرة تمس بوحدة وسلامة المجتمع الفلسطيني. ويمنح قوى الفوضى والفلتان الأمني فرصة الإنقضاض على الأبرياء من الناس، وعلى اصحاب المصالح، ويحول دون مواجهة التحديات الوطنية. ولا يمكن للمرء ان يوجه الإتهام لكل عائلة دغمش، كما لم يوجه الإتهام سابقا لعائلة ابو مدين. لإن القاتل شخص بعينه والآن مجموعة محددة ومعروفة من 8 أشخاص، على القانون العام ان يحاسبهم، فضلا عن تدخل رجال الإصلاح لوضع حد لتمادي اسباب الفتنة.

وإذا كانت الجريمة الأولى، التي إرتكبها جاسم عبد ربه ابو مدين مدانة ومرفوضة بكل المعايير. فإن الجريمة الجديدة تعتبر أكثر دونية ووحشية، وعنوانا جديدا للفتنة والفلتان الأمني، وهو ما يستدعي من القوى الوطنية ورجال الإصلاح والمنظمات الحقوقية والشخصيات الإجتماعية المؤثرة، التدخل لفرض القصاص بحده الأقصى الواجب على القتلة الجدد، لإن جريمتهم فاقت في ابعادها كل وصف بوحشيتها وخستها. ولان عدم القصاص العادل سيفتح الشهية لكل مجرم أخذ القانون باليد. وغزة فيها ما يكفيها من الحرمان والبؤس والجوع والفاقة والبطالة والحرمان والحصار والنكبات الناتجة عن الإستعمار الإسرائيلي وحروبه الدورية والإنقلاب الحمساوي وإفرازاته  التدميرية للنسيج الوطني والإجتماعي. لذا يفترض التدخل من قبل الكل الوطني لوأد الفتنة، ووضع حد نهائي لها، ووقف لغة الثارات الجاهلية، والتمسك بروح القانون العام، وحماية السلم الأهلي. فهل يرتقي اصحاب الضمائر الحية والكل الوطني لمستوى المسؤولية الإجتماعية والثقافية والوطنية؟