عدم رغبة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في رؤية الرئيس محمود عباس، ظهرت عبر تجاهله وجود الرئيس أمامه على المنصة وهو يلقي كلمته في تأبين شمعون بيريس، وتعمده _ ربما _ لإثارته أو إغاظته، حين رحب بكل الحضور إلا الجار الذي يجلس أمامه، وبالحديث عن بطولات موشية ديان، وبراعة شارون وبيريس السياسية، الأمر الذي أثار ضيف إسرائيل الكبير، الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي حاول تعويض تجاهل نتنياهو لوجود الرئيس الفلسطيني بين كبار الحضور، حين قام بتضمين كلمته _ ربما يكون قد ارتجل هذه الفقرة، بعد أن لاحظ ما فعله نتنياهو من عدم لياقة دبلوماسية فضلا عن الدلالة السياسية _ بالقول بأن وجود الرئيس عباس تذكير بمهمة السلام التي لم تنجز بعد.
يبدو أن الحكومة الإسرائيلية تفاجأت بمشاركة الرئيس عباس، ويبدو انه هو شخصيا أراد أن يفاجئها، فلم يسبق قراره بالمشاركة أن قام باتخاذ القرار عبر أية هيئة قيادية، في السلطة أو المنظمة أو حركة فتح، لذا فان رد فعل نتنياهو بتجاهل الرئيس الفلسطيني، ما كان إلا محاولة منه لعدم إثارة الموضوع، حتى لا تتفاعل تداعياته بما يمكن أن يضع إسرائيل في ورطة، ملخصها دفعها إلى طاولة مفاوضات، هي لا تريدها ولا تسعى لها، بل وتتجنبها تماما.
ولأن الأمر لم ينته عند حدود حفل تأبين بيريس، أي أن تداعيات المشاركة الفلسطينية، لم تتوقف عند حدود تنبيه اوباما بمهمة السلام التي لم تنته بعد، بل الأهم من هذا أنها أيقظت المعارضة التي نامت في سباتها طوال عامين منذ إجراء آخر انتخابات للكنيست الإسرائيلي، لذا فقد عاد الحديث داخل إسرائيل عن محاولات جدية لإقامة حكومة موحدة مع المعارضة، وذلك لضرب احد عصفورين بحجر واحد، أولهما تهبيط عزيمة المعارضة، أو تخفيف حدة خطابها المعارض، من خلال التلويح بجزرة المشاركة بالحكم، وثانيهما، هو أن تدخل المعارضة فعلا الحكومة، فيرتاح نتنياهو إلى الأبد، من احتمالات وجع الرأس السياسي، ليس الآن، لأن ذلك غير موجود، بل في المستقبل.
وحيث أن إسرائيل أيضا بدأت بالحديث عن خديعة قامت بها تركيا، في اتفاق المصالحة بين البلدين، تمثل في عدم قيام أنقرة، بطرد التواجد الحمساوي على أراضيها، وذلك بالتزامن مع بدء الحديث عن الاستعداد لإرسال «زيتونة» قبل أسابيع في محاولة متجددة من قبل المتضامنين الأتراك مع غزة لكسر الحصار عنها، أو على الأقل تخفيف المعاناة المعيشية التي يعيشها سكانها عبر إدخال بعض السلع الغذائية والمواد الطبية.
في محاولة إذا لصد الهجوم السياسي الفلسطيني المفاجئ الذي اندفع عبر بوابات رام الله، لجأت إسرائيل إلى التصعيد ضد غزة، من خلال أولا : إجبار «زيتونة» على الرسو في أسدود وليس في غزة، واستجلاب رد فعل غير محسوب من قبل مقاومي غزة، وحيث أن ذلك أيضا لم يحدث، قامت إسرائيل بقصف شمال وجنوب قطاع غزة.
وحيث وجدت إسرائيل في تبريرها الدائم بقصف صاروخي من غزة ضد قراها الجنوبية، قامت هذه المرة بتغيير الأسطوانة بالقول بأنها ضربت البنية التحتية لـ «حماس»، وهذا كلام في منتهى الخطورة، حيث انه يعني أنها في مرات قادمة، ربما تقوم بقصف مؤسسات مدنية على اعتبار أنها بنية تحتية لحماس!
التصعيد اذاً محاولة لخلط الأوراق مجدداً، ليس بين الفلسطينيين والإسرائيليين وحسب، ولكن أيضا بين الفلسطينيين أنفسهم، الذين بعد أن اقتربوا كثيرا من التقدم خطوة على طريق إنهاء الانقسام، بإجراء انتخابات محلية شاملة لكل الضفة والقدس وغزة، عادوا خطوات للوراء، بجعل الانتخابات هذه إما رهينة التأجيل ستة أشهر أخرى، أو الإجراء في الضفة فقط، وتعيين مجالس القدس وعدم إجرائها في غزة.
أي بين خيارين أحلاهما مر، كما يقال، وهما إما إجراء الانتخابات في الضفة فقط، وبذلك تكريس للانقسام أو على الأقل، إجهاض آخر بارقة أمل بإنهائه، أو إبقاء الحالة الراهنة على ما هي عليه من سوء ومن ضعف ومن عجز عن التقدم في ملف مواجهة إسرائيل والضغط عليها ميدانيا بالمقاومة وسياسيا بالتفاوض، لإنهاء احتلالها للأرض الفلسطينية، وتحويل العام المقبل 2017 إلى عام إنهاء الاحتلال، بما يستدعي أن يكون الفلسطينيون في كامل اللياقة الكفاحية، حتى يفتحوا بعد ذلك أبواب الإسناد وبالتالي أبواب جهنم الإقليمية والدولية على إسرائيل.
برأينا، لا بد من الرد على إسرائيل، ولكن ليس من غزة، فجبهة غزة العسكرية هي الجبهة المفضلة لإسرائيل، خاصة حين تظهر وجود « كيانين « عدوين، يتحاربان ضد بعضهما البعض، وحيث أن إسرائيل خارج غزة، تفقد مثل هذه المواجهة عنصر مقاومة الاحتلال منها، وتكرس كيانية غزة مقابل دولة إسرائيل، كذلك تفرض إغلاق الجبهة السياسية على « أبو مازن « فضلا عن الجبهة الدبلوماسية. الرد يجب أن يأتي من الضفة والقدس والـ 48 والشتات، من الضفة والقدس بمقاومة شعبية لا تتوقف، ومن الـ 48 بتظاهرات ضد اليمين الإسرائيلي الحاكم، ومن الشتات، بتظاهرات تناهض احتلالا مضى عليه خمسون عاما متواصلة.
أي باختصار على الفلسطينيين حيث هم ما زالوا عاجزين عن إنهاء الانقسام، أن «ينسقوا» على اقل تقدير الفعل والكفاح المناهض لإسرائيل والذي يجب أن يكون على كل الجبهات ويشمل الجميع، فإسرائيل هي عدو الكل الفلسطيني، إن كان نسي البعض هذه الحقيقة، فلا ضير من التذكير بها وان كانت حقيقة مثل سطوع الشمس وتداول الليل والنهار !