خاص مجلة القدس العدد 330 ايلول 2016
بقلم: هيفاء الاطرش


يستمر اغتيال المخيمات الفلسطينية في سوريا حتى آخر نفس ٍ فيها ، فقد بدا أن أعداء القضية الفلسطينية عرفوا مؤخراً من أين تؤكل الكتف، وضربوا ضربتهم المسماة بالقاضية، بالنسبة للاجئين الفلسطينيين هناك.
فها هي داعش المسماة بالدولة الاسلامية المزعومة تبدأ بإغلاق المدارس البديلة المتبقية في مخيم اليرموك، والذي كان يعتبرأكبرتجمع للاجئين الفلسطينيين في سوريا، وأكبر خزان ثقافي ووطني هناك، وتشترط كتائب الجهل الداعشية لفتحها تلك المدارس، فرض مناهجها الخاصة بأيديولوجيتها السوداء، التي تنكر معظم المواد التعليمية ومن بينها مادة التربية الدينية والرسم الـمُـقـَرَّة من وزارة التربية ضمن الحكومة السورية النظامية .
وعلى مر السنين بقيت الاحصائيات ولا تزال تسجل أن نسبة المتعلمين لدى الشعب الفلسطيني هي الأعلى في الوطن العربي، تليها دولة قطر فالبحرين والكويت ثم الأردن؛ حيث سجلت آخر إحصائية نسبة الفلسطينيين المتعلمين الذكور فكانت 98.3%، أما الإناث 94.3% ؛رغم ظروف قضيتهم الصعبة من احتلال وحصار وفقر،  لتبقى المفارقة شاخصةً للعيان، داعيةً للفخر. وربما هذا هو جواب كل هذه الحروب ضدهم.
إن السنوات العجاف الأخيرة، تأتي لتكمل خطوات الحرب التي شـُنت على الفلسطينيين في العصر الحديث، فمنذ الاحتلال الاسرائيلي عام 1948 اتبعت المؤسسة الصهيونية إجراءاتها التعسفية على جميع الصعد ومنها العملية التعليمية، حيث تم  فرض مناهج هدفها تشويه وتحريف التاريخ العربي، وأسرلة الحياة باستهداف عقول الأطفال الفلسطينيين في المدارس، وها هي تستمر طاحونة الاستعمار المتغير بأشكال عديدة عبر التاريخ، وآخرها ما سمي بالدولة الاسلامية داعش.
حيث استهدفت في أول مخططاتها الأطفال والطلبة في المراحل التعليمية المبكرة في المدن التي سيطرت عليها سواء في العراق أو سوريا كمدينة الرقة ،وآخرها في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين، فكان أن تم إغلاق أربعة مدارس هناك، اثنتان منها تابعتان لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في سوريا والباقيتان هما  مدرستان بديلتان كانتا تدعمهما المؤسسات الاجتماعية العاملة قبل دخول داعش، وغير معترف بهما من قبل الأونروا كمدارس رسمية تابعة لها.
حيث بدأ التدخل الداعشي في العملية التعليمية في المخيم حال دخولها إليه بداية نيسان 2015 ، فكانت بواكير خطوات الجاهلية الداعشية عدم السماح بالاختلاط بين الذكور والإناث، وفرض ما يسمى باللباس الشرعي مع الخمار وبألوان أربعة داكنة للطالبات الصغيرات في السن، ولجميع النساء القاطنات مناطق تحت سيطرتهم في المخيم، ومن ثم فرض المناهج الخاصة بهم.
غير أن كافة أعضاء الكادر التدريسي الموجود في المخيم، رفضواهذه المناهج بعدعرضها عليهم من قبل تنظيم داعش، كذلك جابهت العائلات هذا القرار بموجة من الغضب ، تجسدت بمظاهرات نسائية، وأطفالهم على أبواب العام الدراسي الجديد لعام 2016 -2017، خاصة بعد رفض عصابات داعش فتح المدارس عقاباً للأهالي برفض المناهج الداعشية ،وقد تم حصر مراكز التعليم من قبل عصابات داعش في مدرسة للذكور جنوب المخيم في المنطقة الملاصقة للحجر الأسود، ومدرسة للإناث في وسط الحجر الاسود معقلهم الجنوبي.
 وبعد إصرار الكتائب الظلامية على تنفيذ قراراتها اضطر الكثير من الأهالي في مخيم اليرموك للانتقال إلى مناطق مجاورة للمخيم مثل يلدا وببيلا لتعليم أبنائهم المنهاج السوري النظامي، خاصة أن أكثر من 1500 من الطلاب الفلسطينيين المحاصرين في اليرموك باتوا مهددين بخطر التسرب المدرسي، وبحاجة لتأمين مدارس بديلة، وهذه مشكلة مضافة لمشاكل التعليم السابقة والتي لم يتم حلها من قبل وكالة الغوث الأونروا بشكل جذري إلى الآن، إذ إنها لا تعترف بالمدارس البديلة منذ عام 2013 في مخيم اليرموك وجوارها، بالإضافة إلى أن الطلاب لا يملكون وثائق رسمية بإتمام المراحل الدراسية في تلك المدارس؛ رغم تصريحات الاونروا أنها قامت بدعم مؤسسات المجتمع المحلي (قبل دخول داعش) من أجل تمكين 2000 طالب بقوا في مخيم اليرموك، من الاستمرار بالتعلم ، وأن برامج الأونروا تقوم بمتابعة شؤون عملية التعلم والامتحانات، لكنها تعترف أيضاً بأن ظروف الحرب والحصار منعت جزءاً من طلاب الشهادة الاعدادية وصفوف الثانوية من الخضوع للامتحانات الرسمية وتم إيجاد برامج تدعم هؤلاء الطلاب؛ لكن تلك البرامج برأينا لم تعوضهم خسارتهم للسنة الدراسية، بسبب القوانين البيروقراطية، التي لم تراع ظروف هؤلاء الطلاب كما عائلاتهم، تلك الظروف الناتجة عن تداعيات الحرب الصعبة التي عانوا منها إلى حد الاستنزاف.
لذلك على الأونروا إيجاد حل للطلاب المستهدفين بسياسة التجهيل المتعمدة حالياً والسابقة، بسبب تداعيات الحرب والحصار الذي يعانيه المخيم والمناطق المجاورة وحتى مخيم درعا الذي فقدت فيه كل مدارس الاونروا بسبب الدمار الذي لحقه أيضاً.
إن محاولة فرض منهاج التعليمي لداعش تشكل انعاكاسات خطيرة على عدة صعد والتي تأتي بهدف نشر فكر التنظيم وأيديولوجيته، وإنشاء جيل متشرب لأفكاره الهدامة ولو ولى الأدبار لاحقاً، وبالتالي تشكيل جبهات مستقبلية داخلية مقيمة مجندة وجاهزة لاستغلالهم وتوجيههم؛ هذا بالطبع في حال تطبيق سياستهم التعليمية.
وعلى ما يبدو بدأت تشكيلات داعش المتأسلمة من خلال فرض مناهجها التعليمية الظلامية، تعرف من أين تؤكل الكتف بالنسبة للاجئين المتبقين في اليرموك ، حيث يؤثر معظم الأهالي حالياً، ترك المخيم لإنقاذ أبنائهم حفاظاً على مستقبلهم التعليمي، بعد محاولات فرض المنهاج التعليمي الداعشي، وهم أي اللاجئين الفلسطينيين المتبقين، الذين كانوا قد آثروا البقاء في منازلهم لمدة طويلة، متحدين الحصار والاشتباكات والقصف الجوع .
ويشتكي اللاجئون الفلسطينيون في اليرموك من النقص الحاد من المياه، وأيضاً من تراكم النفايات التي تصدر الروائح الكريهة الناتجة عن تخمرها، بسبب توقف الخدمات في مناطق سيطرة داعش، التي كانت تقدمها المؤسسات الأهلية الناشطة، كذلك ضاقت بهم الحياة بعد فرض النقاب على النساء اللاجئات الفلسطينيات والتدخل بالحريات الشخصية إلى حد فرض الوصاية الداعشية عليهن وتسجيل حالات تعذيب وجلد لنساء ولرجال بحجة مخالفة الشرع (الذي هو منهم براء).
كذلك لا تزال المخيمات الفلسطينية الأخرى تعاني أحداث الحرب وظروفها المستمرة مثل خان الشيح ودرعا والسبينة والحسينية وحندرات وخان دنون بشكل نسبي حسب الضرر الواقع عليها.
أما بالنسبة لمخيم اليرموك فتعود أخبار اتصالات تجري بين طرفي الصراع السوري، الجهات المخولة من الحكومة السورية من جهة وداعش من جهة وجبهة النصرة من جهة لتسوية أوضاعهم، لكن ما يخشاه اللاجئون هو ظهورها واختفائها أي الاتفاقات، كالعادة كنوع من ذر الرماد في العيون، ولا ندري من هي العيون المقصودة في هذه الأيام.
وإلى المفوض العام للأونروا بييركرينبول نتوجه بالقول إن عملية التعليم لأطفال اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، والتي تعتبرعامود التنمية البشرية يتم هدمها على طريقة هولاكو ونيرون، وإن جواز السفر نحو الكرامة لأبناء اللاجئين في مخيماتهم وخاصة اليرموك وجواره يتم انتهاكه بشكل صارخ، وإننا إذ ندق أجراس الخطر، ونذكره بما عبر به في أحد تصريحاته، حيث قال وهويتحدث عن تعليم الأطفال الفلسطينيين: (إن التعليم يعد جواز سفرٍ نحو الكرامة) ونطالبه بالتحرك الفوري لاتخاذ الإجراءات اللازمة والطارئة لإنقاذ أطفالنا من كل تداعيات الحرب السورية ومنها دعشنة المناهج التعليمية، التي تتزامن و تستكمل وتتماهى مع خطوات الاحتلال الإسرائيلية التعسفية  المجرمة والممنهجة في فلسطين نحو دثر الثقافة العربية والإسلامية الحقيقية.