الجمر حينما يستعر لهيب ناره تمتد مع هبوب الرياح ليحرق الأخضر واليابس ولا يترك بيت مدرِ ولا وبرٍ إلا وأتي عليها . إن الشباب هم عماد المستقبل الواعد، وسواعد الوطن النابض، ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما بُعث حالفه الشباب ونصروه في مكة؛ فالنصر يأتي من شباب الأمة؛ إن كانوا من ذوي الأخلاق النبيلة، ومن الأتقياء الأصحاء الأخيار؛ ولكنهم يحتاجون لصقل مواهبهم ورعايتهم وتقديم الخدمات الأساسية لهم وتأسيسهم تأسيساً صحيحًا منذ بدء تكوين اللبنة الأولي للمجتمع ألا وهي الأسرة التقية النقية، صافية النبع والأصل، فمنذ ولادة الطفل تبدأ معركة التربية من قِبل الأسرة والتي تواجه جيشًا من العالم المفتوح، ومن وسائل التواصل الاجتماعي، والتي غزت البيوت، والعقول؛ مما زاد الأمر التربوي تعقيدًا للوالدين تجاه تربية الأبناء. حيث يعيش سكان قطاع غزة حصار مطبق وخانق ومُزرٍ اقترب علي ما يربو من عشر سنوات عجاف، شغلت الأنفاق الحدودية بين قطاع غزة ومصر دوراً كبيراً في تفشي وانتشار بعض الظواهر المدمرة علي المجتمع، وكان منها تجارة المخدرات وخاصة الحبوب المخدرة التي تعرف باسم (الترامادول) وقد ترعرع الانحلال والفساد وزاد مع وجود التفكك الأسري، وتراجع دور الأسرة التربوي، مع ارتفاع مضطرد في معدلات الفقر، والبطالة، والظلم، والأمراض، وعدم توفر الرعاية المجتمعية المناسبة، وغياب العدل، والرقابة، وانعدام التوعية من خطر المخدرات، وأصبحت مشكلة تعاطي المخدرات أزمة أمنية، وصحية، واقتصادية، ونفسيه واجتماعيه، واسرية واخلاقية كبيرة!! والأسباب كثيرة منها الانترنت وبعض الفضائيات الهابطة ورفقاء السوء، والاحتلال الصهيوني، وأذنابهِ، وكذلك حينما لا يهتم المسؤولون وأولي الأمر بالشكل المطلوب منهم عن محاربة رؤوس الفساد من كبار تجار ومهربي المخدرات فلا يجدون العقاب الرادع والقاسي؛ ويجدون ما يعرف بالباب الدوار للسجن؛ فيدخل كبير التجار للسجن بعدما يضبط متلبسًا بقضايا كبيرة في الاتجار وجلب الحبوب المخدرة، والمفروض أن يأخذ أشد العقوبة لأنه يدمر شباب وشابات المستقبل؛ ولكنه بعد فترة قصيرة تجده قد خرج من السجن، وهنا يستحضرني الحديث الشريف والذي ترويه أُمَّنا عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا ". لقد تأصلت تلك الظاهرة السيئة في مجتمع غزة، وزادت التجارة في الممنوعات من تلك الأقراص المخدرة وجني بعض تجار المخدرات ثروات طائله بفضل استهداف شباب غزة من خلال ترويج بضاعتهم الرخيصة صفتاً وسعراً بين الشباب، والرابح الأول في تدمير شباب غزة هو الاحتلال الصهيوني؛ فكل احتلال يسعي لتدمير الشعوب المُحتلة كما حصل في عام 1888 م قامت حرب بين الصين وبريطانيا، عرفت باسم حرب الأفيون ، بعد أن قررت الصين الحد من زراعة الأفيون واستيراده، مما أدى إلي تكبيل الإنجليز خسائر فادحة بسبب الأرباح الكبيرة التي كانت تجنيها من تجارة الأفيون في ذلك الوقت. إن الأثار الصحية للإدمان علي المخدرات خطيرة جدًا؛ حيث تؤثر علي جهاز المناعة فتدمرهُ، وتوثر علي الوعي وتغيبهُ وتؤدي إلي الهلوسة، وتوثر علي الجهاز التنفسي، وفقدان الشهية، والهزل، وفقدان الشهية، والدوار والإمساك وعسر في الهضم الخ... ولقد انتشرت ظاهرة الحبوب المخدرة في قطاع غزة في ظل استمرار الحصار، وارتفاع معدلات البطالة والفقر بين الشباب وخاصة الحبوب المخدرة (الترامادول) وهو عقار بالأصل مسكن للآلام قوي المفعول، يستخدمه عادة مرضى السرطان للتخفيف من حدة آلامهم، وقد يدفع تأثيره القوي البعض إلى تعاطيه وإدمانه؛ وفي الآونة الأخيرة انتشرت بشكل ملحوظ في غزة ظاهرة إدمان عقار الترامادول وتجارته؛ حيث تجلب تجارتهُ في غزة أموال طائلة لإصحابها تصل لملايين الدولارات سنوياً، وتستهدف التجارة جني الأرباح إلي جانب تدمير الشباب الفلسطيني، ولقد أصابت الحبوب المخدرة "الفئة السليمة" في المجتمع الغزي، أي الطبقة المتعلمة وخاصة شباب الجامعات الفلسطينية في غزة من الجنسين"، وهو ما يعطي مؤشر أن الأمر مدبر بشيء من قبيل المؤامرة لتدمير العمود الفقري للمجتمع الفلسطيني فيصبح المدمن مزمن مع مرور الوقت ويزداد في تناول الحبوب حتي تصبح متلازمة معه ويتعرض إلي (الانسمام) أي مرض عقلي وجسمي، ويصبح المدمن عدواني وليس لديه توافق اجتماعي أو أسري، ومكتئب، ومضطرب، ويتراجع مستوي تعليمه، ومنطوي، حتي يصل لدرجة أن يكذب ويسرق، وحتي القتل!! ويؤدي الادمان علي الحبوب المخدرة لالتهاب الكبد والأوعية الدموية، وتجلط الدم، والتهاب في شغاف القلب الخ. إن انتشار الترامادول في المجتمع الغزي قد وصل لدرجة كبيرة من الخطورة تحتاج من الجميع بذل الجهد الكافي لوضع حد لانتشار هذه السموم ولتفادي المضاعفات والآثار المدمرة سواء على الفرد أو الأسرة أو المجتمع؛ وبدايات الإدمان تكون دومًا بسبب ورفقة السوء، مستغلين الوضع الاجتماعي والنفسي المتدهور بسبب البطالة والفقر الضائقة الاقتصادية والهموم المستمرة، والواقع المادي السيئ لبعض أسر المتعاطين للحبوب المخدرة، والحروب التي تعرض لها قطاع غزة. إن ناقوس الخطر يدق في قطاع غزة بسبب تلك الحبوب المخدرة؛ وهي في تزايد لا يبشر بخير"، مما يتطلب منا جميعًا وقفة جادة وصارمة وتعاون بين كافة المؤسسات من أجل مكافحة ظاهرة المخدرات، والتركيز على أهمية التوعية المجتمعية في المناهج التعليمية، وايجاد خطة وطنية لمكافحة هذه الافة؛ مع توقيع عقوبة المؤبد مع الأشغال الشاقة لكبار التجار الذين يتم القبض عليهم متلبسين وهم يجلبون الحبوب المخدرة؛ وذلك لأن هذه الظاهرة كالجمر المشتعل المتحرج! فهناك ازدياد في عدد حالات المدمنين وفي من يتردد علي مراكز معالجة الادمان بما ذلك الشباب والنساء؛ مع ازدياد ملحوظ في حالات المحتجزين من الشباب خاصة في السجون بسبب الحبوب المخدرة؛؛؛ إن الضغوط الاقتصادية والاجتماعية والنفسية والحصار، ووقت الفراغ الطويل، والانقسام الفلسطيني والفقر والبطالة والحصار، وصدمات الحروب علي قطاع غزة؛ والفهم الخاطئ لتأثير العقار، مع سهولة الحصول على العقار. وضعف الحساسية الاجتماعية والمعايير الأخلاقية والثقافية حول استخدام العقار، والتقبل الاجتماعي لاستخدام العقار في بداية انتشاره خصوصا من فئة الشباب وتوزيعه في بعض المناسبات الاجتماعية، كل ذلك أدي لتفشي هذا الوباء الخطير القاتل، مع عدم الحزم بقوة من الجهات الرسمية بغزة علي تجار المخدرات ومتعاطيها؛ وكل ما سبق يدق ناقوس الخطر وعلي الجميع القيام بالتوعية المجتمعية من خلال وسائل الإعلام المتعددة وبمشاركة رموز وقيادات مجتمعية ورجال دين ومتخصصين، وتوزيع نشرات توعوية في الأماكن العامة، وتطوير وتدريب مختصين في مهارات التعامل مع الضغوط النفسية للفئات الأكثر عرضة لهذه الظاهرة من المراهقين والشباب، مع تفعيل دور الرقابة وإنفاذ القانون بالعدل مع الجميع، وتوفير أجهزة فحص لمستوى العقار في الدم، مع ضرورة إنشاء مستشفى علاجي وتأهيلي متخصص لعلاج المدمنين؛ وإلا فالنار ستحرق الجميع!!.