منذ اللحظة الأولى لاعلان موعد انتخابات المجالس والهيئات المحلية، سلطت المناظير بعدساتها المكبرة احيانا، والمنكسرة والمزوغة احيانا اخرى على قلب حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح، منها ما كان لاستكشاف واقعها بدافع الحرص على الحركة باعتبارها قائدة المشروع الوطني الفلسطيني، والعمود الفقري لحركة التحرر الوطنية الفلسطينية وممثل الشعب الفلسطيني منظمة التحرير الفلسطينية، والاخر كان مدفوعا بغريزة الكراهية والعدائية المتاصلة للوطنية والديمقراطية الفلسطينية التي جسدتها فتح في مؤسسات المنظمة والسلطة والوطنية، ومرفوعا على الرغبة والمتعة وتلذذ سادي برؤية فتح وقد سقطت في امتحان الزفت على الطرقات، ومواسير الماء وأعمدة الكهرباء وغيرها!.

لن تتحقق لهؤلاء الساديين رغباتهم فحركة بحجم فتح يتجاوز حضورها التاريخي العملي حدود فلسطين الجغرافية لتصل الى كل وطني فلسطيني في القارات الخمس، والى الأمة العربية في وطن الثلاثمائة مليون عربي، والى أغلبية النواب الأحرار في برلمانات دول العالم، فحركة فتح التي كبرت بعيون الوطنيين الفلسطينيين والعرب وشعوب العالم، ما كانت لتحصل على هذا المقام في عقولهم وقلوبهم وسجلات التاريخ في صفحات كتبهم الا لأنها وضعت فلسطين أولا وأخيرا، ولأنها انتصرت للقضية اولا وأخيرا، ولأنها كانت ومازالت تبحث عن خيارات الخلاص للشعب الفلسطيني، وحريته واستقلاله وليس عن مخارج نجاة لأعضائها.

فتح التي صمدت وابطلت مؤامرات محلية واقليمية ودولية وحققت اهدافا مرحلية، واسقطت مقولة التفوق والذكاء الاسرائيلي، وأخذت زمام المبادرة واطلاق كل مراحل الكفاح والنضال الوطني لا يفكرن أحد بسقوطها، ولا ينتظر فرحة عمره هذه، لأن تمرد فتح وثورتها على الواقع هو سر ديمومتها، فالحركة التي جعلت التجربة التاريخية الكفاحية والمقومات الثقافية للشعب الفلسطيني، ونهلت من كتب مدرسته في التنظيم والبناء، ورفع اركان المجتمع الحضاري، الديمقراطي المؤسس على قوانين لن يكون في قاموسها الا مصطلح النجاح والفوز ليس في المناصب والسلطة، وانما في المهمات الوطنية المنوطة بها، لن تمكن اعداء المشروع الوطني، ولا العاملين على هدمه من الداخل، ولا المتحالفين مع الاحتلال مباشرة او بسبل ملتوية، ولا الساعين لأخذ الشعب الى مستودعاتهم كذخيرة حية، يلقمون بابنائنا وشبابنا بنادقهم المؤجرة لصالح اجندات جماعات دولية، او عصابات دولية، او دول اقليمية، لذلك هي عاقدة العزم على الانتصار في تنافس ديمقراطي اقرته كمبدأ منذ انطلاقتها، ليس لأن الواجب الوطني يقتضي الفوز والانتصار لتمكين المشروع الوطني من التقدم والارتقاء نحو الاستقلال والحرية وحسب، بل للحفاظ على الوجه الحضاري للشعب الفلسطيني الذي كان من اوائل الشعوب في المنطقة التي عملت على تنظيم شؤونها منذ حوالي مئتي عام، بما يليق بأركان الدولة التي نعرفها الآن، والتأكيد على قدرته في تنظيم الحياة السياسية، وتداول السلطة سلميا، رغم ظروف الاحتلال والارهاب، واختلالات التوازن الأمني والسياسي والاجتماعي في المحيط العربي.

فتح لا يعرفها الا المؤمنون، الذين اتخذوا هويتهم الوطنية عقيدة سياسية، تشحنهم بالصبر والقوة، وتمنع تغلغل الاحباط واليأس الى نفوسهم، فتح التي يتعلم مناضلونا ويستخلصون العبر من من اول جولة في الصراع ستمضي قدما لتثبت للشعب الفلسطيني أن الوفاء بتعهداتها ولقراراتها ومبادئها واهدافها هو سمتها الأصيلة، ولتثبت للعالم أن حركة التحرر الوطنية الفلسطينية التي عُزِفَ نشيدها (فدائي) الذي هو نشيد دولة فلسطين في البرلمان الأوروبي، ورُفِعَ علم فلسطين في اروقته احتفاء برئيسها وقائدها العام ورئيس الشعب الفلسطيني المنتخب محمود عباس ابو مازن، لتثبت انها العقل الوطني القومي الانساني، انها قلب الفلسطينيين وحواسهم، ومركز توازن الجسم الفلسطيني السائر بخطى ثابتة نحو الحرية والاستقلال، ومعها احرار فلسطين الوطنيون المتنافسون بشرف على العطاء للشعب.

فتح التي تقدمت دائما في الميادين ستتقدم ايضا في ميدان المنافسة الديمقراطية، ستدخل بعنفوان الفدائي الثائر المناضل ميدان التعمير والبناء عندما يقرع جرس القانون، ففتح التي كانت الثورة في البداية ستكون ثورة البناء حتى ترفع في سماء القدس الراية.