تعذر عليّ الوصول إلى رام الله ، للمشاركة في إحدى حلقات مركز مسارات “ نحو رؤية شاملة لأعادة بناء الوحدة الوطنية “ وهي حلقات متصلة ، تم عقد بعضها داخل فلسطين ، وبعضها الأخر في عدد من العواصمم العربية خارج فلسطين ، بالتعاون من مراكز أخرى وبتغطية من مؤسسات دولية ، مما يعكس الاهتمام العربي والدولي وأثره على حياة الشعب الفلسطيني ووحدته الوطنية ، وعلى القضية الفلسطينية برمتها ، ومن خلالها على مجمل الوضع الاقليمي ، فالصراع الفلسطيني الإسرائيلي له تداعياته الاقليمية والدولية ، رغم كل محاولات حكومة المستوطنين بإدارة نتنياهو تقزيم هذا الصراع ، وإبعاده عن الاهتمامات العربية والدولية ، والقفز عن كل الأستحقاقات الفلسطينية المطلوبة من المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي ، يتسلل نتنياهو نحو إختراق الحواجز والمعيقات ويعمل على تطبيع علاقات تل أبيب الأمنية والاقتصادية والسياسية مع العواصم العربية المنشغلة بالحروب البينية فيما بينها ، وبصراعاتها الاقليمية في مواجهة إيران وتركيا وأثيوبيا ، أكثر من أي شيء أخر ، حيث ينعكس ذلك على تردي الوضع المعيشي والإنساني والسياسي للفلسطينيين وإفقارهم والعمل على تدمير مقومات حياتهم من قبل المشروع الإستعماري الإسرائيلي المتفوق ، لجعل أرض فلسطين طاردة لشعبها .

 
وبعيداً عن صراعات الاقليم البينية ومع جيرانه ، تتوه الأولويات لدى فصائل العمل السياسي الفلسطيني ، وخاصة لدى حركتي فتح وحماس ، بعيداً عن إعطاء الأهمية لعناوين الوحدة الثلاثة المطلوبة وهي : 1- برنامج سياسي مشترك ، و2- مؤسسة تمثيلية موحدة ، و3- أدوات كفاحية متفق عليها ، وحينما ندقق بإهتمامات الفلسطينيين نلحظ ظاهرتين :
 
أولهما : إستعداد كفاح عالي لدى شبيبة فلسطين وأبرز مظاهرها إنتفاضة القدس التي إنفجرت مع بداية شهر اكتوبر 2015 وسقط خلالها حوالي مائتي شهيد شاب وشابة خلال الأشهر الماضية ، وإعتقال حوالي ثلاثة ألاف شاب ، بدون غطاء كفاحي من قبل الفصيلين ، مترافقاً ذلك مع مظاهر العنصرية الإسرائيلية الفاقعة عبر تشريع قوانين متطرفة ، تستهدف الأطفال في الاعتقال لسنوات طويلة وهدم بيوتهم ، حتى بات عنوان النضال الفلسطيني هم الأطفال والشباب والشابات في مواجهة الاحتلال بما لايقاس مع تقاعس المتفرغين من الفصائل حيث تحولوا لمجرد موظفين لدى القيادات يلتزمون بسياسات التنسيق بين رام الله وتل أبيب ، وسياسات التهدئة بين غزة وتل أبيب .
 
وثاني الاهتمامات الكفاحية ما نلحظه من بعض مظاهر الدعوة للوحدة والاحتجاج على الانقسام ، سواء مصدرها أطراف من فصائل العمل السياسي من اليساريين أو القوميين أو من قبل المستقلين الذين يشعرون بالأذى من إستمرار الانقسام ويندفعون بحس من المسؤولية في محاولة لتحريك الجو وممارسة الضغط نحو دفع فصيلي الانقسام للإستجابة لما هو مطلوب منهما من إلتزامات وإستحقاقات ، وتبادل التنازلات وإعلاء المصلحة الوطنية أكثر من غلو المصلحة الحزبية التنظيمية الضيقة .
 
الأوراق التي وصلتني ، عناوينها ملفتة للإهتمام ويجب أن تكون حوافز لكل من يشعر بالمسؤولية نحو فلسطين وشعبها وقضيتها بدءاً من “ وثيقة الوحدة الوطنية “، “ و “دور الشتات في تحقيق الوحدة “ ونحو “ برنامج إستراتيجي وليس مصالحة طرفي الانقسام “ تدلل على وجود رؤية جادة لدى قادة المجتمع المدني الفلسطيني يفوق ما لدى قيادات العمل السياسي ، وعليه علينا أن نبدأ أولاً من تحديد مكونات الشعب الفلسطيني الثلاثة وهم : 1- فلسطينيو مناطق 48 ، و2- فلسطينيو مناطق 67 ، و3- فلسطينيو المنافي والشتات ، والمكونات الثلاثة لكل منهم برنامج يختلف مع برنامج المكون الأخر ولكنه لا يتعارض معه ويكمل بعضهم بعضاً ، فالنضال في مناطق 48 يستهدف تحقيق المساواة والعمل ضد العنصرية والتهميش والاستئصال ، والنضال في مناطق 67 ضد الإحتلال العسكري والإستيطان ويهدف إلى تحقيق الاستقلال ، أما في بلاد المنافي والشتات فيجب أن يتمثل بإعلاء مفهوم العودة إلى الوطن وإستعادة الممتلكات في مناطق 48 .
 
فالعامل السياسي مرتبط بالعامل الديمغرافي السكاني ، ومطلوب تغيير المفهوم والثقافات ، فالأغلبية الفلسطينية تعيش في وطنها سواء في مناطق 48 أو مناطق 67 ، وهذا مقدمة لإرساء  مفهوم أن المشروع الصهيوني فشل في طرد كل الشعب العربي الفلسطيني من وطنه ، على الرغم من أنه حقق هدفين مهمين له وهو إحتلال كل الأرض الفلسطينية ، وجلب المستوطنين الأجانب ليسكنوا ويعيشوا ويطوروا حياتهم على أرضها ، بما يفوق الوجود البشري الفلسطيني عدداً وإمكانات على أرض فلسطين ، ومع ذلك فشل المشروع الصهيوني بالعنوان الثالث المطلوب وهو طرد كافة الفلسطينيين من وطنهم الذي لا وطن لهم سواه ، فالفلسطينيون في وطنهم ستة ملايين في مواجهة سبعة ملايين يهودي إسرائيلي .
 
أما العامل الثاني فهو التحدي في إعادة منظمة التحرير وكيفية تمثيلها للمكونات الثلاثة بوسائل وأدوات خلاقة تستجيب للواقع وتعمل على تغييره ضمن برنامج سياسي مشترك وإختيار الأدوات الكفاحية الملائمة لكل مكون من المكونات الثلاثة .
 
فلسطينيو المنافي والشتات عليهم أن يتعلموا من يهود العالم كيفية دعم وإسناد المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي وتوظيف وظائفهم وعلاقاتهم وتسخيرها لخدمة “ إسرائيل “ ، كي يعمل الفلسطينيون من خارج وطنهم كما يفعل يهود العالم ، خدمة للمشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني ، وتوظيف علاقاتهم العربية والإسلامية والمسيحية دعماً وإسناد لفلسطين .
 
ثلاث مكونات بثلاثة برامج متداخلة مكملة لشعب واحد يرفض العنصرية والتمييز ، مثلما يرفض الإحتلال والإستيطان ويعمل ضد البقاء في مخيمات اللجوء والمنافي ويتطلع لإستعادة حقوقه الثلاثة المتكاملة حقه في المساواة والإستقلال والعودة