في إطار النظر استنادًا للاستطلاعات، فإن سمة عدم الاهتمام أو التراخي عن الواجب، أو العزوف عن التطوعية، أو ظاهرة السلبية من الجمهور تجاه الأحداث السياسية الجارية عامة، ومنها الانتخابات البلدية مؤخرا تصبح علاقة تتقاطع مع النسب الكبيرة التي تقرر أنها لن تصوّت للفصائل، وتتفق مع استطلاعات سابقة لمركز "أوراد" وغيره حول ضعف تأثير الفصائل في الشارع الفلسطيني، ما يعني عدم الضمانة لأي قائمة حزبية بالفوز (54% تبحث عن قائمة خارج الفصائل)، وما يعني أن الفصائل بما فيها حركة فتح وفصيل "حماس" لم تستطع حتى الآن أن تكرس تأثيرا ذا امتداد عميق في الجماهير، إذا استثنينا أولئك العدد المحدود المنتمي فعليا لهذا الفصيل أو ذاك.

إن مفهوم المشاركة يفترض أن تكون الصِلة والعلاقة مع الناس ليست موسمية أو مؤقتة أو مصلحية، أو استغلالية كما قد ينظر لها الناس حين تهجم عليهم الدعاية الانتخابية فجأة يصبحون فيها كما العملة النادرة.

إن عدم قدرة الفصائل الفلسطينية على التغلغل في وعي وسلوك معظم الناس يأتي بالدرجة الأولى من حالة القطع لا الوصل أو حالة (الاستخدام) المؤقت ما يعني أن الديمومة والتواصل هما أساس المشاركة الحقيقية للناس ومع الناس.

يلاحظ أيضا في سياق الاستطلاعات نمو ظاهرة العنف (السلبي أي الموجه ضد المجتمع) سواء في غزة أو الضفة ما عكس نفسه على تدني حجم الشعور بالأمان، ومن هنا نستطيع القول إن العنف الاحتلالي يعكس نفسه في الشخصية الفلسطينية كما هو الحال في العنف (العنف الايجابي الذي نقصده هنا ما تم توجيهه بالمقاومة الشعبية نحو الاحتلال فقط)، ولا نستطيع أن ننزع من التعبئة الداخلية خاصة داخل القطاع في ظل انقلاب "حماس" مضامين التعبئة المتشددة في كل شيء والتي يتأسس فيها التشدد على قاعدة الانضباط التسلطي أو الطاعة العمياء والتي تفقد الانسان القدرة على الحوار والتساؤل والتفكير مقابل الطاعة العمياء ليصطدم بمن يخالفه فلا يجد من أسلوب في مواجهته إلا ممارسة العنف الداخلي (تقريع الذات أو الانكفاء أو الانتحار) أو ممارسة العنف ضد الآخر.

موضوع المشاركة ومفهوم العنف وثالثا مفهوم الحرية هي المواضيع أو المفاهيم الثلاثة التي خطرت في ذهني في الندوة الدورية التي يقيهما الأستاذ المبدع د. نادر سعيد الفقهاء في مركز العالم العربي للبحوث والتنمية (أوراد) الذي بدأ يحول المركز إلى مجمع عقول عبر استخدامه آليات الحوار لاستدراج التفكير المنفتح بمختلف الاتجاهات.

في اطار مفهوم الحرية تداخلت النظرة للفساد مع الحرية في إجابات المستطلعين من مركز "أوراد" باعتقادي أن مفهوم الفساد مختَلف عليه بين فئات المجتمع، وهنا فإن للفصائل خاصة الاسلاموية، واليسارية (غير الوسطية) دور في إسباغ معاني مختلفة، ففي حين أن لدى الأولى نزوعا لتعريف الفساد أنه الأخلاقي فقط لتعتبره هو المقياس وعليه يصبح الاسلاموي الذي يصوم النهار ويقوم الليل إنسان صالح حتى لو سرق أو زنى أو قتل علي بن أبي طالب (كما فعل الخوارج) او ضرب أخته. 

بينما تعتبر بعض الفصائل الأخرى أن الموالاة للنظام فساد حتى لو أحسن، مهملة  الفساد الإداري منه أو الخلقي أو المالي، ومهملة فساد العمل لأجندات خارجية، ولا تلتفت بعضها لمستويات أخرى مهمة من الفساد في مقابل المناكفات السياسية المنتشرة هذه الأيام.

إن صعوبة الفصل بين المفاهيم وانعكاسها في العقل وبالتالي تكريسها كسلوك هي من حقائق الشخصية التي تلعب في تشكيلها عوامل عدة من ضمنها ما أود التركيز عليه هنا وهو الدعاية والإعلام والتعبئة الفصائلية الاقصائية أو التعصبية التي يجب أن تلتفت للإنسان والمواطن من زاوية الحرية والمشاركة والرحابة لا التقييد والتشدد والموسمية.