لم يكن اغتيال مصطفى بدر الدين، القائد العسكري لحزب الله في العاصمة السورية دمشق، حدثا عاديا، بل كان لغزا ملغوما بالنسبة للمراقبين، لاسيما وان العملية تمت بنجاح، واقتصرت على شخصه دون غيره ممن كانوا في المكان. اضف إلى ان الاحتمالات الثلاثة، التي وضعها الحزب (إطلاق رصاص موجه من طائرة او صاروخ موجه او عبوة ناسفة) لم تثبت صحتها. كما ان تبرئة الحزب لإسرائيل من إمكانية وقوفها خلف العملية، تحمل في طياتها أسئلة عديدة حول خيارات قادة حزب الله عن سبب ذلك، وهل لدى الحزب معلومات عمن اغتال الرجل الاول عسكريا فيه؟ ام ان الحزب يريد، طي صفحة الاغتيال والتغطية عليها؟ ولماذا؟ ما السر في ذلك؟ هل لبعض قادة الحزب يد في عملية الاغتيال ام لإيران ضلع في الامر؟

دقة وبراعة عملية استهداف المتهم الابرز في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005، تشير إلى ان هندستها تقف خلفها أجهزة امنية، لها باع طويل في ميدان الاغتيالات او جهة داخلية من الحزب لتصفية حسابات شخصية، كلا الاحتمالين له نصيب من القبول. رغم الاحتياطات الامنية الاستثنائية، التي يحيط بها صهر الراحل عماد مغنية نفسه، حتى اطلقوا عليه "رجل الظلال" لنجاحه في إخفاء ذاته، إن كان عبر الاسماء المختلفة، التي يطلقها على نفسه او عدد الموبايلات (13)، التي يستخدمها. 

الاستنتاج المهم، الذي يمكن ان يخلص له اي مراقب متابع لتجربة حزب الله وفقدانه عدداً من قياداته الحيوية: عماد مغنية وابنه جهاد وسمير قنطار وغيرهم وصولا لبدر الدين، يشير إلى ان الحزب مخترق، وفي نواته الصلبة. وهذا ليس بالامر المستهجن او غير الواقعي، بل العكس صحيح، وهذا يتطلب من حزب الله مراجعة آليات عمله والتدقيق في شخوص قياداته دون مبالغة، بغض النظر عمن يقف خلف عملية الاغتيال الاخيرة. خاصة انه بات مستهدفا، بعد وضعه على قوائم الارهاب, ما كثف جهود وتركيز الاجهزة الامنية على اختراق الحزب. بالتأكيد بوقوفها (الاجهزة) على خارطة الصراعات الداخلية، سهل عليها إمكانية الدخول إلى نواته الصلبة، وسمح لها بفتح ثغرة في بنيته الداخلية.

اما تبرئة قيادة الحزب على غير عادتها لإسرائيل من الوقوف وراء الاغتيال، فلهذا اكثر من سبب، اما ان الحزب، لا يريد ان يعلن عن ذلك، كي يوجه ضربة قوية لاسرائيل دون ضجيج، او انه في ظل احتدام المعارك على الارض السورية، واعتبارها الحلقة الاساسية الآن في المواجهة، ليس لديه الجاهزية للدخول في اية مواجهة معها (إسرائيل)، وبالتالي أخذ منحى تأجيل الصدام لحين آخر. او فعلا انها ليست متورطة في عملية الاغتيال، وان مصادره تفيد بان العملية تصفية حسابات داخلية، لأن بدر الدين بحكم موقعه المتقدم واعتباره الرجل الثاني فعليا بعد حسن نصر الله، خلق خصوما له، شاؤوا التخلص منه. ولكن إمكانية اتهام قاسم سليماني بالوقوف خلف الاغتيال، فهذا نسبيا بعيد عن الواقع، لأن القيادات الايرانية، تعتبر نفسها مرجعيات لقادة الحزب، ولا يوجد اساس ذاتي او موضوعي للتخاصم والمنافسة. وبالتالي إدراجه، هو نوع من التضليل، وإبعاد الحزب عن هدف البحث. بكل الاحوال عملية الاغتيال لبدر الدين، ليست عملية بسيطة، ولن تمر مرور الكرام، وسيكون لها تداعيات داخل وخارج الحزب.