لا يضيف المرء جديدا، حين يؤكد على الاهمية الاستراتيجية لسلاح الاعلام في معارك الدول والشعوب والقوى والمؤسسات والافراد. لما له من قدرة في صياغة الرأي العام بالاتجاه الذي تطمح له القوى بمستوياتها. ولأنه قوة مؤثرة في خدمة اهداف مرجعياته ومموليه. ولادراك الحركة الصهيونية وقاعدتها المادية دولة إسرائيل اهمية الاعلام في تنفيذ مخططاتها الكولونيالية، اولت هذا السلاح الاهمية، الذي يستحق، واقامت إمبراطوريات إعلامية ليس في إسرائيل فقط، بل في اميركا واوروبا وغيرها من دول العالم. وتمكنت بفضل الاعلام وعمليات التضليل، التي عممتها تاريخيا من استقطاب الرأي العام العالمي، وما زالت تلك الآلة تعمل في خدمة الاهداف الاستعمارية الاسرائيلية مدعومة من وسائل إعلام غربية رأسمالية متواطئة معها.

لهذا تنبهت دولة التطهير العرقي الاسرائيلية باكرا للاعلام الفلسطيني والعربي. ولاحقت عبر الوسائل الارهابية المختلفة الرموز الاعلامية والثقافية، ومنها اغتيال المفكر السياسي والاديب غسان كنفاني تموز 1972، واغتيال المفكر السياسي ماجد ابو شرار في تشرين الاول 1981، واغتيال القادة الثلاثة كمال ناصر وكمال عدوان وابو يوسف النجار في العاشر من نيسان 1973، ومحاولة اغتيال بسام ابو شريف، واغتيال الفنان ناجي العلي في لندن نهاية آب 1987، واغتيال مركز الابحاث الفلسطيني في بيروت بعد اجتياح لبنان حزيران 1982، بالاضافة لعدد كبير من عمليات القصف وارسال الطرود الملغومة للمنابر الاعلامية والثقافية، لانها تخشى تعميم وإشاعة الرواية الفلسطينية في الاوساط الفلسطينية والعربية والاممية.

وفي نطاق الحرب الاسرائيلية المسعورة على وسائل الاعلام الفلسطينية اغلق الاحتلال قبل ايام فضائية "فلسطين اليوم" واغلق سابقا ثلاث اذاعات في محافظة الخليل، ومواقع إعلامية مختلفة، كما رفع دعوى على هيئة الاذاعة والتلفزيون الفلسطينية امام محكمة لاهاي تحت ذريعة "التحريض" واغتال واعتقل العشرات خلال الهبة الاخيرة من المراسلين والمصورين الاعلامين. بالتأكيد لن تقف الحرب عند حدود ما ورد، لان دولة الارهاب المنظم الاسرائيلية ترغب في هجومها الوحشي تكميم الاصوات والمنابر والافواه والاقلام الفلسطينية لخنق الرواية الوطنية والحؤول دون بلوغ رسالتها إلى شعوب الارض. وتريد تسييد روايتها الكاذبة والمزيفة.

وتزداد شراسة الهجمة الاسرائيلية ضد وسائل الاعلام الوطنية مع اتساع نطاق فعل الهبة الشعبية وازدياد مساحة حملة المقاطعة (BDS) في دول العالم. وبالتالي حكومة اليمين المتطرف لن تدخر جهدا او وسيلة في ملاحقة ومطاردة المنابر الاعلامية الفلسطينية. الامر الذي يستوجب من الكل الفلسطيني: اولا- تعميق التكافل بين المنابر الاعلامية لابقاء الاصوات الفلسطينية صادحة وقوية في فضاء المعركة للدفاع عن الرواية والاهداف الوطنية. ثانيا- شروع جهات الاختصاص بتجهيز واعداد ملفات عن التحريض الاسرائيلي في وسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمقرؤة، وفي مناهج التعليم بالاضافة لرصد تصريحات القيادات الاسرائيلية المسعورة، لتكون جاهزة في الرد على حملات التضليل، التي تلجأ لها مع حلفائها من الاميركيين والاوروبيين. ثالثا- الاستعداد لكل الاحتمالات والسيناريوهات، التي يمكن ان تلجأ لها حكومة الائتلاف المتطرف الحاكم. رابعا- ملاحقة إسرائيل عبر المنابر الاممية ذات الصلة وخاصة المحاكم ولجنة حقوق الانسان التابعة للامم المتحدة وامام ومع الاتحادات العربية والاقليمية والاممية للصحفيين. خامسا- تكثيف الفعاليات: التظاهرات والاعتصامات والمذكرات رفضا لجرائم وحروب إسرائيل ضد منابر الاعلام. سادسا- رصد الاموال والامكانات لتطوير سلاح الاعلام، ليس فقط بزيادة قنوات البث ووسائل الاعلام المقروءة او المسموعة، بل بمضاعفة البرامج وتطوير الخطاب الاعلامي من خلال التأهيل المتواصل للاعلاميين الفلسطينيين... إلخ.

حرب إسرائيل ضد وسائل ومنابر الاعلام لن تتوقف، ولن تعدم وسيلة مهما كانت وحشيتها او دونيتها لخنق الصوت وقطع البث عن الاعلام المرئي والمسموع وكسر القلم واليد الفلسطينية، التي تدافع عن الحقوق الوطنية، وتكتب الفصول الجديدة من الرواية الوطنية؛ لذا على الجميع الاستعداد لمعارك جديدة، لان الحرب لم تنته عند حدود إغلاق "فلسطين اليوم" ورفع الدعوى على "فضائية فلسطين".