كان الطفل قضم منها القليل وهو يقبض عليها بكفه الصغير، سقط الطفل دون أن يسقط ما بيده، كأنه أراد أن يبقيها دليلاً مادياً على قتلة الأطفال، تحركت مسيرة حاشدة لتشييعه إلى مثواه الأخير، راح البعض يبحث له عن بطولة سواء كان عبر صورة مركبة أو راية حزبية تحسم الاشتباك على تبنيه، لم يتوقف اي منا عند بطولته الحقيقية التي تكشف القاتل بوجهه القبيح والضحية صاحبة الوجه الملائكي، بينما كان جثمان الطفل يوارى الثرى حاول شاب أن ينزعها من يده، فنهره شيخ كبير كي يبقيها على حالها، ووري الطفل الثرى قابضاً على ما بيده دون أن نلتفت إلى الصورة التوثيقية التي تحمل كل الحكاية.
الاحداث التي تشهدها المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية تحمل في كثير منها مضمون صورة الطفل وإن أخذت اشكالاً مختلفة، تسارع حكومة الاحتلال في كل منها لإلصاق تهمة الطعن أو الدهس بالضحية، حتى تلك الحالات التي وثقت فيها الصورة كذب وزيف الرواية الإسرائيلية تاهت في ادبياتنا وكل منا يبحث عن رواية يشكف بها إن كانت هبة شعبية أم إنتفاضة، البرازيلي مارسيل ليمي أحد مراقبي حقوق الانسان شاءت الظروف أن يتواجد عند الحاجز الاسرائيلي الذي قتل عنده جنود الاحتلال الفتاة هديل الهشلمون، رصد بالصورة وبالكلمة ودقيقة بأخرى الجريمة التي ارتكبها جنود الاحتلال بحق الفتاة الهشلمون، ذنبها الوحيد أنها لا تفهم شيئاً من لغة الجنود وصراخهم، حتى عندما أصابوها برصاصهم وسقطت على الأرض لم يحاول أي منهم أن يقدم لها الرعاية الطبية التي تكفلها الأخلاق البشرية.
سارعت حكومة الاحتلال بنشر روايتها بأن جنودها قاموا بقتل فتاة عند حاجز في مدينة الخليل حاولت طعن جنودها، لم يكشف البرازيلي في شهادته المصورة والمكتوبة كذب الرواية الإسرائيلية، بل كشف في تفاصيلها الدقيقة حجم الجريمة التي ارتكبها جنود الاحتلال بحق الفتاة الهشلمون، جريمة بتركيبها تطال كل المفاهيم الاخلاقية والانسانية، العديد من الجرائم التي ارتكبها جنود الاحتلال بحق أطفالنا في الأحداث التي تشهدها مدن وقرى الضفة حملت ذات الهمجية المبنية على سفك دماء الأبرياء.
كم نخطئ كثيراً ونحن نحاول أن نصنع بطولات لضحايانا، نهرول أحياناً وراء الرواية الإسرائيلية التي تحاول أن تخفي من خلالها وجه القاتل فيها، دون أن نعي أن البطولة الحقيقة تكمن في الصورة التجريدية للضحية، نحن ضحايا احتلال يمهتن القتل وتدمير الممتلكات وتجريف المزروعات، وعلينا أن نبقي الاحتلال في هذه دائرة القاتل دون أن ننساق وراء رواية تجعل منه الضحية. -
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها