في خضم الهبة الشعبية المشتعلة في الاراضي الفلسطينية المحتلة، التي سقط فيها حتى كتابة هذه السطور من فجر الجمعة 68 شهيدا وأصيب أكثر من سبعة الاف جريح، ترجل ثلاثة فرسان من أعلام فلسطين البارزين، هم: الشاعر محمود الدسوقي، من مدينة الطيبة (المثلث الفلسطيني) صباح الاربعاء الموافق 28 اكتوبر الحالي؛ الكاتب حمزة برقاوي، في دمشق، العاصمة السورية؛ وفنان الكاريكاتير العالمي بهاء البخاري، في رام الله، وكلاهما وافاهما الاجل يوم الخميس في الـ29 من اكتوبر الحالي، المصادف الذكرى التاسعة والخمسين لمجزرة كفر قاسم.
المبدعون الثلاثة: الدسوقي وبرقاوي والبخاري، أعطوا فلسطين القضية والشعب عصارة إنتاجهم المعرفي والفني. لم يبخلوا يوما طيلة العقود، التي عاشوها في داخل الداخل او الشتات او في الاراضي المحتلة عام 1967. حملوا هموم وآلام وآمال الشعب في حلهم وترحالهم. ثلاثتهم عاشوا وعاصروا النكبة ومراراتها 1948، ورأوا بؤس وبشاعة النكسة في حزيران 1967، ورافقوا نهوض الثورة الفلسطينية المعاصرة من تحت الرماد كطائر الفينيق منذ الطلقة الاولى مطلع 1965، وفي انطلاقتها الثانية بعد هزيمة الجيوش العربية الثلاثة 1967 عبر الظاهرة العلنية في دول الطوق العربية، تابعوا كل من موقعه وموهبته خطوات ومحطات الثورة، ووقفوا على نبض الشعب في كل المواقع، التي كانوا بها او مروا او ارغموا للجوء لها. 
ثلاثة ابطال دافعوا عن الرواية الوطنية بهمة وشجاعة، لم يفقدوا الامل للحظة واحدة بالنصر. رغم كل الهزائم والنكبات والنكسات والمآسي. كل منهم صاغ رؤيته بادواته المعرفية والفنية دفاعا عن الوطن والحلم الجامع للشعب، وساهموا في صقل الهوية والشخصية الفلسطينية. وحاكوا كل لحظة من تاريخ الصراع مع دولة التطهير العرقي الاسرائيلية، لم يهابوا سيف وبارود الاحتلال. 
الراحل الشاعر محمود الدسوقي، نظم الشعر منذ نعومة أظافره في الطيبة، التي ولد ومات فيها، من 1934 حتى رحيله قبل ثلاثة ايام. اعتقل، وفرضت عليه الاقامة الجبرية في بيته، ومنعت بعض دواوينه من النشر. مع ذلك، واصل مشوار العطاء، ونظم شعر المقاومة اسوة بكل مجايليه من داخل الداخل، وشكل منارة لشعراء المقاومة الشباب. 
والكاتب حمزة برقاوي، ابن قرية شوفة محافظة طولكرم، المولود عام 1938، التي لم يتمكن من العودة لها بسبب الاحتلال الاسرائيلي في العام 1967، لكنه واصل مشوار الكفاح من موقع اللجوء الجديد، دمشق العاصمة السورية، بعد ان انهى دراسته في المانيا الغربية، التي تبوأ فيها موقع رئيس اتحاد الطلاب العرب، وايضا عضو الهيئة التنفيذية للاتحاد العام لطلبة فلسطين 1961/1963. اصدر ابو طارق العديد من الكتب في حقل الايديولوجيا والسياسة والاقتصاد، وامسى منذ عام 1986 أمين سر الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين في سوريا. دافع الراحل برقاوي عن قناعاته دون تردد. اختلفنا معه في الاتحاد، الذي جمعنا في دمشق، على التكتيك والاليات، ولكننا لم نختلف على هويتنا وانتمائنا واهدافنا الوطنية.
اما الفنان المبدع بهاء البخاري، ابن القدس العاصمة، المولود في العام 1944، شق طريقه عبر فن الكاريكاتير، وصعد سلم العمالقة الفنانين بين اقرانه العالميين. رسم فلسطين في كل منبر إعلامي عمل فيه، إن كان في الكويت او فلسطين، في جريدة القدس المقدسية من 1994/1999، وفي جريدة الايام الفلسطينية 1999 حتى يوم رحيله. اقام العديد من المعارض في فلسطين والوطن العربي. تم تكريمه في الحادي والعشرين من الشهر الحالي في رام الله من قبل الرئيس محمود عباس بوسام العلوم والفنون "مستوى الابداع" تقديرا لدوره المتميز في رحلة العطاء الطويلة. والفنان بهاء الجميل والطيب، المسكون بالقدس خاصة والوطن عامة، شارك في الهبة الشعبية عبر رسومه اليومية، بهاء البهي النبيل، زامل فارس فن الكاريكاتير المبدع والخلاق الراحل ناجي العلي في الكويت، حيث عملا سويا. 
المبدعون الثلاثة حملوا الحلم حيثما كانوا. رحلوا عنا.. ولكنهم ما زالوا بيننا. بنتاجاتهم المعرفية والفنية، باحلامهم وطموحاتهم وبوصاياهم لنا بمواصلة طريق الكفاح لبلوغ هدف الحرية والاستقلال والعودة. سلاما عليهم وعلى ارواحهم جميعا، وسلاما للشعب الذي انجبهم. -