كل نضال فلسطيني ينطلق تحت سقف وحدة القضية الفلسطينية, بعيدا عن الخلافات العربية التي تجرنا الى الهاوية، أو الخلافات الفلسطينية التي لا أصل وطني لها بل إنعكاسات سلبية لما حولنا، سواء على يد التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، أو استيعاب النظام الإقليمي العربي في مشاريع ليس هو صاحبها كما يحدث الآن, كل نضال فلسطيني تحت عنوان مصلحتنا العليا يراكم في مكتسباتنا شيئا جديدا, لأن فكرة الحل الحاسم والضربة القاضية والوصفة النهائية غير موجودة بين ايدينا بحكم الإختلال في موازين القوى، سواء على مستوى القدرة الذاتية أو على مستوى الحلفاء، فلا يكاد يوجد لدينا حليف دولي جذري ولا حليف اقليمي يملك امره بيده، وبالتالي فإن التراكم الواعي لنضالاتنا تحت سقف وحدة القضية ووحدة الشعب ووحدة الهدف هو ملاذنا الوحيد.

هبة الاقصى والقدس التي امتدت ببطولة الى كل مربعات الوجود الفلسطيني تكاد تكون اعجازا، خاصة وان اجيال هذه الهبة اداروها بعيدا عن تراكم الخلافات التقليدية، حتى الإنقسام الاسود لم يطل برأسه طوال هذه الهبة، فقط بعض مقاولي الانقسام والمتعيشين على فتاته المأساوي مثل الزهار أو صلاح البردويل ومن هم على شاكلتهما حاولوا ان يلعبوا ولكن صوت الهبة كان الأقوى فعادوا وانكمشوا في جحورهم ملعونين مذمومين، وبقي الوجه المضيء للهبة، وحاول اخرون إسقاط الأسماء القديمة على واقع نضالي ابداعي جديد بالقول انها انتفاضة، وبعضهم شطح الى حد المطالبة بتشكيل قيادة موحدة، وهو مصطلح قديم جرنا في الماضي الى مربع الخلافات بين الوطني والإسلامي، ولكن صوت الهبة كان هو الأقوى، وهكذا وجدنا كيري يحضر الى الإحتفال، فيصغر القضية الى مجرد ساحة الحرم القدسي، ويصغر الحرم القدسي الى مجرد تركيب كاميرات، ويصغر الكاميرات الى مواعيد لاحقة! ولم يكتف كيري بذلك بل جاء حاملا معه قرار الإدارة الأميركية "الراعي الوحيد" بتقليص المساعدات للسلطة الوطنية! يعني منذ البداية معاقبة الضحية لانها رفعت صوتها ضد الجلاد رافضة استهتاره المستمر في عمليات القتل والإعدام الميداني.

بل ان هذا الاتفاق الذي اعلن عنه كيري باقتضاب وغموض ما زلنا لا نراه وربما لا نراه أبدا، وبدلا من ذلك سيعاقب نتنياهو المقدسيين بسحب هوياتهم! وربما يختصر الامر على مجرد تسليم جثامين الشهداء المحتجزين لدى جيش الاحتلال.

أين الحماية الدولية؟ أين انهاء الاحتلال؟  لم يبحث كيري في الموضوع, ولم يرد ذلك على بال نتنياهو الذي يعلن "بالسيف سنعيش دائما" وهكذا فان هذه الهبة بوجهها الوحدوي ومنهجها السلمي وامتدادها الواسع يجب ان تستمر، وهذا هو قرارنا وابداعنا وحقنا وانجازنا الوطني الجديد الى ان يعود العرب من غيابهم ويعود المسلمون من هامشيتهم !!! وننتظر طويلا, ولكن هذه الهبة اذا حميناها من تركة خلافاتنا السوداء, يمكن ان تصبح علامة فارقة واضافة نوعية الى حضورنا الفلسطيني.