مرة أخرى يتجاوز بنيامين نتنياهو الفشل الذي قد يتحول الى كارثة في المنطقة، ويعطي صوته وصلاحياته الى الاستيطان اليهودي في الضفة والقدس، وينحاز علنا الى جماعات الإرهاب اليهودي، فيطلق العنان لهم دون حسيب أو رقيب ودون أدنى شعور بالمسؤولية, فنراه خلال تصريحاته وقراراته الميدانية هو الذي يقف على رأس إرهاب الدولة الإسرائيلية بكل مكوناتها بما في ذلك الجيش والشرطة, يأمرهم باطلاق الرصاص الحي على رماة الحجارة, وحين طور شباب الهبة الفلسطينية الشاملة أساليبهم من الحجر الى السكين اصبح القتل مباشر هو سيد الموقف، مع ان جماهير وشباب الهبة الفلسطينية الشاملة والمستمرة، كانوا يمارسون عملا سلميا مشروعا من الدرجة الاولى، وكانو يرسلون اشارات بانهم يرفضون الاحتلال ويريدون انهاءه من خلال بوابات سلمية مشروعة، تبدأ باعتراف اسرائيل بقيادة نتنياهو بالاتفاقات الموقعة معنا رسميا بشهادة العالم اجمع، التي تطلبت جولات من العمل السياسي والمفاوضات استغرقت اثنين وعشرين عاما، ثم جاء نتنياهو في حكومتيه الثالثة والرابعة ليقلب الطاولة ويبطل المفاوضات ويوسع جنون الاستيطان ويوقف الافراج عن الدفعة الرابعة من اسرى ما قبل اوسلو، واكثر من ذلك، فان نتنياهو تقمص شخصية الممثل المسرحي_ كما رأيناه على منصة الامم المتحدة-ويتحدث عن هلوسات دينية وتاريخية اكتشف اسلافه سخافتها منذ عقود.

الفكرة الجوهرية في اتفاق اوسلو اقامة سلطة وطنية فلسطينية تصل بنا الى دولة فلسطينية مستقلة في حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس الشرقية وهذا هو جوهر حل الدولتين الذي تشكلت له لجنة رباعية تضم قيادة العالم "الامم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الروسي والاتحاد الاوروبي" وقطعنا اشواطا بعيدة المدى على هذا الطريق الذي انخرطت فيه ثلاث ادارات اميركية باستغراق كبير "ادارة بيل كلنتون وادارة جورج بوش الابن وادارة باراك اوباما"، ومن جانبنا فلسطينيا كنا امناء مع التزاماتنا، لكن نتنياهو غير الدفة الى الاتجاه االمعاكس وقرأ واقع المنطقة والعالم بطريقة عنصرية ضيقة الافق، ووصل الى استنتاج ان الظروف المحيطة تعطيه الهامش لالغاء اوسلو والغاء حل الدولتين، والتصرف من جانب واحد! ورأى بعقله الضيق ان القضية الفلسطينية انشغل عنها العالم بمشاكله الطارئة, وأن الشعب الفلسطيني لاحول له ولا قوة، وأن الانقسام الذي ذهبت اليه حماس بتعمد سيكفيه الكلام عند التحدي.

هذه الرؤية العنصرية ضيقة الافق قادت نتنياهو الى مأزق كبير حين أخذ موقفا متشنجا ضد اتفاق السداسية الدولية مع ايران حول برنامجها النووي ولكنه اضطر ان يبتلع لسانه في حلقه ويصمت امام اميركا وهو يحاول الآن ان يأخذ الثمن من الدماء الفلسطينية والحقوق الفلسطينية, أداء الهبة الشعبية الفلسطينية هو أداء ممتاز وعميق وتنمو فيه قدرة ذاتية على ادارة الصراع دون انجرافات, ولقد حاول نتنياهو ان يجرنا الى ساحته ولكنه فشل، وحاولت قوى فلسطينية ان تجرنا الى عناوينها الاقليمية ولكنها فشلت ايضا، ويجب ان يكون فشل نتنياهو هو المهمة الرئيسية لهذه الهبة المباركة.