أسخف شيء أن نعيد القول مرة وراء الأخرى بأن الوضع صعب إلى حد الاستحالة، ويكفينا أن نستمع إلى نشرة الأخبار عن الأحداث الجارية في المنطقة من ادلب شمال سوريا وديار بكر جنوب شرق تركيا الى سرت في ليبيا ومحافظات اليمن الجنوبية والشمالية وجنوب السودان ومساحات الكارثة لدى بوكو حرام والدمار الهائل على امتداد العراق وسوريا، حتى نرى بأعيننا أن الوضع صعب وسيئ جدا والاحتمالات قاسية بلا حدود.

ونحن فلسطينيا سواء في الوطن أو الشتات، مقيمين أو لاجئين او مغتربين، جزء من ذلك كله بل في قلب ذلك كله، في زمن سياسي جديد، ومعادلات جديدة، وإدارة جديدة على مستوى العالم، وحتما نحن في قلب المشكلة وليس على هامشها، ولا احد في العالم خالي الوفاض بل الكل في دائرة التأثر بما في ذلك عدونا الرئيسي وهو الاحتلال ، فهو يعيش في حالة غير مسبوقة من عدم اليقين، والخوف من المستقبل، وانفجار ما ليس في الحسبان، فكيف نتصرف إزاء ذلك؟ هل نطحن أنفسنا بالتلاوم الذي يشبه المرض الوبائي؟ هل نفقد الوعي الجمعي ونكرر وصايا قديمة كما لو أن العالم مازال على حاله لم يتغير منذ سقوط النظام الدولي ثنائي القطبية في تسعينيات القرن الماضي؟ هل نعلن الانسحاب الوطني لمجرد ان حماس تتفاوض على منصة عائمة في البحر على بعد ثلاثة أو عشرة أميال من شواطئ غزة تدار تحت الرقابة الإسرائيلية المشددة من قبرص التركية؟ مع أن حماس سبق لها أن فعلت ما هو افظع من ذلك مئات المرات، بصنع الانقسام وخيانة الشرعية الوطنية والتورط في حالة عدائية مع مصر والتسبب في ثلاث حروب قاتلة، وخروجها من النسيج الفلسطيني لصالح الأعداء والأوهام ؟

نريد مخرجا من هذا الوضع السيئ ليس بتجاهله ولا باستحضاره بأشكال مبالغ فيها، بل باستثمار وجودنا وعناصر قوتنا ومجمل علاقاتنا الموضوعية من أجل البقاء أولا وليس تحقيق الإنجازات الخارقة، فلكل مرحلة أولوياتها، مع اننا في السنوات الأخيرة، سنوات البؤس، فعلنا الكثير وحققنا الكثير، وموقعنا الدولي أفضل بما لا يقاس، ونطمح الى البقاء الإيجابي والحفاظ على وحدة مشروعنا الوطني، وعلينا أن ننتج أفكارا وليس البكاء بصوت مرتفع ولا التشبث في الوهم بدلا عن الحقائق، ونسأل انفسنا بموضوعية وشجاعة وليس بحتميات قاطعة.

الحوار الذي يجري في الساحة الفلسطينية في معظمه حوار سلبي، منطلق من اضيق الحسابات الشخصية لبعض الذين يعرضون حساباتهم الشخصية كما لو انها هموم وطنية شاملة ويريدون لكل ما حققناه من انجازات وما نواجهه من صعوبات ان يخضع لتلك الحسابات الشخصية المفرطة بالتشاؤم, ربما يعود السبب الى هجوم أولوياتنا دفعة واحدة، لقضية "الأونروا" واتفاق حماس مع إسرائيل بوساطة تافهة من طوني بلير ودعاية من قطر، وانفلاش السلوك الإسرائيلي الى الهاوية، ولكن كل ذلك حدث من قبل، وحدث أكثر منه الف مرة ومع ذلك فقد اهتدينا الى عبقرية البقاء والحضور والتكيف السياسي الإيجابي، فيا أيها النائحون اوقفوا النواح وابحثوا عن الأمل.