جيش الاحتلال الاسرائيلي، منذ كان نواة، او بتعبير ادق، قبل ان يتشكل، وحين كان عبارة عن منظمات إرهابية، وعمادها الاساس عصابة "الهاجاناة"، والاستراتيجية العسكرية الناظمة له لم تتغير. وبقيت الاهداف الاساسية له، هي ذاتها، وتتمثل في: اولا من العصابات الارهابية، التي تحولت إلى جيش "الدفاع" الاسرائيلي، تعتبر القوة الضاربة للحركة الصهيونية وقاعدتها المادية دولة إسرائيل في تحقيق اهدافها السياسية؛ ثانيا اعتماد مبدأ الهجوم، والحرب الوقائية الاستباقية؛ ثالثا تجييش وعسكرة المجتمع الاسرائيلي، ووضعه في حالة استنفار؛ رابعا التطوير الدائم للاسلحة في كافة المجالات بما في ذلك الاسلحة النووية والجرثومية والكيمياوية، لضمان التفوق الدائم على جيوش الدول العربية؛ خامسا تغذية مركز القرار العسكري بكل المعلومات الضرورية عن الجيوش العربية وقوى الثورة الفلسطينية، او اي أعداء محتملين، وتغذية بنك الاهداف الاسرائيلي بكل جديد؛ سادسا تعزيز وتعميق العلاقة مع الدول الغربية الرأسمالية الحليفة, والاعتماد عليها في الدعم العسكري واللوجستي المعلوماتي؛ سابعا المرونة العالية في تحرك العمليات العسكرية والتعامل مع الاهداف؛ ثامنا رفض فرضية الهزيمة، لقناعة راسخة عند قادة اسرائيل ودول الغرب الرأسمالي، ان اي هزيمة، تعني بداية نهاية الدولة الكولونيالية. تاسعا العمل على تفتيت جبهة الاعداء، بالاعتماد على مبدأ "فرق تسد" البريطاني.

 كرس بن غويون عام 1950 المبادئ العامة للجيش، لتحديد دور المؤسسة العسكرية في تنفيذ الاهداف السياسية للدولة الاستعمارية، وللتأكيد على مرجعية القيادة السياسية. وحدوث اية تغيرات على الاستراتيجية العسكرية الاسرائيلية، لم يطل المبادئ الناظمة، إنما تم تطويرها بما يستجيب للتحولات الجارية في الصراع العربي الاسرائيلي.

يوم الخميس الماضي سربت وسائل الاعلام الاسرائيلية وثيقة لرئيس اركان الجيش الاسرائيلي، غادي إيزنكوت بعنوان "إستراتيجية الجيش الاسرائيلي"، ووفق الخبراء والمراقبين العسكريين، يعتبر طرحها ردا على "توصيات لجنة لوكر"، ونتاج التباين بين اركان الحكومة بشأن موازنة وزارة الحرب. غير ان الوثيقة الثانية لم تحمل اي تطور نوعي في الاستراتيجية العسكرية. واقتصر ما طرحه إيزنكوت، على معالجة المتغيرات الموضوعية، التي طالت الدول العربية وجيوشها، وخروجها من دائرة الاعداء في الظروف الراهنة، كما استبعد إيران وملفها النووي من قائمة الاعداء، ووضعها في إطار الدول الداعمة لـ"لاعداء"، وهو ما يتناقض مع الحملة، التي يشنها نتنياهو، رئيس الوزراء. وحصر الاعداء بالمنظمات الاسلامية (حركة حماس و"داعش" وحزب الله ومن في قوامها) ودول بعيدة عن الحدود لم يسمها. وفي هذا الباب يخلط إيزنكوت عن سابق عمد وإصرار معسكر الاعداء، لا سيما ان "داعش" و"حماس" ومن لف لفها ترتبط بقواسم مشتركة مع إسرائيل، لا بل ان "داعش" وشقيقاتها من التنظيمات التكفيرية، هي صناعة أميركية إسرائيلية، والتنظيم الدولي للاخوان المسلمين، هو احد اضلاع التحالف الاسود لتفتيت وحدة دول وشعوب الامة العربية. كما رسم حدود "النصر" و"الانجاز" الاسرائيلي بتحقيق اهداف العمليات الحربية والاجتياحات العسكرية، دون ان يعني ذلك التصفية الكلية لـ"لاعداء" او الاحتلال لمناطق العمليات العسكرية. وهو ما يعني حماية وجود حركة حماس وغيرها ممن ادرجهم في قائمة الاعداء.

اما باقي البنود، التي تضمنتها الاستراتيجية الايزنكوتية، فلم تضف جديدا، بقدر ما تضمنت تأكيداً على ما صاغه آباء العسكرية الاسرائيلية، إن كان لجهة "تحسين القدرات العسكرية عموما والبرية خصوصا"، او غيرها من النقاط :"هزيمة الاعداء" او "بث الرعب في صفوفهم"، " فرض الحقائق على الارض" او "الهجوم والنصر الحاسم" او "تقليل نقاط الضعف في الجيش الاسرائيلي".. إلخ كلها تفاصيل او صياغات جديدة للمبادئ العامة المذكورة آنفا. الاضافة الوحيدة هنا تكمن في "التصدي للهجمات الالكترونية"، وهي جزء من التغيرات الموضوعية. إذن عقيدة إيزنكوت، ليست سوى الاستراتيجية القديمة بثوب جديد.