بقلم: عبد الباسط خلف

استفاقت قرية مثلث الشهداء، جنوب جنين، أمس الثلاثاء على أصوات قصف من طائرة إسرائيلية مُسيرة، لتودع اثنين من أبنائها في ساحة بيتيهما: المعلم محمد حسن موسى عصعوص وابن شقيقته شوقي فياض، عقب ليلة حافلة بالاقتحامات والتخريب.

وقال محمد عصعوص بنبرة حزينة: إن "ابن عمه محمد وابن شقيقته شوقي، أصيبا بشظايا صاروخ من مسيرة، الساعة السابعة إلا عشر دقائق، عندما كانا داخل حرم منزلهما في الحي الغربي من القرية".

واصطبغت أجواء القرية التي أخذت اسمها من مقبرة شهداء الجيش العراقي المدافع عن جنين عام 1948، بالحزن والحسرة، وتناقلت الألسن بسرعة البرق السيرة الطيبة لمحمد (42 عامًا) معلم التربية الإسلامية بمدرسة ابن البيطار في قباطية، وإمام مسجد القرية وخطيبها، والمأذون في محكمة قباطية الشرعية، ورجل الإصلاح، والعصامي الذي لا يترفع عن أي عمل.

وتوقف الأهالي مطولاً عند المكافح شوقي (38 عامًا) الذي كان يلتقط رزقه من العمل الشاق في سوق الخضراوات في قباطية، والذي امتزج دمه بدم عمه.

- "انتهت المهمة"!

وأفاد حسان نزال، وهو شاهد العيان الذي يقطن في منزل متاخم للبيت المستهدف، بأنه سمع أصوات الطيران المُسير في المكان، ورأى تحركات مكثفة لدوريات الاحتلال بمحاذاة البيت، قبل دوي انفجار وطلقات نارية، مؤكدًا أن جنود الاحتلال حاصروا منزل عائلة عصعوص الممتدة، وبعد تأكدهم من إصابة المسيرة للمتواجدين في الساحة الرئيسة له، قالوا: "انتهت المهمة وغادروا المكان".

وتبعًا لنزال، الذي بادر بالاتصال بإسعاف الهلال الأحمر، فإنه رأى جاره المعلم وابن شقيقته على الأرض، وحولهما بقع دماء كثيرة، فيما استقرت ثقوب عديدة من الرصاص في الجدار، وبعد وقت قصير تصاعد عويل النساء اللواتي شاهدن الحدث.

وأوضح شاهد العيان بأن شوقي لفظ أنفاسه الأخيرة في المكان، بينما ارتقى عمه بعد وصوله للمستشفى، وكانت المسافة بينهما نحو 4 أمتار، وهو الأمر الذي أكدته الجهات الطبية في مستشفيي الرازي والشهيد الدكتور خليل سليمان الحكومي.

- مُسيرات ودماء

وبالنسبة لعصعوص، فإن ابن عمه وابن شقيقته أعادا فتح جراح مثلث الشهداء على مصراعيها، فهي التي ودعت في 7 كانون الثاني الماضي سبعة شبان ارتقوا دفعة واحدة، وأيضًا بالطريقة ذاتها وعقب قصفهم من مُسيرة للاحتلال عند دوار القرية على شارع جنين - نابلس الرئيس.

وعند الظهيرة، استقر جثمان العم وابن شقيقته بقبر ملاصق لابني شقيقه ياسر الشابين: محمد ووديع، ومعهما الإخوة: هزاع ناجح عصعوص، ورامي، وأحمد، وعلاء، إضافة إلى رزق الله نبيل عصعوص.

وترك المعلم عصعوص خلفه ابنته البكر جنى (15 ربيعًا)، ويوسف (12 عامًا)، وسليمان في سنته العاشرة.

فيما سيغيب شوقي عن فلذات كبده كريم (9 سنوات)، وأمير في ربيعه الثامن، ومريم ذات سنواتها الست، وغيث في عامه الثالث.

- المعلم المدرسة..

في المقابل، وقع نبأ ارتقاء المعلم عصعوص كالصاعقة على رفاقه في مدرسة ابن البيطار الأساسية الأولى، الذين سيحرمون غدًا من زميلهم، صاحب الأخلاق الرفيعة والابتسامة الدائمة كما وصفه زميله وأستاذ اللغة الإنجليزية في المدرسة، كمال جرار.

وأضاف: إن "الفراغ الذي سيتركه معلم التربية الإسلامية واللغة العربية منذ 12 عامًا، سيطال أسرة المدرسة كلها، وسيشعر به 330 طالبًا اعتادوا على ابتسامته كل صباح".

واستطاع بشق الأنفاس، إكمال شهادته بالمعلم الشهيد، وقال: إنه عصامي واستثنائي ومتواضع ومحبوب من المعلمين والطلبة، ولم يترفع عن العمل في مصنع للطوب لتلبية متطلبات أسرته، ورغم الحياة القاسية التي عاشها، وآثار حجارة الطوب على يديه، إلا أن الابتسامة لم تفارقه.

وأضاف: بأن كل من تتلمذ على يده، أو استمع لخطبه في مساجد قريته والبلدات المجاورة شعر بصدمة، خاصة وأنه كان يقتطع جزءًا كبيرًا من وقته للإصلاح بين الناس.
ولخص جرار: لقد كان زميلنا محمد بمفردة "مدرسة متكاملة".

بدوره، قال إبراهيم علي: بأنه "شارك في عقد قران قبل فترة، واستمع إلى كلمات طيبة من المأذون الشرعي عصعوص الذي كان يصنع الفرح، لكنه اليوم يشعل الأحزان في القلوب".