مضت ثمانية واربعون عاما على النكسة التي كسرت ظهر المد القومي العربي، وعمقت هزيمة مشروع النهضة العربية، وكشفت خواء النظام السياسي العربي الرسمي، لأن سقف وحدود الهزيمة تجاوز كثيرا حدود استكمال احتلال فلسطين التاريخية وسيناء المصرية والجولان السورية، ليصل الى عمق الوعي بالذات الوطنية والقومية، وليفتح الأبواب على مصاريعها أمام التشظي، الذي اصاب شعوب ودول الامة العربية خلال العقود الخمسة الماضية.
كادت انطلاقة شرارة الظاهرة العلنية للثورة الفلسطينية المعاصرة في اعقاب نكسة الرابع من حزيران 1967، والانتصار الفلسطيني الاردني في معركة الكرامة في 21 آذار 1968، والانجازات الوطنية، التي حققتها الثورة لاحقا، ان تشكل عامل نهوض، ورافعة للنضال القومي. غير ان القوى المعادية لمشروع تحرير فلسطين والنهضة القومية، تمكنوا عبر وسائل وأساليب مختلفة من الالتفاف عليها وبترها.
رغم نجاحات الولايات المتحدة وربيبتها إسرائيل وحلفائها في المنطقة والاقليم بمطاردة وملاحقة المشروع الوطني في الساحات العربية المحيطة في فلسطين، والسعي لوأده وتصفيته، إلا انها فشلت، وتمكنت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية من الافلات من عمليات الخنق والاعدام العديدة، واستطاعت فرض نفسها على القاصي والداني، رغم كل عمليات التقليم لاظافرها.
العلاقة الجدلية بين النكسة ومشروع الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران عام 1967، علاقة عميقة فرضتها التطورات السياسية الفلسطينية والعربية والدولية. ونتاج القراءة الواعية للقيادة لتعقيدات القضية الفلسطينية، وطبيعة الصراع العربي الاسرائيلي، وتداخله مع قوى رأس المال العالمي، الداعم بشكل مطلق للمشروع الصهيوني، ما حدا بقيادة منظمة التحرير بتطوير الفكر السياسي الفلسطيني.
بات مشروع إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967، الرد الطبيعي على نكسة وهزيمة العرب، وحماية للحقوق السياسية والمصالح الوطنية العليا، لا سيما ان حل المسألة الفلسطينية، بات يقوم على ركائز اربع: الاولى انسحاب اسرائيل من الاراضي المحتلة عام 67 بما فيها القدس الشرقية، وضمان إقامة الدولة الفلسطينية عليها؛ الثانية حق تقرير المصير للشعب العربي الفلسطيني، ومنحه حريته واستقلاله وتطوره الديمقراطي؛ الثالثة تأمين حق العودة للاجئين الفلسطينيين على اساس القرار الدولي 194؛ الرابعة الاعتراف والتعايش مع الدولة الاسرائيلية. والنقاط الاربع التي كرستها مبادرة السلام العربية عام 2002 ومبدئيا مرجعيات التسوية السياسية وقرارات الشرعية الدولية.
ارتباطا بما تقدم، وإدراكا من قبل الاقطاب الدولية عموما خاصة اللجنة الرباعية لأهمية وضرورة حل المسألة الفلسطينية، ووضع حد لسياسة التغول الاستعمارية الاسرائيلية المعادية للسلام، ولحماية المصالح الحيوية الاميركية والاوروبية الغربية، فإن المسؤولية السياسية والاخلاقية الملقاة على عاتق العالم واقطابه المقررة في صرح السياسة الدولية، تملي على الجميع التدخل المباشر والحاسم لفرض خيار السلام، ودفع حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967 للأمام دون تراخي او تلكؤ، لان الشعب العربي الفلسطيني، الذي قدم كل التنازلات السياسية المطلوبة منه، آن له ان يعيش بسلام على ارض دولته المستقلة وذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقية، وازالة الاحتلال الاسرائيلي كليا عن كاهله، لينعم بالحرية والتطور الطبيعي لهويته وشخصيته الوطنية.