تحقيق:وليد درباس

خاص- مجلة القدس، لا تتوقف مهام هيئة التوجيه السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية في لبنان عند حدود إقامة الدورات التثقيفية والتعبوية للكادر وأفراد مؤسسات المنظمة باختلاف مهامها (التعبئة والتنظيم، الأمن الوطني،...) وحسب، فأجندتها باتت تولي اهتماماً أكبر بثقافة المعايير القانونية وحقوق الحماية، لا سيما وأن الأخيرة باتت تتصدر أجندة عمل ومهام مؤسسات المجتمع الدولي والكثير من الجمعيات الأهلية، إلى جانب كون إلمام الفلسطينيين بها وبمعاييرها يُحصن مواقفهم ومواقعهم في معارك الدفاع عن الحقوق وفي مقدمتها الحقوق الوطنية، ولـذا تتعاون الهيئة مع "منظمة نـداء جنيف Genevacall " لإقامة دورات تدريبية خاصة في هذا المجال.

 

توظيف أسس حمل السلاح في خدمة المخيمات

يصف مفوض الدراسات والتعبئة الفكرية منسق العلاقات الخارجية بهيئة التوجيه السياسي والمعنوي منسق الهيئة مع منظمة نداء جنيف يوسـف وهبة علاقة هيئته بالمنظمة بأنَّها "علاقة تشاركية وتمايز بالتعاون" مضيفاً "أقمنا  العديد من الدورات المحدودة للفلسطينيين من أهالي مخيم البداوي ومخيمات صيدا وصور، المنضوين بقوات الأمن الوطني الفلسطيني ومؤسسات المجتمع الأهلي، وبسبب ما لاقته هذه الدورات من ارتياح وترحاب وتشجيع قياديي منظمة التحرير وأوساط واسعة من كوادرها، تمَّ تزويد الدورة الحالية في مخيمات صور وصيدا بمواد ومهارات خاصة بالمعايير القانونية الإنسانية في المجموعات المسلحة غير الحكومية"، لافتاً إلى أنَّ هذه الدورة تمتد إلى 25 يوماً وتؤهل المشاركين بها ليكونوا بمرتبة مدربين ذوي كفاءة، وتمكنهم لاحقاً من تعميم الثقافة التي اكتسبوها على قاعـدة تصويب السلاح لخدمة أهل المخيمات وحامليه أيضاً، ما يدحض الصورة السلبية التي يصف بها الإعلام حاملي السلاح والمخيمات بـ"المجموعات غير المنظمة والخارجة على القانون". ويؤكـد وهبة، المتخصص في مجال القانون الدولي، أنَّ الإلمام بثقافة المعايير الإنسانية والأسس القانونية لحمل السلاح يكرس الأمن والاستقرار في المخيمات، ما من شأنه عكس صورة ايجابية عن الفلسطينيين والمخيمات تسهم بدورها في تعزيز موقف الفلسطينيين في المطالبة بحقوقهم للعيش بكرامة.

 

من جهة أخرى يصف وهبة حالة المتدربين وتقبلهم للمادة قائلاً: "أحسـوا أن المادة جافة آتية من المريـخ ... استغراب وعدم ارتياح  ... الوثائـق كثيرة .. المواد متنوعة والنصوص جامدة"، ثمَّ يضيف "بالتدريج انحسر الاستغراب واكتشفوا أن الكثير من حيثيات النصوص تلامس مجريات الحياة اليومية لواقـع المخيمات ومعيشـة أهلها، بالتوازي مع تطلـُّع أهـل المخيمات لواقـع أفضل. فشعـروا بأهميتها ودورها بتوفير وتعزيز مناخات الهـدوء والاستقرار في المخيمات، وفيما بعـد ... أقبلوا عليها وباتوا تلقائياً بوضـع يردون فيه هذا النص وتلك المعلومة لهذه الواقعة وتلك الحادثة من مشاهداتهم للحياة اليومية بالمخيمات"، ويكمل "حالهم هذه دفعت القيمين بهيئة التوجية السياسي لتحفيز المتدربين والمتدربات للتعبير عن ماهية حاجاتهم ذات الصلة بتعزيز قدراتهم ومهاراتهم وفق مقتضيات مهامهم الخاصة بتأهيل أفراد آخرين من قوات الأمن الوطني ومؤسسات المجتمع المدني من جهة، وبسبب طبيعة الأحداث الطارئة في المخيمات من جهة أخـرى، مضافاً لذلك حثهم لتقديم مشروع "مدونـة سـلوك لائحـة داخلية" تضبط ممارسات وتصرفات أفراد قوات الأمن الوطني ومؤسسات المجتمع الأهلي وحملة السلاح في المخيمات".

 

 ويختم وهبة بتسجيل تفاؤله لفكرة الهيئة المتمثلة بتشكيل جهاز قانوني كامل متكامل بأهداف تتعاطى مع حاجات وقضايا الفلسطينيين على قاعـدة تعزيز مناخات الإستقرار في المخيمات والدفاع عن مطالبهم وقضاياهم حيث توجب.

 

ترجمة المعايير على أرض الواقع

من جهته، يؤكد المنسق المحلي لمنظمة نـداء جنيف في لبنان وسـام صليبي أن المهمة الأساسية لأجندة منظمته تنحـو باتجاه تعميم ثقافة القانون الدولي الإنساني وحماية المدنيين من تبعات النزاعات بين المجموعات المسلحة غير التابعـة لسلطة هذه الدولة أو تلك، وترجمتها لتطال كافة أرجاء العالم وحيث تقتضي الضرورة، مضيفاً "بدأنا العمل في لبنان بالتعاون مع الفصائل الفلسطينية في منظمة التحرير منذ العام 2010 وتحديداً عبر هيئة التوجيه السياسي بالمنظمة. وبرنامج نداء جنيف يتضمن العديد من العناوين ذات الصلة بثقافة القانون الدولي ومنها التي تتوافق وخصوصية واقع المخيمات واهتمام ذوي الشأن الفلسطيني، ومحورها الرئيسي المعايير الإنسانية للحماية والمبادئ الأساسية لاستخدام القوة والأسلحة النارية، باعتبار النزاعات بين المجموعات المسلحة تُسبب على الدوام الفـزع والخوف والضرر والموت للغير وفي مقدمهم المدنيون". وبخصوص المستهدفين من البرنامج يُشير صليبي لتركيزه على تدريب أشخاص من أفراد الأمن الوطني الفلسطيني لأنهم يحملون السلاح كون مهامهم هي مهام رجال أمن وشرطة ما يقتضي احترامهم لحق الإنسان بالحياة والالتزام بعدم استخدام السلاح بما قد يؤدي لإلحاق الأذى بالمدنيين، وذات المهام مناطة ضمناً بالقوى والمجموعات التي تحمل السلاح في المخيمات. وبرأيـه فالوصول لهذا الهدف ليس مستحيلاً أو صعباً بحال توفرت الإرادة والموارد على المستوى السياسي من جهة والمستوى المجتمعي منه جهة ثانية، مشيراً إلى أن سيطرة الهدوء ومناخات الإستقرار في مخيم عين الحلوة في العام الأخير جاءت نتاج عمل دؤوب لكافة الأفرقاء بالمخيم، وهي بمثابة شهادة تؤكـد ما سبق ذكـره. ويتساءل صليبي "ماذا يمنـع أن يُبنى على التهدئـة إطار من المعايير والمبادئ الأساسية ممثلاً بـ"مـدونـة سـلوك"- لائحـة ضبط لاستخدام القوة ومبادئ الحماية- ويتابع "لهذه الغاية يُصبح من الضروري تعريف الشرائح المجتمعية وحملة السلاح تحديداً بثقافة ومعايير حماية حق الإنسان بالحياة واستخدام القوة".

 

وخلاصة الدورات في المخيمات تستلزم تعزيز مناخات الإستقرار وعليها أن تجيب على سؤال "كيف نحوِّل التهدئـة في مخيم عين الحلوة تحديداً لأمر واقـع. وبسبب ذلك توخَّت نداء جنيف الاستعانة بمدربين ذوي كفاءة وخبرة وباع بالقانون الدولي توزعـوا مابين أساتذة جامعيين وأصحاب مؤسسات حقوقية واستشاريين دوليين ومنهم على سبيل الذكـر" المدرب وسام صليبي، نزار رمـال، جانسن سومـر، جانسن ماكايبر، حسن جوني".

 

بـدوره المفوض السياسي بقوى الأمن الوطني الفلسطيني في منطقة صيدا العقيد جهاد ورد أكـد أن الانتساب للدورات التدريبية ليس حكراً على كادر وأفراد الأمن الوطني الفلسطيني بفصائله المختلفة، بل هو متاح لمشاركة القوى الفلسطينية الأخرى المسلحة والمجتمعية أيضاً، لافتاً إلى أنَّ مشاركة قوات الأمن الوطني برأيه جاءت بهدف تعريفهم بثقافة قانونية جديدة ذات صلة بالحقوق والكفاح الفلسطيني، ومشيراً إلى أنَّ الدورة الأخيرة وماهيتها إعداد مدربين تمايزت عن سواها بامتدادها إلى 25 يوماً، وبأنَّها لاتتوقف عند حدود التعريف بالنصوص وحسب، حيثُ أنَّ المدربين يقدمونها مصحوبة بتمارين افتراضية يحاكون من خلالها أحداث وهمية، وبعدها يدفعون المتدربين لربطها وتعليلها بظواهر من واقع مشاهداتهم ما يخوِّلهم في وقت لاحق للتعاطي بدقة وموضوعية حيال استخدام السلاح وحماية المدنيين والحيلولة دون وقوع هذه الافتراضات في الواقع الحي في المخيمات أو على الأقل الحد من تبعاتها من جهة، ويمكِّنُهم أيضاً من نقل هذه المهارات لسواهم من الفلسطينيين والفلسطينيات من جهة أخرى. ويُدرج العقيد ورد الاهتمام بحقل ثقافة القانون الدولي بسياق الحاجة والضرورة للنجاح بمعركة الدفاع عن الحقوق من زاويتها القانونية، رابطاً بينها وبين المعركة الكفاحية للقيادة الفلسطينية بمؤسسات الشرعية الدولية خاصة هذه الأيام، والتي يخوضها الرئيس محمود عباس للدفاع عن حق الفلسطينيين بالتمثيل بمؤسسات الشرعية الدولية أسوةً بباقي شعوب ودول المنطقة وإن بصفة دولة غير عضو بالجمعية العامة للأمم المتحدة.

 

حمل السلاح قضية سياسية فلسطينية بامتياز

خلص لقاؤنا مع ثلة من المتدربين "يحيى حجير، جميلة الأشقـر، مفضي عباس، أحمد الحاج، فتحي سرية" لإجماع على أهمية الدورة، ولإدراج حمل الفلسطينيين للسلاح بسياق مهام مواجهة العدو الإسرائيلي وتحرير الأرض والتمسك بحق العودة لا غير، في إشارة إلى أنَّ سبب حرفه عن وجهته الصحيحة أحياناً يعود لتداخلات مغرضة "خارجية دولية". ودعا المتدربون القيادة السياسية الفلسطينية لرفع مستوى اهتمامها بالدورة من خلال العمل على فرز مسؤولي مواقع ومفاصل عمل وخصوصاً في الشق العسكري، ولحث القوى الإسلامية لفرز مندوبين لها لهذه الدورات خاصة في عين الحلوة، ولتنظيم حلقات توعية داخلية، وتنظيم السلاح وتأهيل حملته، وتحصين لوائح التوافق الداخلي الفلسطينية "ميثاق شرف مدونة سلوك" بإشراك ممثلي المؤسسات الأهلية والمجتمع المحلي والكوادر الفاعلة وكْبَاريات المخيم، والشباب، والنساء بدل حصرها بموقعيها. وتختم الأشقر بالتأكيد على ضرورة تعميم ثقافة فض النزاعات على جميع فئات المجتمع بما فيها النسوة والشباب وحتى الأطفال.

 

المخيمات