خاص مجلة القدس- بقلم: خليل التفكجي

يمكن وصف الصراع على مدينة القدس بانه صراع على الارض والسيادة عليها ، وفي نفس الوقت  صراع على الرموز، والشكل، والمظهر، والعلم الذي يرفع على مبانيها ، واسوارها وصراع في الرواية، وفرض الأمر الواقع على الأرض من جانب واحد على كل الأصعدة حيث يمكننا القول بان الوضع العام يشهد مرحلة متقدمة من خواتم الامور. وقد تجسد هذا النشاط في كل أنحاء المدينة وخاصة البلدة القديمة، وأصبح الصراع على الحيز مهمة لحُوحة للمؤسسات والجمعيات الاستيطانية، بهدف حسم الصراع على شكل المدينة المقدسة ومشهدها الثقافي.

فقد مر اكثر من اربعة عقود على احتلالها، وما زال مظهرها (هويتها) الاساس عربية ، مما سرع المشروعات الاسرائيلية المختلفة لتغيير مشهد المدينة، واكسابه هوية مغايرة ، ان لم تكن يهودية اسرائيلية فعربية اقل، وجاءت المدينة ذات افضلية قومية، وعاصمة للشعب اليهودي في كل انحاء العالم، وتخصيص ميزانيات ضخمة لاعادة تشكيل المدينة. والاستيطان داخل البلدة القديمة ، وحسم وضع حارة اليهود الموسعة (12%) من مساحة البلدة القديمة، واعادة بناء غالبية اجزائها وشحنت بالمؤسسات والمتاحف والحفريات الاثرية الموسعة لتساهم ايضاً في تغريب المكان. ان الداخل اليوم الى حارة اليهود الموسعة يشعر وكأنه في عالم  ليس له علاقة بباقي البلدة القديمة ، فكل شيء يوحي بتاريخ يهودي عريق ومتجذر، فالمظاهر المادية والثقافية عدا عن البشرية تفرض احساساً بانك في اي مكان لكن ليس في القدس القديمة .

وضعت السلطات الاسرائيلية برنامجها وخطة اطلق عليها مشروع 2000 لعام  2020، الهدف منه الحد من الوجود العربي في مدينة القدس، حيث أشارت الدراسات الصادرة عن مراكز الأبحاث الإسرائيلية الى أن عدد السكان العرب في عام 2040 سيصبحون 55% من المجموع العام للسكان، مما أشعل الضوء الأحمر أمام المخططين الإسرائيليين ودفعهم لوضع خارطة هيكلية لمدينة القدس بهدف تطوير المدينة وتقوية مركزها باعتبارها عاصمة الدولة العبرية ومركزاً للشعب اليهودي. وتقوية مركزها الاقتصادي والاجتماعي والعناية بالمباني العامة ومباني المؤسسات القومية الدولية وتعزيز وزيادة قوة جذب المدينة بعد أن ظهرت في السنوات السابقة كمدينة طرد سكاني،. وهكذا فإن المخطط 2020 بكل أبعاده السياسية والتخطيطية يطرح هدفاً واحداً وهو تقليص الوجود الفلسطيني بالمدينة خاصة في هذه المرحلة المصيرية التي تمر بها قضية القدس.حيث يخصص فائض الوحدات السكنية ومساحات التطوير للجانب اليهودي بهدف جذب سكان جدد ومنع الهجرة . أما بالنسبة إلى الفلسطينيين، فإنها جاءت فقط لاستيعاب الزيادة السكانية عن طريق منح  حقوق بناء طوابق جديدة على المباني القائمة ، دون الأخذ بعين الاعتبار البنية التحتية لاستيعاب السكان الجدد.

تأثيرات جدار العزل على الأوضاع بالمدينة المقدسة

اعتراف المستشار القضائي للدولة العبرية السابق (مئير شمغار) بأن جدار الفصل العنصري الذي يقام الآن بمدينة القدس، يتيح للقيِّم على أموال الغائبين أن يستولي على أملاك الفلسطينيين الذين يسكنون خارج الجدار. وهذا الوضع الناشئ عن الجدار سلب من الفلسطينيين أراضيهم وممتلكاتهم، التي انتقلت إلى الحارس على أملاك الغائبين. كما أن إسرائيل تسعى من خلال استلاب الفلسطينيين لأملاكهم استلاب حقهم في الحركة وحرمانهم من حقوقهم المقدسية من خلال ذرائع مختلفة ، لعزل القدس بكل ما فيها من أحياء وقرى محيطة عن الضفة الغربية. ولأول مرة تعترف الدولة بأن الإعتبار في تحديد مسار جدار الفصل ليس امنياً بل سياسياً ديموغرافياً حيث تدخل اعتبارات أخرى فهو كسكين يَقطع شرايين الحياة وطوق خانق. ولقد أعترف رئيس بلدية القدس( نير بركات) "بأننا لسنا بحاجة الى 170 الف فلسطيني يسكنون خارج الجدار" . ويعيش في المدينة  300 ألف عربي يحملون بطاقات زرقاء مقدسية ، 175 ألفاً سيعيشون داخل الجدار ، بينما 125 ألفاً سيعيشون خارج الجدار.

الحدائق التوراتية / التاريخية :

في ظاهرة لتزوير التاريخ وتهويد الارض بدأت سلطات الاحتلال بالاعلان عن مساحات كبيرة من اراضي القدس حدائق تاريخية / تلمودية. وذلك بالتعاون مع الجمعيات الاستيطانية ووزارة السياحة بهدف تغيير المعالم وتاريخ المدينة المقدسة ، حيث يتم انشاء هذه الحدائق واعطائها تسميات دينية يهودية ، وتقديمها للعالم (مدينة يهودية تاريخية) ترتبط ارتباطاً عضوياً بالتاريخ والدين والسيادة . وقد تم احاطة البلدة القديمة بهذه الحدائق بدءاً من المنطقة الجنوبية (سلوان) والشرقية (وادي جهنم) وشمالاً (جبل المشارف). وبشكل موازٍ نشرت وزارة الاسكان الاسرائيلية عطاءات لبناء آلاف الوحدات السكنية داخل مدينة القدس/ وذلك ضمن مشروعها اقامة مستوطنات جديدة وتوسيع مستوطنات قائمة للوصول للهدف المعلن باقامة (58) الف وحدة سكنية استيطانية حتى عام 2020 وتأتي هذه الخطوة ضمن خطوات الرد على الجانب الفلسطيني ورسائل الى العالم بان القدس عاصمة موحدة وابدية للشعب اليهودي. بالاضافة الى اقامة البؤر الاستيطانية داخل الاحياء الفلسطينية وربطها بالشوارع والسكك الحديدية ضمن سياسة واضحة بان القدس لا يمكن تقسيمها، كذلك مشروع اقامة (11 الف) وحدة استيطانية في منطقة مطار قلنديا وربطها مع مستوطنات الضفة الغربية عن طريق (الانفاق) الذي يعني ان اقامة القدس الكبرى بالمفهوم الاسرائيلي وعدم اقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس ومطارها قلنديا اصبح مجرد وهم.

وتستغل اسرائيل الوضع العربي وما يدور من احداث في تنفيذ هذه المشاريع وتهويد هذه المدينة بالاضافة الى انشغال العالم بقضية إيران ومناطق أخرى لتخلص من الضغط الدولي، علماً بان ورقة الضمانات الامريكية المعطاة لاسرائيل منذ عام 2004، بان الحقائق  التي تؤخذ بعين الاعتبار بالمرحلة النهائية لها الاثر الكبير بالدعم الامريكي السياسي والعسكري، كذلك فإن التخلص ممن كان يحكم بالعالم العربي جعل الجانب الاسرائيلي يتخذ حججاً امنية لتنفيذ المشاريع وخاصة وان الحراك العربي لم تتضح صورته بعد. اما اللجوء الى مجلس الامن فقد اتخذت ومنذ عام 1967 وحتى هذه اللحظة كثير من القرارات المؤيدة والمُدينة للجانب الاسرائيلي على الانتهاكات التي طالت الحجر والبشر. الا ان سيف الفيتو الامريكي يبقى مسلطاً على هذه القرارات وحتى ولو اتخذت قرارات لا تنفذ او تبقى حبراً على ورق. وقد تطور الموقف الامريكي تجاه القدس منذ عام 1967 وحتى اليوم تطوراً مذهلاً اتجاه التعاطف مع الجانب الاسرائيلي فبعد ان كانت القدس تعتبر اراضي محتلة انتقل الى مناطق متنازع عليها ، الى أخذ الوقائع على الارض بعين الاعتبار في المرحلة النهائية، وجاء نقل القنصلية الامريكية من القدس الشرقية الى الغربية بالاضافة الى غضّ الطرف عن المشاريع الاستيطانية التي يقوم بها المستوطنون اليهود من الجنسية الامريكية واستغلال هؤلاء في تنفيذ المخطط حسبما تراه الحكومة الاسرائيلية مدعومة من اليمين الاسرائيلي الموجود في الحكومة والبلدية في فرض الوقائع على الارض دون ان يكون هنالك ضغوط على الحكومة، الاثر الكبير في تنفيذ المشاريع الاستيطانية داخل الاحياء العربية، كما ان التقارير التي تصدر من الاتحاد الاوروبي لا تجد اي صدى او تنفيذ على ارض الواقع، علماً بان هذه التقارير تؤيد وتكشف بشكل كبير الانتهاكات الاسرائيلية للمقدسيين، كما ان البعثات التي جاءت من تركيا واليونسكو وضعت توصياتها بالادراج ، فقامت هذه البعثات بعمل تقارير وتوصيات لم تنفذ. وعليه فإننا نرى بان العالم الاسلامي والعربي عليه دور كبير بجعل مدينة القدس من اولى الاهتمامات وذلك بالتنسيق ما بين الحراك الشعبي العربي والمؤسسات الموجودة داخل المدينة سواء اكانت ثقافية ، صحية او تعليمية او اجتماعية  بالاضافة الى احداث تؤامة ما بين المؤسسات العربية والاسلامية المقدسية، ووضع استراتيجية واضحة تماماً لوقف عملية التهويد والعبرنة وهذا يتطلب دراسات وافية لاحتياجات المقدسيين (الاسكان، الترميم، الصحة.....الخ) وهنا يمكننا في هذا السياق التنويه الى ما تقوم به الاردن من دعم التعليم (فلسطين مدرستي) والمملكة المغربية في دعم النواحي التعليمية، والاجتماعية  على الرغم من ان هذا الدعم لا يفي بالمطلوب، الا ان هذه المعونات والمساعدات استطاعت ان تفعل الشيء الكثير، والمطلوب الآن من العالم العربي والاسلامي وخاصة بعد الربيع العربي ان تتجه الانظار اتجاه المدينة وصب كل الجهود الشعبية والرسمية واعلان مدينة القدس ذات افضلية قومية واقامة صندوق في كل بلد، ومدينة عربية واسلامية تخصص لاقامة المشاريع وابقاء مدينة القدس تضج بالآذان ونواقيس الكنائس تقرع.