تحقيق: ولاء رشيد

خاص- مجلة القدس، تحتل العديد من القضايا سلم أولويات الفئات كافة من فصائل ومؤسسات وهيئات وغيرها، فنجدها لازمة متكررة في كل المناسبات. إلا أن بعض المواضيع على أهميتها وحساسيتها، تبقى غائبة عن الأجندة الخاصة بأوضاع المخيمات، وعلى رأسها مسألة السلامة العامة. من هنا كان لابدَّ من تسليط الضوء على هذا الموضوع وعلى مشكلة غياب التجهيزات اللازمة لمكافحة الحرائق خصوصاً في مخيم عين الحلوة عاصمة الشتات التي تحتضن أكبر تجمع فلسطيني في لبنان.

 

تعدد عوامل الخطورة في ظل انعدام التجهيزات

يؤكد عضو اللجنة الشعبية في عين الحلوة مسؤول المشاريع في اللجنة محمود حجير أن مخيم عين الحلوة يفتقر لأي نوع من تجهيزات مكافحة الحرائق ويعاني غياب طاقم مؤهل ومدرَّب للتعاطي مع الحرائق، مشيراً إلى مدى خطورة الأمر كون الدولة اللبنانية لا تتكفل بإخماد أي حريق يندلع في المخيم لأنها تعتبر نفسها غير مسؤولة عن أي منطقة تقع ضمن حدود المخيم، ما يدفع الأهالي للاعتماد على أنفسهم في حال نشوب أي حريق عبر نقل المياه بشكل بدائي والاعتماد على النخوة الفلسطينية.

بدوره يرى أمين سر اللجنة الشعبية في قاطع البركسات محمد سلطان أنَّ أي مكان معرض بشكل أو بآخر لحدوث حرائق أو كوارث طبيعية، إلا أنَّ ما يزيد من حدة المشكلة في المخيم هو وجود عوامل إضافية ترفع من نسبة الخطورة بشكل كبير. وفي هذا الصدد يقول سلطان: "أبرز هذه العوامل هي التمديدات الكهربائية العشوائية وعدم صيانتها بشكل دوري، حيثُ أنَّ بعض الأسلاك عمرها أكثر من 25 عاماً وهي غير مغطاة "بالتلبيس" وبالتالي فهي معرضة لماس كهربائي فيما بينها من جهة ولماس يحصل عند هطول الأمطار على هذه الأسلاك من جهة أخرى، وهذا كله في ظل ازدياد الكثافة السكانية مما يزيد الضغط على الأسلاك المحدودة ويؤدي بدوره إلى تقصير عمرها وسرعة تلفانها. إضافةً إلى عوامل أساسية أخرى كالعامل الأمني المتمثل بالإطلاق العشوائي للنار مما يتسبب أحياناً باشتعال بعض المنازل، ومشكلة افتقاد السوق في المخيم للتنظيم، بحيث نجد محلات اللحام الكهربائي ملاصقة أحياناً لمحلات القطن،  ناهيك عن وجود محلات للغاز في السوق أيضاً مما قد يتسبب باندلاع حرائق كبيرة في حال حدوث أي أشكال أو إطلاق نار بالقرب منها. ولا ننسى بالطبع أن غياب الإرشاد المنزلي حول طريقة تنظيم أماكن الأجهزة الكهربائية في المنزل يشكل عاملاً لا يُستهان به". أمَّا بالنسبة لمنطقة البركسات فيشير سلطان إلى أن كل ما ينطبق على المخيم ينطبق أيضاً عليها باستثناء أن البركسات محرومة من خدمات الأونروا كونها تُعتبَر تجمعاً خارج نطاق المخيم في وقت تعتبرها فيه الدولة اللبنانية تجمعاً فلسطينياً لا علاقة لها به.

 

حاجة ماسة ولكن..

يتفق جميع المعنيين على كون موضوع تأمين تجهيزات مكافحة الحرائق من مادية وبشرية في مخيم عين الحلوة موضوعاً حساساً وبالغ الأهمية لأنه جزء لا يتجزأ من السلامة العامة. غير أن الخلاف يكمن في تصنيف المسألة وإدراجها ضمن مسؤولية فئة أو جهة تكون هي المعنية بالدرجة الأولى.

 

وحول هذا الموضوع يرى أمين سر حركة "فتح" وفصائل "م.ت.ف" في صيدا محمود العجوري بأنَّه: "لا شك أن موضوع السلامة العامة وبالتحديد مكافحة الحرائق هو أمر مهم جداً رغم عدم تسليط الضوء عليه، ولكننا منذ فترة اقترحنا على الفعاليات بالتنسيق مع اللجان الشعبية أن تتم دورات تدريبية في الإسعافات الأولية ومكافحة الكوارث الطبيعية. وبسبب غياب ذوي الاختصاص لدينا فقد اتفقنا مع البلدية اللبنانية وفوج الإطفاء أن يتم إرسال شباب فلسطينيين ليتم تدريبهم، ولكن الأمر لم يسر كما أردنا لأن المسألة كانت بحاجة لإجراءات ولقرار سياسي على مستوى وزارة الداخلية اللبنانية. وبالنسبة لنا في منظمة التحرير، فنحن لن نقصر في هذا المجال لأنه من حق شعبنا، غير أن الحصار المالي والاقتصادي الذي تمر به المنظمة يقوِّض قدرتها، ومن هنا فهذه المشكلة تحتاج إلى تكثيف الجهود من الجميع لا الاتكال على طرف دون غيره". أمَّا حجير فرأى بأن مسؤولية هذه القضية تقع على ثلاث جهات أولها الأونروا، ثم منظمة التحرير، وأخيراً مؤسسات المجتمع الدولي، موضحاً أن الأونروا مسؤولة عن إغاثة اللاجئين لذا فهي مسؤولة عن الحفاظ على سلامتهم كجزء من الإغاثة، ومعلَّقاً بالقول:"قمنا في اللجنة الشعبية بتقديم طلب للأونروا تم من خلاله شرح الحاجة الماسة للتجهيزات في المخيم وإن بشكل أولي على خلفية اندلاع أربعة حرائق كبيرة. وقد وعدت الأونروا بأن يتضمن مشروع للبنى التحتية كانت تعتزم القيام به إصلاح بعض التمديدات الكهربائية ومد خراطيم مياه في بعض المناطق العميقة في المخيم حسب حاجة كل مربع، على أن يتم ذلك في عمق المخيم فقط، لأنها لم توافق على شمول أطراف المخيم. ومنذ سبعة أشهر وحتى اليوم لم تنفذ الأونروا أي جزء من المشروع. والمشكلة أننا كلجان شعبية ليس لدينا إمكانية مادية بسبب الأزمة المالية التي تمر بها منظمة التحرير الفلسطينية بفعل الضغوطات الممارسة عليها. غير أنّه ينبغي أن لا ننسى بأن بعض الجهات تتخوف أحياناً من رصد مبالغ مالية لإصلاح بعض الأشياء، بسبب قيام بعض الطائشين بتخريب التمديدات أو البُنى الجديدة لغياب الوعي لديهم". ويضيف حجير: "وهكذا فإنَّ مشكلة التمويل مشكلة أساسية خاصة أننا وجدنا بعد إجرائنا لدراسة أولية للتجهيزات المطلوبة  أنَّ المخيم يحتاج إلى حوالي أربع آليات إطفاء صغيرة سعتها 2000 ليتر، أي بحجم بيك أب، لتتمكن من المرور في طرقات المخيم الضيقة، وحوالي 1000 إلى 1500 قارورة توزع على أنحاء المخيم حسب حاجة كل منطقة".

 

ويرى سلطان أن نشر الوعي حول التدابير الوقائية أمر يقع على عاتق المؤسسات المدنية والاجتماعية  لأنَّها هي المعنية بتوعية الناس أكان حول مواضيع الصحة أو الغذاء أو السلامة العامة، راداً أمر تأهيل الأفراد وتدريبهم على طرق مكافحة الحرائق إلى مسؤولية اللجان الشعبية ومنظمة التحرير الفلسطينية، ومنوهاً بأنه ورغم الحالة الاقتصادية السيئة التي تمر بها المنظمة بسبب الحصار المالي والسياسي المفروض عليها دولياً، فهذا لا يمنع أن تعطي موضوع مكافحة الحرائق ولو حداً أدنى من تأمين ما يلزم على حد تعبيره.

 

من جهته يرى مدير خدمات مخيم عين الحلوة فادي الصالح أن الأونروا هي وكالة مسؤولة عن غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، لذا فموضوعا البُنى التحتية والسلامة العامة هما ليسا من المسؤوليات الواقعة ضمن أجندة عملها إلا حين يكون هناك تمويل من متبرع يُحدد فيه مشروعاً معيناً لا تغطيه الأونروا ويرغب هو بتنفيذه، وهنا تكون مسؤولية الأونروا فقط تسهيل العمل وتأمين يد عاملة من المخيم.

 

مضيفاً: "رغم ذلك فالأونروا لا تتوانى عن تقديم مساهمات مالية في مشاريع هي غير مسؤولة عنها مثل مساهمتها في المقبرة وفي تمويل جزئي للرسوم الجدارية التي زينت المخيم.

 

ومن هنا الأونروا بنفسها لن تبادر هي لإيجاد مشروع ووضع خطة عمل ولكن المفروض هو أن ترفع الفصائل الفلسطينية واللجان الشعبية طلباً يتضمن خطة عمل كاملة وفعلية وسعياً للتنفيذ، وعندها ودون أي شك فإنَّ الأونروا ستقدم مساعدة ومساهمة لهم، ولكن حتى الآن لم يتم طرح هذا الموضوع علينا أبداً."

 

صيغة جدية وفعلية للحل

أجمع المعنيون على أن الحل يكمن في نقاط أساسية تضع الخطوات الأولى للبدء بحل مشكلة غياب التجهيزات اللازمة لمكافحة الحرائق، ومن ثم تضع أُسس خطة العمل والتطبيق.

 

ومن هنا فيمكن تلخيص المقترحات التحسينية وخطوات الحل بأربع نقاط أساسية هي:

 

أولاً: إطلاق المبادرة بشكل فعلي على مستوى المنطقة عبر رفع مذكرة لقيادة منظمة التحرير الفلسطينية، وللسفارة بحكم تواصلها مع المؤسسات، ولجميع المؤسسات المعنية لتفعيل المشروع على المستوى الفلسطيني وإلقاء الضوء عليه والتشارك في المساهمة، على أن يتضمن طلب المذكرة إطلاق تسمية مشروع مكافحة الحرائق واعتماد مراكز محددة يتم فيها التدريب وتعتمد كمراكز دفاع مدني، إلى جانب تقديم دراسة تتضمن الآليات والتجهيزات التي يحتاجها المخيم وكيفية توزعها بالتحديد.

 

ثانياً: تدريب طاقم ممن لديه الرغبة بحيث يتم فرز مجموعات تتلقى كل منها التدريبات اللازمة وذلك بالتنسيق مع الجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني.

ثالثاً: التنسيق مع الدولة اللبنانية بعد إعداد مبادرة متكاملة، بحيث يكون التنسيق ضمن الإمكانيات المتاحة للبلدية كونها المسؤول المباشر عن سرية الإطفاء، وفي حال تجاوز الأمر قدرة البلدية، يتم اللجوء لتفعيل المسألة على مستوى المبادرات أسوةً بما حدث خلال مشروع الهلال الأحمر الذي تمَّ من خلال مبادرات ومساهمات متعددة.

 

رابعاً: تشكيل لجنة متابعة لهذا المشروع تُعنى بمواكبة تداور المهمات وتقييم كافة تطورات المشروع.

 

سلاح عين الحلوة