يجتهد المزارع رائد ابو مرخية في جمع ثمار الزيتون من شجرة يعود عمرها الى ما يقرب من ألفي عام قبل حلول المساء في منطقة تل الرميدة المطلة على البلدة القديمة في الخليل. تبعد شجرة الزيتون عدة أمتار عن بيت يقيم فيه مستوطن منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي.
وقال ابو مرخية لرويترز فيما كان يقف جندي احتلالي على بعد أمتار يحرس منزل المستوطن "لقد اعطونا (الجيش الاسرائيلي) عشرة أيام لننهي جمع الزيتون. لدي 23 شجرة ويجب ان انتهي منها قبل انتهاء المدة".
وتقع منطقة تل الرميدة تحت سيطرة الاحتلال الكاملة حسب اتقافية الخليل التي وقعها الجانبان الفلسطيني والاسرائيلي عام 1997 وقسمت المدينة الى قسمين واحد تحت السيطرة الفلسطينية الكاملة والآخر الذي يعيش فيه ما يقرب من 500 مستوطن تحت السيطرة الاسرائيلية.
وقال ابو مرخية "كثيرا ما يحاول المستوطنون الذين يسكنون هنا منعنا من جمع ثمار الزيتون ولكننا لن نعطيهم الفرصة بان يمنعونا من ذلك".
ويشكل قطف الزيتون موسما احتفاليا لدى المواطنين تعمل فيه حسب الاحصائيات الرسمية ما يقارب من مئة ألف أسرة.
وأعلنت الحكومة أمس عن عطلة رسمية ليتمكن الطلاب والموظفون من مساعدة اسرهم على قطف ثمار الزيتون.
وتشير الاحصائيات الفلسطينية الى ان هناك ما يزيد عن 11 مليون شجرة زيتون يعود عمر عدد منها الى ما يقرب من الفي عام مزروعة على حوالي مليون دونم (250 ألف فدان).
وقال زكريا السلاودة وكيل وزارة الزراعة لرويترز "نعمل سنويا على زيادة عدد اشجار الزيتون المزروعة. والمخطط لدينا مع نهاية العام ان نكون قد زرعنا 600 ألف شجرة جديدة".
وتابع "إضافة الى البعد الاقتصادي لزراعة أشجار الزيتون ومساعدة الأسر الفلسطينية على تحسين دخلها فإن لذلك أبعادا سياسية تتمثل في الحفاظ على الأرض من عمليات المصادرة والنهب التي يقوم بها المستوطنون".
وتحدث السلاودة عن عودة الاهتمام بقطاع الزراعة بكافة أنواعها في الأراضي الفلسطينية ومن ضمنها زراعة الزيتون ذات الجدوى الاقتصادية.
وقال "تعمل الوزارة على مساعدة المزارعين الذي تتعرض مزروعاتهم لاعتداءات من قبل المستوطنين. وفي كثير من الأحيان تكون هذه الاعتداءات ضد اشجار الزيتون". وأوضح أن الوزارة تقدم أشتالا جديدة لزراعتها بدلا من تلك التي خربها المستوطنون.
واضاف "آخر هذه الاعتداءات كانت بقطع المستوطنين لما يقرب من 60 شجرة في قرية ياسوف في محافظة سلفيت".
وتبدأ شجرة الزيتون بالإنتاج بعد خمس سنوات من زراعتها وتعتمد على مياه الأمطار ويمكن ان تنمو في المناطق الجبلية.
ويستخدم المواطنون الزيتون الذي يقدر انتاجه في السنوات الجيدة بنحو 33 ألف طن اضافة الى انتاج زيت الزيتون في عمل مواد التجميل اضافة الى صناعة الصابون التقليدية.
وطور المواطنون استخدام المخلفات الناتجة عن عصر الزيتون او ما يعرف بالجفت من خلال عمل قوالب منه تستخدم في التدفئة الى جانب الحطب بالاضافة الى استخدامه كسماد للتربة.
ويملك المواطنون ما يزيد عن مئة شجرة زيتون في تل الرميدة تعود في مجملها الى الفترة الرومانية القديمة قبل حوالي ألفي عام.
وقال ابو مرخية ان المستوطنين يحاولون تخريب هذه الاشجار بقطعها او حرقها مضيفا أن هذه الاشجار التي تعرف بالزيتون الروماني لا تعود الى الحياة كما الغرس الجديد.
وإلى جوار الشجرة التي كان ابو مرخية وأفراد أسرته يجمعون ثمرها كان هناك نحو عشر شجرات زيتون رومانية جافة قال ان المستوطنين خربوها.
ولم يتسن الحديث لأحد المستوطنين الذين يقطنون المنطقة للحصول على تعقيب منه.
وقال ابو مرخية ان ما يجمعه من ثمار الزيتون يكفيه واسرته خلال العام وان الانتاج يختلف من سنة الى اخرى.
وتساعد مجموعة من الشبان تطلق على نفسها اسم (شباب ضد الاستيطان) ابو مرخية على قطف ثمار زيتونه كما تمد يد العون لمزارعين آخرين خصوصا في المناطق القريبة من المستوطنات.
وقال الشاب أحمد عمرو الناشط في تجمع (شباب ضد الاستيطان) اثناء تواجده مع عائلة أبو مرخية "يقترب عددنا من 50 شابا وينضم الينا أحيانا متطوعون أجانب من نشطاء السلام الاسرائيليين ونساعد المزارعين في قطف ثمار زيتونهم".
وأضاف "نجحنا في تحويل منزل في تل الرميدة يقع الى جانب منزل استولى عليه احد المستوطنين الى مركز لنشطائنا في مساعدة الناس على مواجهة المستوطنين".
وتابع ان استيلاء المستوطنين على منطقة تل الرميدة بدأ مطلع الثمانينيات وأطلق المستوطنون - الذين يتمثلون حاليا في خمس عائلات- على المنطقة اسم مستوطنة (رمات ياشاي).
وقال "يحاول المستوطنون بكل السبل التضييق على السكان الفلسطينيين الذين يزيد عددهم عن 65 عائلة لاجبارهم على مغادرة المكان".
واضاف "الحفريات التي تشاهدها في المنطقة يقوم بها المستوطنون إضافة إلى أنه يسمح لهم بعمل كل ما يريدون من اعمال بناء وحفر فيما يمنع الفلسطينيون حتى من اقامة سياج على قطعة ارض يملكونها".
ويضطر سكان بعض المنازل الى سلوك طريق وعرة للوصول إلى المنطقة في حين يستخدم المستوطنون طرقا أسهل خاصة بهم.
محمد اقنيبي هو أحد من يملكون أشجار زيتون في منطقة تل الرميدة وقال ان لديه صك ملكية لها يعود للفترة العثمانية قبل 400 سنة. وهو يخشى أن تؤدي المخططات الاسرائيلية الى مصادرة مساحة منها.
وقال لرويترز أثناء تفقده أشجاره "خضت معركة قضائية على مدى خمس سنوات لاقامة سياج حول ارضي. وبعد ان وضعت السياج يعمل المستوطنون على تخريبه".
وأخرج ورقة من جيبه قال إنها صورة لما سيحدث لأرضه بعد ان تمد السلطات الاسرائيلية شوارع لربط ثلاث مستوطنات في الخليل ببعضها. وقال "إذا اقتلع المستوطنون شجرة الزيتون المباركة من ارضنا فانهم سيقتلعوننا نحن ايضا. ولكننا لن نسمح لهم".
وأضاف "عملت على زراعة غراس زيتون جديدة ولكنهم اقتلعوها. قال لي احد المستوطنين انهم كانوا هنا قبل 2000 سنة وان هذه الأرض لهم".
وأوصى اقنيبي أولاده الثلاثة عشر بالحفاظ على الأرض وعلى شجر الزيتون المزورع فيها.