تقرير: منال خميس

خاص - مجلة القدس

أثارت زيارة الأمير القطري حمد بن خليفة آلثاني وزوجته الشيخة موزة بنت ناصر ووفده المرافق إلى قطاع غزة جدلاً كبيرًا، فمن توقيتالزيارة وأهدافها إلى انعكاساتها على الوضع الداخلي، إلى تأثيرها على القضية الفلسطينيةعلى المستويين الإقليمي والدولي، تفاوتت الآراء. ففي الوقت الذي اعتبرتها حماس زيارةتاريخية كسرت حصار غزة، اعتبرتها حركة "فتح" وبقية الفصائل الفلسطينية تكريساًللانقسام، معتبرين أنَّها أدخلت القضية منحىً متصاعداً نحو تأجيج الصراع حول وحدانيةوشرعية التمثيل الفلسطيني. واعتبر آخرون أنَّ أمير قطر جاء بحجة إعمار غزة، ولكن الواقعيقول أن وجهته  هي تدمير القضية، وأنَّ هذهالزيارة أدخلت قطر  طرفاً في الصراع الفلسطيني- الفلسطيني، مما يشكل خطورة حقيقية على المصالحة الفلسطينية وعلى الدولة لن تتمكنقطر من دفع ثمن تبعاتها الباهظ.

 

زيارة أميرقطر لغزة مشكوك بها وتكرس الانقسام

تعد زيارة أميرقطر، ووفده المرافق ومن ضمنه وفد مصري يترأسه وزير التربية والتعليم العالي مصطفى مسعد،نيابة عن الرئيس المصري د. محمد مرسي، الأولى من نوعها لرئيس دولة منذ أن سيطرت حركةحماس بالقوة على قطاع غزة  في 2007. وقد اتخذتالزيارة طابعاً رسمياً جداً قدمت من خلالها حماس كلَّ مظاهر برتوكول سلطة الدولة، بدءابالنشيد الوطني ومروراً بحرس الشرف والسجاد الأحمر وحضور السيدتين الأوليين، موزة وأمعبد السلام.

وكان الشيخ حمدقد زار غزة في 1999 حيث استقبله حينها الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات.

ومن جهته قال عضوالمكتب السياسي لجبهة التحرير الفلسطينية عدنان غريب "أبو الدباح":"إنَّ قطر بهذه الزيارة تحاول تثبيت مواقعها في السياسية الإقليمية والعربية.فمشاريع قطر بغزة جيدة ولكن كنا نود أن تكون هذه الزيارة باكورة أعمال المصالحة، لاأن تكون تكريساً للانقسام، وكان الأجدر بقطر أن تستغل ثقلها السياسي  لرأب الصدع الفلسطيني وإعادة اللحمة لشطري الوطن،بحيث يكون رئيس واحد وزيارة واحدة، وتقام المشاريع في كافة المناطق كالضفة وغزة والقدسالتي نسيها العرب كافة، فقد كنا نود أن يكون الرئيس محمود عباس في استقبال الأمير،لا أن يتم إخباره بالزيارة كرفع عتب.  

واعتبر أبو الدباحفي تصريحه للـ قدس أنَّ هذه الزيارة تشكِّل وسيلة ضغط على الرئيس بخصوص توجهاته إلىالأمم المتحدة، لا سيما أنَّ تحالفات قطر السياسية والعسكرية والاخوانية معروفة وواضحة،خصوصاً بعد أن أوضحت مصر لحماس،ولغيرها، بشكل قاطع أن لديها اتفاقات دولية لا يمكنهاالتراجع عنها، وأنَّها تعترف بشرعية الرئيس محمود عباس ومنذ البداية نبَّه المصريونحماس إلى ضرورة دخولها للمنظمة لتشريع التعامل معها.

وختم أبو الدباححديثه قائلاً:" أنا كفلسطيني كنت أتمنى أن تتم هذه الزيارة في ظل وحدة وطنية ورئيسواحد ومجلس تشريعي واحد وبرنامج زيارة موحد باستقبال رسمي من كل القوى الفلسطينية،فبهذاالشكل فقط نستطيع مواجهة إسرائيل والغرب".

أبو الدباح قبلأن يختم حديثه همس للقدس بأن الدعوة من قبل حماس لاستقبال أمير قطر، وجهت لمكتبه  باسمه الشخصي اللواء"عدنان غريب" ولمتوجه باسم جبهة التحرير الفلسطينية.

وتلك الدعوة لاستقبالأمير قطر كانت نقطة الغضب لدى مسؤول حركة "فتح" في قطاع غزة، نائب المفوضالعام بالمحافظات الجنوبية يحيى رباح الذي قال للقدس:" إن دور حركة فتح أكبر آلافالمرات من الوقوف في طابور الاستقبال لزيارة مشكوك فيها، ولم يتم التشاور معنا فيها،كان يجب أن تتم الزيارة  باستشارة القيادة فيرام الله، وكان يجب الاتفاق مع الرئيس محمود عباس، واستشارته أولاً، لا إبلاغه هاتفياًلأنَّه رأس الشرعية وهو من يقرر أين تقع المصالح الفلسطينية العليا. وكان من المفترضأن تُدعى "فتح" للمشاركة في تقرير تفاصيل هذه الزيارة وتحديد أهدافها، وليسلمجرد الاستقبال والتقاط الصور، ولذلك نحن رفضنا المشاركة".

واعتبر رباح أنَّهذه الزيارة ضربة قوية جداً للمصالحة وتثير الطموحات والأوهام من جديد لدى حركة حماس،وأنهتهديد واضح تجاه العمل على فصل قطاع غزة عن مساره الفلسطيني.

وتساءل رباح:"لمَّا كانت قطر تعرف حجم الضغوط الإسرائيلية والأمريكية والدولية على الرئيسعباس، فلماذا اختارت هذا التوقيت بالذات؟ ولماذا لم تنسِّق تفصيلياً مع القيادة الشرعيةالفلسطينية؟ ومن أين حصلت على الموافقات الأمنية لدخول غزة؟ وما هو حجم الدور الأمريكيوالإسرائيلي في هذه الزيارة؟ ولماذا قبلت قطر على نفسها أن تدخل إلى الملعب من بوابةالشك؟ كلُّ هذه التساؤلات لن تستطيع قطر الإجابة على إحداها، لذلك كان الموقف من الكلالفلسطيني بمقاطعة هذه الزيارة، التي أحدثت بلبلة واسعةً وجدلاً كبيراً في الرأي العامالفلسطيني، وأثارت قدراً هائلاً من الشكوك. لأنه إذا كان هدف الزيارة تنموياً فقط كمايدّعون، كان يمكن أن تتم هذه التنمية بدون كل هذه الإثارة السياسية.

وختم رباح:" نحن في "فتح" نشكر أي طرف عربي يقوم ببعض من واجبه تجاه الشعب الفلسطيني،ولكن ليس كل ما يلمع ذهباً، ونحن لا نقبل أن يكون ثمن هذه الأموال من هذا الطرف أوذاك تكسُّر عظام الشعب الفلسطيني، ولا نقبل أي خطوة من شأنها سلخ غزة عن الجسم الفلسطينيوالرمي بها في قلب صحراء سيناء، لا تحت عنوان إعادة الاعمار ولا تحت أي عنوان آخر،فغزة جزء عضوي من الكينونة الفلسطينية وسوف ندافع عن هذه الكينونة بكل ما أوتينا منقوة".

وأوضح عضو المكتبالسياسي لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني محمود الزق في حديثه للـ" قدس":"أنَّ توقيت هذه الزيارة في غياب التوافق الوطني واستمرار الانقسام يأتي في سياقتكريس حالة الانقسام والمحاولة البائسة لإضفاء شرعية مزيفة عليه، لافتاً إلى  أن الجهد الحقيقي للعرب  يجب تكريسه لإنهاء الانقسام لا لتمديده عبر مبادراتعنوانها لا يُعبر عن مضمونها وهدفها الحقيقي.

مضيفاً أنَّ:"مليارات الدولارات قد تم رصدها لأعمار غزة والعائق الأساسي لاستثمارها هو الإصرارعلى المضي في مشروع الانقسام وتغييب التوافق الوطني الفلسطيني، والحل الأساسي يكونعبر إجراء انتخابات ديمقراطية لشعبنا وتشكيل حكومة فلسطينية منتخبة وشرعية يتم التعاملمعها دولياً لانجاز مشاريع تعمير ما دمره الاحتلال في عدوانه المجرم على قطاع غزة".

 

الزيارة القطريةلم تكسر الحصار

من جهته أكد عضواللجنة المركزية للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين زياد جرغون، في بيان وصل "القدس"نسخة عنه، رفض جبهته المشاركة في استقبال أمير دولة قطر حمد بن خليفة آل ثاني والوفدالمرافق له، باعتبار تلك الزيارة تصب في تكريس الانقسام، مشدداً على أن الجبهة الديمقراطيةتؤكد تمسكها بالوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام.

أمَّا حزب الشعبالفلسطيني فقد أعلن مقاطعته لهذه الزيارة، حيثُ قال عضو المكتب السياسي وليد العوضللـ"قدس": "نحن نرحب بأي دعم عربي يصل إلى الشعب الفلسطيني سواء فيقطاع غزة أو الضفة الغربية كون الواقع الاقتصادي متردٍ وكل الشعب الفلسطيني بحاجة إلىدعم ومساندة، ونأمل أن تأتي كل تلك الجهود عبر الأطر القانونية والشرعية".

وأضاف العوض:"في هذه الزيارة بتنا نخشى أن يُستبدل الجهد العربي لإنهاء الانقسام بمال عربيتشكل قطر رأس حربته، ويُستخدم لتعزيز الانقسام، لذلك قاطعنا مراسم هذه الزيارة، التيجاءت بتوقيت يمكن من خلاله أن تستخدم الزيارة كذريعة للعديد من الدول التي ما زالتتتردد في الاعتراف بالدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة".

ويتابع العوض:"نأمل أن يتم الحد من تأثيرات هذه الزيارة السلبية، وأن يسعى العرب لاستعادة جهودالمصلحة، وأن تبذل قطر ومصر بصفتهما من رعى اتفاقات المصالحة جهودهما للضغط لتنفيذما تمَّ الاتفاق عليه برعايتهما".

وقال: "نأملأن لا يعتبر الإخوة في حركة حماس هذه لزيارة بمثابة كسر للحصار،لأنَّ الحصار ما زالقائماً، والاعتداءات الإسرائيلية ما زالت قائمة، كما أن الحصار ليس عربياً، ودخول أميرقطر عبر معبر رفح لا يمكن اعتباره بأي شكل من الأشكال كسراً لهذا الحصار".

على الصعيد الشعبيفقد أشار الفلسطينيون في قطاع غزة بأنَّ الاهتمام الكبير في هذه الزيارة كان للمالو للنساء، حيث تألقت بحسب تعبيرهم  "المزّةموزة" وليس زوجها الشيخ حمد، لافتين إلى تغزل رئيس الجامعة الإسلامية الدكتوررياض الخضري بسموها أثناء كلمته الترحيبية، كما لفتت آمال هنية (49 عاما) عقيلة اسماعيلهنية الأنظار، بإطلاق الصحافة عليها لقب سيدة قطاع غزة الأولى في أول ظهور رسمي بارزلها، منذ تسلُّم زوجها مهام رئاسة الحكومة عام 2006.

 فيما انتشرت في بيوت غزة وبشعبية كبيرة أغنية الفنانالفلسطيني أحمد داري الساخرة التي جاءت بعنوان "حولتوا غزة شركة" والتي انتقدفيها زيارة الأمير القطري حمد بن خليفة أل ثاني وزوجته الشيخة موزة بنت ناصر إلى قطاعغزة.

وتقول كلمات الأغنيةالتي تحمِّل حركة حماس مسؤولية تعزيز الانقسام في الأراضي الفلسطينية باستقبال أميرقطر وعقيلته: " شرف زارتنا البركة/ واضح شو عندك حنكة/ بس مش علينا هالحركة/حولتواغزة شركة

شكلك طاير بالفرحة/رسمولك اكبر لوحة/ الشغلة والله مش مزحة/ جارر وراك الدوحة

من مرة زور تلأبيب/ في إلك 100 حبيب/ فيها صحابك وحبابك/ وما بتشعر أنك غريب

الحق والله مشعليك/ الحق عاللي عملك بيك/ وقلك شبيك ولبيك/ أنا عبدك وملك إيديك

خدها مني من الآخر/كان غيرك والله شاطر/ هدي شوية ولا تخاطر/غزة أرض المخاطر".

انتهت زيارة أميرقطر إلى قطاع غزة بوضعه مالاً قيمته 400 مليون دولار بين يدي حماس، لإنشاء مدينة إسكانالأمير حمد، ومدرستين ومركز صحي وآخر تجاري ومسجد، ومستشفى حمد للأطراف الاصطناعيةوالصم، وإنشاء طريق صلاح الدين بطول 28 كلم، وشارع الرشيد الساحلي (الكورنيش) بطول35 كلم، وشارع الكرامة على طول شرق قطاع غزة.

والسؤال المهمهل تُعتبر هذه الزيارة في ظل المشهد السياسي الإقليمي المتسارع والمتغير، بمثابة إعلان"لدولة غزة" كمكافأة قطرية لحركة حماس بعد إنهاء الأخيرة لدعهما للرئيس السوريبشار الأسد؟ حيث أنَّ خالد مشعل نقل مكتبه إلى الدوحة، فيما أعلن اسماعيل هنية من قطاعغزة دعمه الصريح لحق الشعب السوري في معارضة النظام؟.