ربما يريدنا بنيامين نتنياهو، أن نهديه أغنية محمد عبد الوهاب القديمة، وهي قصيدة لأحمد شوقي، يئن عنوانها من الألم (شكوتُ البَيْن): أرجفوا أنك شاكٍ موجعٌ.. ليت لي، فوق الضنا، ما أوجعك!
فعجيب أمر هذا الذي يختطف وطناً، ويحبس أنفاس العالم كله، ويُهين المتدخلين والوسطاء، وفي الوقت نفسه يستغيث، ويريد من المخطوفين والمخطوفة أرضهم ومصائرهم وحرياتهم، أن يفكوا احتباس ثلاثة من جماعته، لا يعلم أحد، إن كانوا اختبأوا أو أن آخرين خبّأوهم في جُحر. هو لم يُر أنهم أصيبوا بشيء مما أصاب ألوف يحتبسهم في سجونه الآثمة!
والأعجب في أمر هذا، أنه يطمح الى تأسيس زخم سياسي لنفسه، على واقعة الاختطاف الصغير الذي لم تمر عليه أيام، وهو الذي ينكر الاختطاف الكبير والمديد، فضلاً عن نكرانه لكل سياسة تقوم على أن هناك اختطافاً!
وذروة العجب، تتبدى عندما يكون الاختطاف المديد، لوطننا، قد تخللته دماء سُفكت وسالت أنهاراً، وعذابات شعب، وهو جُرم تاريخي أسْكَنَ الشرق العربي كله، بنكبات واحتقانات، وعندما ارتضى الضحايا حلاً أقل من الوسط بكثير، رفض هذا المختطف، أن يتقبل من ضحاياه حتى التسليم والهزيمة الضمنية. فهو كعنصري حتى الثمالة، لا يقبل بأقل من أن يعلن الضحايا عن أنفسهم عبيداً، هم وأمتهم، لأن الفارق كبير بين المهزوم والعبد. الأول يمكن أن يستجمع قوته وأن يستدرك، أما الثاني فإن عبوديته تذهب أبدية ولا رجعة عنها!
ولأننا لن نكون عبيداً لنتنياهو ولا لمن يعلفونه ويحمونه هو ودولته وسياساته وعربدة مستوطنيه؛ فإن الاختطاف يزداد قبحاً وصلفاً في كل يوم، ويستحكم انسداد أفق الإفراج عن الوطن، وتُصاب سياسات الأمم بالإحباط، وتعلو وتائر التطرف، وتحتقن النفوس بغضب، يدفع بعض الناس الى إسقاط كل المعادلات وحقائق موازين القوة، وتحسبات ردود الأفعال، فيفعلون أي شيء، على قاعدة أن ما يقع من السماء تتلقفه الأرض. إما لخلاص وطنهم من الاختطاف، أو لخلاص البشر المعذبين من الأصفاد. فهذه هي طبائع البشر المظلومين في التاريخ. ففي سياقها، يكون كل شيء متوقعاً، وينقسم الناس بين صابر يتوخى بصيص أمل وثغرة للرجاء ويمتثل لحقائق موازين القوة ولشروط الوجود المادي للانسان المختطف في وطنه، وغاضب لا يمتثل لشيء. وبالطبع، لا يوافق الصابر الغاضب على شكل غضبه وفحواه. إن من يتحمل مسؤولية الإحباط الذي أحس به الأول، والغضب الذي يدفع الثاني الى أي عمل؛ هو خاطف الوطن الذي يشكو!
نتنياهو هذا، يصوّر له غروره، أن في مقدوره تأثيم من يختطفهم هم ووطنهم ونظامهم السياسي، وأن يحاسبهم على ما لا علاقة لهم به، وأن يتوقف عند اللغة التي يعبرون فيها عن ردود أفعالهم، فيصنّفها إما ساخرة أو محرضة أو متشفية أو شامتة أو ساعدت على شيء آلمه. ولأنه جعل من خطوتنا الأولى في اتجاه وحدة الكيانية السياسية أم المشكلات، فقد مضى في الاستهبال، وكأن حكومته التي تضم متطرفين لا يعترفون لنا بالحق في التنفس وفي أن نكون بشراً، ليست هي المسؤولة عن كل اضطراب وعن كل عمل يعصف بالمنطقة ويتجرأ على الواقع. ولأنه يريد بعض الوجاهة لاستهباله، لعل العالم يقتنع؛ سرعان ما بدأ يعزف على نغمة "حماس" ويقول إنها هي التي خطفت ثلاثة من جماعته، ما يشي بأن القصد، هو الانتقال الى طلب الإدانة الدولية لوحدة الفلسطينيين.
في أغنية عبد الوهاب، يقول الحائر لمن أشبعه كل صنوف المرارات: موقعي عندك لا أعلمه...آه لو تعلم عندي موقعك/ نامت الأعين إلا مُقلة...تسكب الدمع وترعى مضجعك!