نحن مدعوون، بموجب الإيمان الابراهيمي وبمقتضى العروبة الجامعة والمواطنة الضرورية للإيمان والعروبة والوطنية والانسانية أن نثبت مرة اخرى ودائماً، وبإلحاح أشد هذه المرة، كيف ان الاسلام هو حمى للمسيحية، فلا بد له أن يحميها ليحتمي بها، وإلا كان في خطر، وأن المسيحية هي حمى الإسلام، فلا بد أن تحميه لتحتمي به، وإلا كانت في خطر.
أما المسلمون والمسيحيون فهم المعنيون أولاً بهذه المعادلة، أو اصلاً.. لأنهم هم الذين يحيون وإن ماتوا، وقد يموتون وهم أحياء.. اما الإسلام والمسيحية، فإن لهما رباً يحميهما "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون".. وأما الكرامة والحياة، فإن كلا منهما شرط للآخر، وكرامة من دون حياة مجاز جميل ولكنه غير فاعل أو غير متحقق، وحياة من دون كرامة حقيقة ولكنها مرة، وأشد مرارة من الشر والباطل والموت.
وأما المعيار في الحياة والكرامة، فهو الإنسان، لأن الله عز وجل، وبناء على مسلماتنا المشتركة، غني عنا جميعاً، عن أدياننا وتديننا وإيماننا وكفرنا وثرواتنا وفقرنا، وعلمنا وجهلنا وعباداتنا وطاعاتنا ومعاصينا، وسلامنا وحربنا، ونهوضنا وتخلّفنا، وتعالينا واستعلائنا، وانتصاراتنا وهزائمنا، ومذاهبنا وأحزابنا، وكنائسنا وجوامعنا التي تجمعنا.. وتجمعنا به أو في كنفه، وإلا أصبحت حجارة، مجرد حجارة.. وربما.. ربما كان الله، تعالى علواً كبيراً، أشوق الى حريتنا (مجازاً).. وكناية عنا، أي عن شوقنا الى الحرية.. لأننا نحن بحاجة الى الحرية كشرط لعبادته المحرِّرة والخلاص من عبادة غيره.
وتحدينا.. أي أن ما الذي يتحدانا هو : كيف نتأسن ونأنس ونؤنس ونؤنسن سلوكنا الديني ليقربنا ذلك من قلب الله فنحيا به ؟ لأنه خلقنا لنحيا، ولا حياة من دون كرامة.. والمواطنة هي التكييف القانوني للكرامة التي نذهب اليه فرادى لنعود كرماء على جماعاتنا الدينية والإثنية، نكرم بها وفيها، وتكرم بنا وفينا..
والحياة.. وحتى الموت من اجل الحياة، من دون شرك بالله بالذهاب المجاني الى الشهادة، والاستقالة من الشهود الحي للحياة، الحياة هي فضاء الكرامة ومجالها واختبارها.. وهما، أي الكرامة والحياة، معنيان، أو مفهومان، أو قيمتان، أو واقعتان، أو حقّان، تبادليان متشارطان، يقومان على التكافؤ والتعارف والتثاقف والتنوع والتكامل وعلى السماحة التي هي أعمق وأبعد دلالة وأكرم من التسامح الذي يُشعر بالتنازل من طرف لطرف بين متفاضلين.. ونحن متكافئون تكويناً واستعداداً وشوقاً الى الحرية، الى الكرامة، الى العدالة.. الى الدولة الديمقراطية الوطنية الحديثة، التي تعني حداثتها أول ما تعني الحرص على المكون الإيماني وعلى الموروث المنقى من الدم الحرام.. وهنا، في الأردن، كان هناك مثال، نقدره، لأننا آتون من لبنان، مثال في تحويل الأعداد الباردة الى معان دافئة، وقد تم ذلك عن طريق الدمج الاجتماعي والاندماج والعيش المشترك وحوار الحياة برعاية الدولة ورغبة المواطنين، حتى صار العدد المسيحي القليل كثيراً في معناه الاردني وبهياً، وصار العدد الاسلامي الكثير أجود وأكثر وأجمع وأنفع.
أما الاندماج والتمازج وتحويل التعدد الى تجليات للوحدة بين الفلسطيني والأردني فقد مكّننا من الحفاظ على المعبر الإلزامي العربي والانساني الأردني الى فلسطين، ومن صيانة مستقبل القدس بتثبيتها كأمانة في ذمة الأردن وقلادة في عنقه تزيّن صدر أهلها وصدورنا، ومكّننا من أن يتحول الوجود الفلسطيني من الضيافة الى الشراكة على اساس التكافؤ، ومن ساكن للأردن الى مسكون فيه.
شكراً للأخ الاب الذي يتقن المحبة ويحسن التعبير عنها، الأب نبيل حداد.
شكراً لمركز التعايش بين الأديان في الأردن والذي نطمح له أن يعيش ويحيا لله وفيه وله، أي بنا وفينا ولنا.
شكراً على العناية المبذولة بصدق لنقول ما عندنا بشفافية لترسيخ العيش المشترك وتنقية الذاكرة وتبادل المعرفة بالحوار.