المنطقة في حالة غليان وترقب وقلق. فالوضع يخيف كثيراً الذين لديهم أسباب الخوف، يؤرقهم، ويتركهم فرائس أدوات التجميل والتنكر والأقنعة. لكنه يفرح أيضاً، لأنه على الأقل يلزمهم الوقوف أمام المرآة لمشاهدة وجوههم العارية والكالحة. يلزمهم الإصغاء للصوت المختلف، غير المخادع، وغير المتذلل، وغير المرائي، وغير الخائف والخانع.

أهمية الوضع الآن أنه يلزم السلطات الخائفة بقراءة الأسباب والدوافع، ويلزمها تحديد الخلاصات والحلول اللازمة للخروج من الأزمة بأقل الخسائر، بالتنازل قليلا عن سلطانها وجبروتها وطغيانها... هو بنظر تلك السلطات تنازلاً، فيما هو حق مكتسب ومشروع وشرعي للجماهير.

حسنا فعلت قيادة منظمة التحرير والسلطة الوطنية، حين حددت سياقاً وموعداً للانتخابات البلدية، ثم التشريعية والرئاسية. وحسناً أيضا أنها تسعى لإنتاج حكومة أكثر حيوية وفاعلية من التي سبقت. فهي بدعوتها هذه تعيد شد أوصال الحياة الفلسطينية، وتعيد تنسيبها إلى الإرث الديمقراطي الفلسطيني العريق، ومن ثم تزخم الشرعية الوطنية وتعيد إليها مستوى الثقة الذي تحتاجه في كل وقت وظرف ومرحلة. وبذات القدر كشفت زيف وكذب الكلام الممجوج والتحريفي والفاضح الذي تسوقه حماس، من خلال رفضها الإسهام في هذا الاستحقاق وتسهيل إجرائه على الأرض الفلسطينية كلها، لأن مسألة الديمقراطية في عرفها تمثل الكذبة الكبرى. ولأن خطها في المستقبل من هذا الاستحقاق سيكون خالياً من الإنجازات القسامية والإدعاءات الخاوية ومليئاً بالأحقاد والجرائم والإرتكابات الشنيعة.