تصادف يوم غد الجمعة، الثاني من تشرين الثاني، الذكرىالخامسة والتسعون لصدور وعد بلفور المشؤوم، الذي منحت بموجبه بريطانيا الحق لليهودفي إقامة وطن قومي لهم في فلسطين، بناء على المقولة المزيفة 'أرض بلا شعب لشعب بلاأرض'. 

وعد بلفور كان بمثابة الخطوة الأولى للغرب على طريقإقامة كيان لليهود على أرض فلسطين؛ استجابة مع رغبات الصهيونية العالمية على حساب شعبمتجذر في هذه الأرض منذ آلاف السنين 

وجاء الوعد على شكل تصريح موجه من قبل وزير خارجية بريطانياآنذاك، آرثر جيمس بلفور في حكومة ديفيد لويد جورج في الثاني من تشرين الثاني عام1917، إلى اللورد روتشيلد، أحد زعماء الحركة الصهيونية العالمية، وذلك بعد مفاوضاتاستمرت ثلاث سنوات دارت بين الحكومة البريطانية من جهة، واليهود البريطانيين والمنظمةالصهيونية العالمية من جهة أخرى، واستطاع من خلالها الصهاينة إقناع بريطانيا بقدرتهمعلى تحقيق أهداف بريطانيا، والحفاظ على مصالحها في المنطقة. 

وكانت الحكومة البريطانية قد عرضت نص تصريح بلفور علىالرئيس الأميركي ولسون، ووافق على محتواه قبل نشره، ووافقت عليه فرنسا وإيطاليا رسمياسنة 1918، ثم تبعها الرئيس الأميركي ولسون رسميا وعلنيا سنة 1919، وكذلك اليابان، وفي25 نيسان سنة 1920، وافق المجلس الأعلى لقوات الحلفاء في مؤتمر سان ريمو على أن يعهدإلى بريطانيا بالانتداب على فلسطين، وأن يوضع وعد بلفور موضع التنفيذ حسب ما ورد فيالمادة الثانية من صك الانتداب، وفي 24 تموز عام 1922 وافق مجلس عصبة الأمم المتحدةعلى مشروع الانتداب الذي دخل حيز التنفيذ في 29 أيلول 1923، وبذلك يمكننا القول إنوعد بلفور كان وعدا غربيا وليس بريطانيا فحسب. 

في المقابل اختلفت ردود أفعال العرب تجاه التصريح بينالدهشة، والاستنكار، والغضب، وبهدف امتصاص حالة السخط والغضب التي قابل العرب بها وعدبلفور، حيث أرسلت بريطانيا رسالة إلى الشريف حسين، بواسطة الكولونيل باست، تؤكد فيهاالحكومة البريطانية أنها لن تسمح بالاستيطان اليهودي في فلسطين إلا بقدر ما يتفق معمصلحة السكان العرب، من الناحيتين الاقتصادية والسياسية، ولكنها في الوقت نفسه أصدرتأوامرها إلى الإدارة العسكرية البريطانية الحاكمة في فلسطين، أن تطيع أوامر اللجنةاليهودية التي وصلت إلى فلسطين في ذلك الوقت برئاسة حاييم وايزمن خليفة هرتزل، وكذلكعملت على تحويل قوافل المهاجرين اليهود القادمين من روسيا وأوروبا الشرقية إلى فلسطين،ووفرت الحماية والمساعدة اللازمتين لهم. 

أما الشعب الفلسطيني فلم يستسلم للوعود والقرارات البريطانيةوالوقائع العملية التي بدأت تفرض على الأرض من قبل الحركة الصهيونية وعصاباتها المسلحة،بل خاض ثورات متلاحقة، كان أولها ثورة البراق عام 1929، ثم تلتها ثورة 1936. 

من جهتها اتخذت الحركة الصهيونية العالمية وقادتها منهذا الوعد مستندا قانونيا لتدعم به مطالبها المتمثلة، في إقامة الدولة اليهودية فيفلسطين، وتحقيق حلم اليهود بالحصول على تعهد من إحدى الدول الكبرى بإقامة وطن قوميلهم، يجمع شتاتهم بما ينسجم وتوجهات الحركة الصهيونية، بعد انتقالها من مرحلة التنظيرلأفكارها إلى حيز التنفيذ في أعقاب المؤتمر الصهيوني الأول، الذي عقد في مدينة بازلبسويسرا عام 1897، والذي أقرّ البرنامج الصهيوني، وأكد أن الصهيونية تكافح من أجل إنشاءوطن للشعب اليهودي في فلسطين. 

وتبدو الإشارة إلى وعد بلفور في نص وثيقة الاستقلالالمعلنة مع قيام دولة إسرائيل، دليلا فصيحا على أهمية هذا الوعد بالنسبة لليهود، حيثنقرأ في هذه الوثيقة: 'الانبعاث القومي في بلد اعترف به وعد بلفور...'. 

وتمكن اليهود من استغلال تلك القصاصة الصادرة عن آرثربلفور المعروف بقربه من الحركة الصهيونية، ومن ثم صك الانتداب، وقرار الجمعية العامةعام 1947، القاضي بتقسيم فلسطين ليحققوا حلمهم بإقامة إسرائيل في الخامس عشر من أيارعام 1948، وليحظى هذا الكيان بعضوية الأمم المتحدة بضغط الدول الكبرى، ولتصبح إسرائيلأول دولة في تاريخ النظام السياسي العالمي التي تنشأ على أرض الغير، وتلقى مساندة دوليةجعلتها تغطرس في المنطقة، وتتوسع وتبتلع المزيد من الأراضي الفلسطينية والعربية، وتبطشبمن تبقى من الشعب الفلسطيني على أرضه دون رحمة. 

تصريح بلفور أعطى وطنا لليهود وهم ليسوا سكان فلسطين،حيث لم يكن في فلسطين من اليهود عند صدور التصريح سوى خمسين ألفا من أصل عدد اليهودفي العالم حينذاك، والذي كان يقدر بحوالي 12 مليونا، في حين كان عدد سكان فلسطين منالعرب في ذلك الوقت يناهز 650 ألفا من المواطنين الذين كانوا، ومنذ آلاف السنين يطورونحياتهم في بادية وريف ومدن هذه الأرض، ولكن الوعد المشؤوم تجاهلهم ولم يعترف لهم إلاببعض الحقوق المدنية والدينية، متجاهلا حقوقهم السياسية والاقتصادية والإدارية. 

نص وعد بلفور: 

وزارة الخارجية البريطانية 

2نوفمبر 1917م 

عزيزي اللورد روتشيلد 

يسرني جدا أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة صاحب الجلالةالتصريح التالي، الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود والصهيونية، وقد عرض على الوزارةوأقرته: 

'إنحكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذلغاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يكون مفهوما بشكل واضح أنه لن يؤتى بعملمن شأنه أن ينتقص الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمةالآن في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى'. 

وسأكون ممتنا إذا ما أحطتم اتحاد الهيئات الصهيونيةعلما بهذا التصريح. 

المخلص 

آرثر بلفور