تحقيق: وليد درباس

 

خاص - مجلة القدس، تعود ممارسـة الفلسطينيين لأشكال التكافل الإجتماعي لزمنٍ بعيد.  بحيثُ يتم تأسيس صندوق يُجمع ريعهُ من العائلات والمتبرعين من ذوي الوفرة والسعة لمساعدة العائلات المحتاجة وأحياناً لحل مشكلة أو دفع دية وغيرها من الأغراض، غير أنَّ هذه الظاهرة تراجعت في الآونة الأخيرة بفعل تزايد التغيرات والمتطلبات الحياتية لصالح بروز دور جديد للهيئات والجمعيات الإغاثية، وأبرزها الهيئة الخيرية الفلسطينية للتكافل الأسـري، وجمعية الرعاية والتنمية الأسرية.

 

 

الهيئة الخيرية الفلسطينية للتكافل الأسـري

ترد مسؤولة فرع إتحاد المرأة الفلسطينية في لبنان مسؤولة الهيئة الخيرية للتكافل الأسري في مخيمات لبنان  آمنة سليمان فكرة تأسيس الهيئة الخيرية الفلسطينية للتكافل الأسـري لما نقله مستطلعو أحوال المخيمات في لبنان من قادة ومسؤولين، وخاصة القادمين من أرض الوطن، لفخامة الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي أوعـز للجهات النافـذة بإجـراء اتصالاتها بهدف تأمين التمويل، وأوفد في آواخر  العام 2011 مستشاره للشؤون القانونية المحامي حسن العوري وبرفقته حشد من رجال الأعمال ومؤسسي الهيئة، حيثُ جالوا في المخيمات وذهلوا بحجم المعاناة، وهكذا كان أن تأسست الهيئة بمرسوم رئاسي. وتضيف سليمان بأنَّ "أجندة الهيئة تلحـظ العمل على تحقيق التوأمة بين العائلات الفلسطينية الميسورة بالوطن والفقيرة في مخيمات لبنان، بقيام الأولى بتكفُّل الثانية وإعانتها مادياً.

من جهة ثانية، أشارت سليمان إلى صعوباتٍ واجهتها الهيئة في بداية عملها ولا زالت تعانيها ومنها ضعف التمويل، حيثُ أنَّ اللجان كانت قد أحصت حوالي 7000 حالة في المخيمات من الفقراء وذوي العسر الشديد، غير أنَّ الهيئة آنذاك لم تتمكن من تقديم الكفالة سوى لـ 622 حالة، وصلت حالياً إلى 1000 حالة، لافتةً إلى أنَّ الهيئة تبذل جهدها، بهدف دفع المزيد من الأُسر الميسورة للإنخراط ببرنامج الهيئة لتمكينها من رفع عدد مكفوليها في لبنان لحـد الـ 5000 حالة، ومتمنيةً زوال الإجراءات الدولية المفروضة على البنوك بما فيها التحويلات من فلسطين للبنان ليتمكن المكفولون من استلام مساعداتهم الدورية بمعدل 100دولار للحالة، عبر البنوك والمصارف في لبنان بدل استلامها من لجان الهيئة بلبنان.

 كذلك نوَّهت سليمان بالجهود الكثيفة التي تبذلها الهيئة الخيرية برام الله لإغاثة أبناء الشعب الفلسطيني في مخيمات سوريا جراء تداعيات الأحداث المؤلمة هناك، مشيرةً إلى أنَّ الهيئة تتطلع لشمول تقديماتها المستقبلية العائلات الفلسطينية الفقيرة في قطاع غـزة والعراق والأردن والإمارات وصولاً إلى المنافي في أوروبا والقارتين الأمريكيتين، ويحدوها الأمـل أن تُصبح الهيئة بمثابة شبكة تواصل بين الفلسطينيين في شتى أصقاع الأرض.

من جهتها قالت مسؤولة الملف الإجتماعي في إتحاد المرأة الفلسطينية ثريا راجح بأنَّ "اتحاد المرأة عمد إلى توظيف خبرات العاملات ببرامج القروض تطوعاً لصالح عمل الهيئة الخيرية، ناهيك عن مشاركة ممثلي اللجان الشعبية والشؤون الإجتماعية. وللعلم فإنَّ الكفيل يحتفظ بحق اختيار نوع الحالة التي يرغب بكفالتها"، مشيرةً إلى أنَّ الهيئة باتت مؤخراً تعطي الأولوية لحالات معينة هي:

• المرضى المحتاجون للعلاج الدائم كمرضى السرطان والكلى، نظراً لارتفاع كلفة علاجهم، مقابل عدم تغطية الأونروا لكلفة العلاج الكاملة وقلة المساعدات المقدمة لهم من قِبَل المؤسسات الخيرية إن وجدت.

• حالات العسر الشديد (الثكالى، الأرامـل، الأيتام ...)، ممن لا معيل لهم.

 

الثغرات وتذليل العقبات

قلما وجد عمل ناجح بنسبة 100%، لذلك فإن عمل الهيئة تعترضه أحياناً بعض العقبات. حيثُ أنَّ الناس باتوا يقصدون مقرات الإتحاد بكثرة بهدف الحصول على مساعدة دورية، ما استدعى من الهيئة الإيعاز للجان المسح بزيارة هذه الحالات في أماكن إقامتها وتعبئة استمارات بأوضاعها الصحية، والاجتماعية، ومدخولها الشهري وغيره، ليتم التعاطي معها، بحسب راجح، وفق مبـدأ الحالة الملحة والأشـد إلحاحاً وبما يراعي ألا يكون أصحاب الحالة:

• موظفين بمؤسسة ما أو مفرغين بأطر منظمة التحرير أو لديهم مدخول شهري.

• ممن يتقاضون راتباً من مؤسسة الشؤون الإجتماعية، باستثناء الحالات المصنفة بخانة "الوفيات شهيد مدني".

• من "الأرامل والثكالى" ممن لديهم أبناء من فئة الشباب.

• من الحالات الإجتماعية التي تتلقى مساعدات دورية من أكثر من مؤسسة من مؤسسات الإغاثة المجتمعية بما يكفل لهم الحـد الأدنى من الإعالة.

• مراجعة طلبات بعض الحالات الصحية الدائمة والطارئة وإخضاعها سنوياً أو موسمياً للدراسة، بحيثُ توَّقف بحال تحسُن الحالة أو وفاتها، على أن تدرس حالة عائلة المريض للإبقاء على المساعدة أو منحها لصالح حالة أخرى.

وتـرد راجح إدراج هذه الثوابت بعمل اللجان إلى محدودية إمكانيات الهيئة معلقةً بالقول: "نحـن نـدرك أنَّ غالبية الفلسطينيين بحاجـة للمساعدة لكنَّ العين بصيرة واليد قصيرة".

 

جمعية الرعاية والتنمية الأسريـة

 بدورها ثمَّنت عضو المجلس الإداري للاتحاد العام للمرأة الفلسطينية مسؤولة الإتحاد بمنطقة صيدا كنانة رحمة دور الهيئة الخيرية للتكافل، مؤكدةً أنَّ أجندة الهيئة تتكامل ومهام جمعية الرعاية والتنمية الأسرية التي أسستها حـركة "فتح" عام 1999 في عين الحلوة وتديرها رحمة في ظل الظروف الصعبة التي يعانيها الفلسطينيون في مجالي الصحة والتعليم، ما دفـع الجمعية للعمل باتجاهين الأول تقديم المساعدات المادية- العينية،  والثاني تأسيس برنامج القروض.

وعن ماهية التقديمات، تقول رحمة: "تشمل التقديمات على سبيل الذكر لا الحصر: كسوة العيد للأطفال المهمشين، وتسديد رسـوم دور رياض الأطفال للمعوزين، وشـراء الأحذية الطبية لبعض الحالات الفقيرة من ذوي الإحتياجات الخاصة، ومساعدة طلبة المعاهد بأجزاء من القسط أحياناً وبتسديد استحقاقات متراكمة عليهم لتمكينهم من الحصول على شهادة التخرج، وغيرها من المساعدات"، مشيرةً  لمساعدة الجمعية على مدار خمس سنوات للمرضى بشراء الأدوية وخاصة أدوية الأعصاب، الأمر الذي أوقف فيما بعد بسبب قلة الإمكانيات، وتضيف رحمـة "استهدف برنامج القروض الفقراء الراغبين بترميم منازلهم، ودَعَم الفلسطينيين ممن يمتلكون مشاريع صغيرة، ومكَّن أعداداً غير قليلة من الطلبة الجامعين من إتمام دراستهم الجامعية، بحيثُ تجاوز عدد المستفيدين من البرنامج الثلاثة آلاف مقترض"، خاتمةً بالقول: "مصدر إيرادات الجمعية هو منظمة التحرير، و"فتـح"، ورسـوم القروض، وزكاة الأموال بشهر رمضان، وتبرعات فاعلي الخير"، لافتةً إلى أنَّ تشكيل صندوق الرئيس لمساعدة الطلبة الجامعيين، ومؤسسة الضمان الصحي الفلسطيني، والهيئة الخيرية الفلسطينية للتكافل الأسري، هي انجازات تستحق التقدير والشكر الكبير للقيادة الفلسطينية وفي مقدمها الرئيس أبومازن.

 

شـواهد ومواقف

حكمت عثمان، نزحت وعائلتها إثر نكبة مخيم نهر البارد إلى عين الحلوة حيثُ استأجروا منزلاً بمبلغ مائة دولار شهرياً. ولكنَّ إبنها رامي، معيل العائلة، أصيب بحادث عمل منذُ ثلاث سنوات فأصبح مشلولاً. وتقول حكمت "نعيش على مساعدات فاعلي الخير، فسـوء الأوضاع الإقتصادية لا يمكِّننا من توفير متطلبات معاينة رامي وشـراء أدويته وأحياناً نستغني عن العلاج لعدم توفر المال للوصول لمقرات العلاج خارج صيدا، لذا أحمـد الله على المساعدة التي نتلقاها من الهيئة الخيرية للتكافل".

نايفـة علي فارس، تقطن عائلتها في منزل صغير تتقاسمه مع ابنتها وولدين بالعقد الثاني، مصابَين بمرض الأعصاب وحاجتهما للعلاج والأدوية ملحة، فيما ربُ الأسرة متوفىً، وتقول الحاجة أم أحمـد "اللـه يرضى عليهن بالاتحاد زي بناتي، هـن إللي دوّروا علينا وساعدونا".

يوسـف عبد الرازق، طالبٌ في الصف الخامس إبتدائي، يعيش مع والديه وإخوته الستة في غرفتين، وهو مصاب بالسرطان ويحتاج للمعاينة الدورية والعلاج الكيميائي. أمًّا رب العائلة فيعمل بائعاً جوالاً ويقول: "الحمد لله الأمور الآن تحسنت بعد علاج يوسف مجاناً في أحد مشافي بيروت المختصة". بدورها شكرت أم يوسـف الاتحاد، معلقةً بالقول: "أجرة المواصلات إلى بيروت لعلاج يوسف مكلفة، خاصةً أنَّ والده مضطر لوقف عمله لمرافقتنا... المائة دولار والحمد لله تحل مشكلة... يكثر خيرهن".

ناديـة عبـده، ربة أسرة مؤلفة من خمسة أفراد. تُوفي زوجها منذُ أربع سنوات، ولكنَّها أدرجت تعليم أولادها بسلم أولوياتها وتعلق قائلةً: "وجدت المساعدة في تعليم أبنائي من خلال صندوق الرئيس للطلبة الجامعيين والمكتب الطلابي الحركي إلى جانب تكفُّل مؤسسة الأعمال الخيرية لأحد أبنائي. واليوم فإبنتي البكر باتت طالبة جامعية وإخوتها أيضاً يتابعون دراستهم". وتشكر نادية كل من ساهم بتعليم أبنائها إضافةً إلى الاتحاد وهيئة  التكافل لمساعدتهم لها بمبلغ مائة دولار شهرياً.