كشفت الاوساط الاعلامية عن وثيقة اميركية، تطالب الدول الاوروبية بعدم دعم التوجه الفلسطيني للجمعية العامة للحصول على العضوية غير الكاملة في الامم المتحدة.

من حيث المبدأ لا يمكن لمراقب سياسي او اعلامي، ان يستغرب او يستهجن الوثيقة الاميركية. لأن من يعود للسياسات الاميركية، واداراتها المتعاقبة منذ عام 1947 وعشية إصدار قرار التقسيم لفلسطين التاريخية حامل الرقم (181) يستطيع معرفة حقيقة الموقف الاميركي المعادي لحق تقرير المصير للشعب العربي الفلسطيني، مع ان الرئيس الاميركي وودرو ويلسون اول من نادى بحق تقرير المصير للشعوب الخاضعة للامبراطوريات الاستعمارية في الـ 8 من كانون الثاني 1918، عندما طرح على الكونغرس الاميركي مبادئه الـ (14).

لكن من يعود ايضا لقراءة تاريخ الامبراطورية الاميركية منذ قيامها، يدرك ان القيادات والرؤساء الاميركيين يقولون شيئا ويفعلون نقيضه تماما. لأن القيم الرائعة، قيم الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان وحقوق الاقليات ... الخ، تستخدم للاستهلاك اللفظي والتضليل لشعوب الارض الفقيرة والمضطهدة، اما الهدف الحقيقي، فانه يصب في خدمة السياسات الاستعمارية الاميركية. وبالتالي الوثيقة الاميركية الجديدة الموجهة للدول الاوروبية، انما تعكس تأكيد المؤكد في السياسة الاميركية. لان الولايات المتحدة تناصب المصالح الوطنية للشعب العربي الفلسطيني العداء. وتعمل بكل ما تملك من قوة عسكرية وسياسية واقتصادية وثقافية ودينية لدعم دولة الاحتلال والعدوان الاسرائيلية، رديفتها وربيبتها في الارهاب المنظم ضد شعوب الارض. ولان كلتا الدولتين قامتا على مفهوم الابادة للآخر، وتحكمهما فلسفة ومنطق الرأسمال، الذي يبحث بشكل مجنون ودون اي وازع قانوني او سياسي او اخلاقي او ثقافي عن الربح الاحتكاري، وعلى حساب مصالح وحقوق الشعوب المضطهدة والمغلوبة على امرها.

ويخطئ من يحاول من العرب والفلسطينيين تحميل المسؤولية للذات العربية والفلسطينية، في عدم قدرتها على محاكاة الآخر الغربي وخاصة الاميركي. لان اللغة، التي استخدمها الفلسطينيون والعرب عموما منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي كفيلة بقلب كل المفاهيم الغربية، لا سيما وان العرب خلعوا كل ثيابهم، وقدموا انفسهم بشكل هابط جدا في الواقعية، حتى يستطيع المواطن الاميركي والاسرائيلي والاوروبي، تفهم حاجة الشعوب العربية عموما والشعب الفلسطيني للسلام والتعايش والحصول اسوة بشعوب الارض على حق تقرير المصير واقامة الدولة المستقلة على خمس فلسطين التاريخية ، اي على الـ 22% فقط. ومع ذلك كلما قدم العرب والفلسطينيون تنازلا، تغولت الحركة الصهيونية واداتها الدولة العبرية في استباحتها للحقوق الوطنية الفلسطينية، وتساوقت معها الادارات الاميركية المتعاقبة بغض النظر عن الحزب الحاكم. ليس هذا فحسب، بل ان الادارة الاميركية توجه سهامها وسخطها وضغوطها وجبروتها للفلسطينيين والعرب ومطالبتهم بالبقاء جالسين الى ما شاء الله على طاولة المفاوضات الاسرائيلية، حتى يقرر الاسرائيليون الوقت، الذي يغفلون فيه باب غرفة المفاوضات ويحولون دون دخول الفلسطينيين لها، وهذا الوقت تصل اليه دولة التطهير العرقي، عندما تصادر وتهود كل الارض الفلسطينية وليس فقط القدس، وتنفذ مخطط الترانسفير الارهابي الكولونيالي ضد ابناء الشعب الفلسطيني .

هذه الحقيقة في الموقف الاميركي تاريخيا، لم تحل دون حرص القيادات الفلسطينية على التعامل بايجابية مع الادارات الاميركية، إدراكا منها لطبيعة موازين القوى في اللوحة الدولية، وإمساك الولايات المتحدة حتى اللحظة بقرون السياسة الدولية في ظل غياب الاقطاب الدولية المنافسة لها. كما ان القيادة والشعب الفلسطيني، شاؤوا ان يمدوا جسور الصداقة مع الشعب الاميركي، الذي تضلله القيادات الاميركية النافذة في صناعة القرار، ولان الشعب الاميركي ليس معاديا لشعوب العالم بما فيها الشعب الفلسطيني، وبالتالي الحرص الفلسطيني معني بتعزيز روابط الصداقة مع الشعب الاميركي، ولكن الشعب والقيادة السياسية، وعلى اهمية ادارة الصراع بحنكة، وعدم دخول متاهات حروب دونكشوتية لا طائل من ورائها مع الولايات المتحدة وغيرها من الاقطاب الدولية، إلا انها مطالبة بموقف جدي وواضح في اولا فضح الموقف الاميركي في الساحة الوطنية والعربية وحيثما امكن؛ وثانيا ارسال رسالة احتجاج شديدة اللهجة للادارة الاميركية، تحمل في طياتها ادانة للوثيقة والموقف الاميركي الجديد؛ وثالثا مطالبة الولايات المتحدة مجددا بالانسجام مع دورها كراعية اساسية لعملية السلام في المنطقة وخاصة على المسار الفلسطيني ? الاسرائيلي، والكف عن سياسة البلطجة ومعاداة الحقوق الوطنية الفلسطينية؛ ورابعا مطالبة الدول العربية رسميا باتخاذ موقف ولو شكلياً يدين السياسة الاميركية؛ وخامسا ايضا مطالبة دول الاتحاد الاوروبي بعدم الاستجابة للموقف الاميركي، وفتح حوار موسع مع دول الاتحاد لتعميق عملية الدعم للتوجه الفلسطيني بالحصول على عضوية دولة غير عضو، ولكن دون المساومة على حقوق الدولة الفلسطينية او القبول بتفريغ العضوية من محتواها السياسي والحقوقي ? القانوني.

الوثيقة الاميركية تشكل وصمة عار للسياسة الاميركية. وهي تعمق العداء للمصالح الوطنية العليا للشعب الفلسطينية، وتحتاج الى تحرك شعبي مواز للتحرك الرسمي من خلال تصعيد الاحتجاجات الشعبية في الضفة والقطاع والقدس والشتات وداخل الداخل، لابراز الموقف الوطني الجامع والداعم للارادة السياسية للقيادة الفلسطينية. وتوسيع دائرة الحراك الشعبي في المنابر الاقليمية والدولية فضلا عن العربية والاسلامية، كي تدرك اميركا العم سام، ان الشعب الفلسطيني وقيادته قادرين على المواجهة الواقعية لبلطجة وتشبيح الولايات المتحدة وحليفتها الاستراتيجية دولة التطهير العرقي الاسرائيلية.