بقلم عضو المجلس الثوري المحامي /  لؤي عبده  

 

في مرحلة الوقوف على الارض بعد اتفاق اوسلو الشهير، حاولت القيادات الفلسطينية ان تفهم الواقع الجديد بعقلية وثقافة الغربة، وحسب ماتجمع لها من تجارب في المنفى على ساحات الاشقاء العرب، الامر الذي عكس نفسه على التجربة الجديدة في بناء السلطة والتعامل مع الواقع وقضاياه، ومازالت تلك المفاهيم لها اثار تفعل فعلها حتى يومنا هذا دون جديد، بل بات الواقع والعمل فيه معقد للغاية خاصة وان المشروع بات محاصرا بمفاهيم البقاء في دائرة الخوف الرجوع الى الخلف، في ظل الوضع العربي الصراع على السلطة  ونظام الحكم، السيناريو المستمر على ساحتنا سيستمر ولا نعتقد ان شيئا جديدا سيحدث، طالما ان واضع قواعد اللعبة في المنطقة للصراع طرف واحد ومصالح واحدة .

السياسة الاسرائيلية لم تتغير المضي في طريق فرض الاستيطان وتهويد الارض والقدس وهي مصالح اسرائيلية عليا تحترم من جانب الغرب والراعي المنحاز لعملية السلام الميتة الولايات المتحدة الامريكية والاولوية على اجندة هذا الطرف المهيمن التغيير في الحكم العربي وابقائه تحت الهيمنة، مهما كانت المسميات المطروحة اليوم في الشارع .

من هنا نشير ان ظاهر تبدل السلطة والحكم واحدة من المتغيرات الجارية، بالتالي فان من يحكم في السلطة الوطنية ليس موضع نقاش وجدل بل ان يبقى الناس في المشروع الذي خطط له، وفرض عليهم وان تكريسه يستمر في جعل شعبنا في صراع الحكم الداخلي مما يجعله حقيقة واقعة لا احد يمكنه تجاوزها، وخاصة اولئك الذين ادعوا معارضتها وجودا وحكما بدعاوي مختلفة تداول الحكم عليها ، يكرسها واقعا وحقيقة ويجعلها نظاما سياسيا محدودا للمناطق التي اقيم عليها في فلسطين، يرتبط الجميع اجتماعيا واقتصاديا به يقبل به لان البديل غير متوفر ومن هنا تتحقق مصلحتين اسرائيلية فلسطينية، ويتحول الصراع الى المزيد من الصلاحيات والمطالب ويزداد النفوذ والهيمنة الاسرائيلية على الواقع والارض بالتالي لا وجود لجوهر الصراع الارض والوطن .

ويستمر اللهو والادعاء والتلاعب بالالفاظ والمفردات دون جدوى لان شبح الخوف سيبقى مؤثرا الرجوع الى الوراء، طالما لا بديل متوفر، وان طريق الانتفاضات والثورات والتمرد والعصيان لم يعد مجدي، وكان القول عصفور باليد افضل من عشرة على الشجرة هو الذي سيسود بحثا عن الاستقرار والامن ولقمة العيش وتوفير التعليم والخدمات الصحية، امام تزايد الصعوبات الحياتية والاقتصادية، وينتقل الجميع الى التناقض الثانوي الذي يصبح محور الوجود والبقاء .

ان الثورة الراسمالية العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة الامريكية في العالم لتحقيق المزيد من هيمنتها ونفوذها وسطوتها فرضت على الشعوب في العالم الثالث العربي والاسلامي وغيره، باتت مرتبطة معيشيا واقتصاديا بماعليه الارادة الراسمالية في العالم بقيادة امريكا القادرة التعامل مع التحولات السياسية والاستراتيجية في جميع دول المنطقة والعالم .

ونحن جزء مما يجري ونتحول يوميا داخل هذا المجرى الكبير والطويل طالما لا يوجد لدى اصحاب المصلحة والرؤيا والقرار البديل مما يعني ان فلسطين وحريتها واستقلالها سواء على شكل دولة ذات سيادة تقام على جزء من الارض المحتلة محكوم عليها مسبقا من خلال هذا السيناريو المعقد الذي يفرض نفسه يوما بعد يوم، حركة الزمن لم تعد لصالحنا، وانشغالنا في ترميم الحياة الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية المعتمدة على الغير، لن يسمح الوصول الى الهدف الرئيسي، وتفجر الازمات على انواعها، لن يتيح الفرصة امام الساعين الوصول الى تسوية سلمية مقبولة للصراع، اذا ما بقوا في هذا الانشغال المذكور، واسرائيل التي تطرح السلام الاقتصادي ( تحسين مستوى المعيشة ) هو الخيار الوحيد الذي سيجبر اولياء الامور المضي فيه، طالما اسرائيل لا تعترف بوجود قضية فلسطينية، ولا حقوق فلسطينية غير تلك التي تحاول حكومات الاحتلال ذكرها على مسامع المفاوض، والسلطة والذين مازالوا يعتقدون ان لا طريق سوى الحل السلمي لهذا الصراع، مع استمرار اسرائيل استغلال هذه القناعة لتفرض المزيد من الامر الواقع على الارض الفلسطينية الذي لم نستطيع ان نوقفه الا بالنضال المباشر .

فعلا الذي عطل سياسة الامر الواقع الاسرائيلية السنوات البندقية المقاتلة وهناك اعترافات حقيقية لقادة الاحتلال ومؤسسي اسرائيل بهذا الشان سواء في مواجهة الاستيطان والمستعمر او في ضرب مداميك اسرائيل في داخل الشارع الاسرائيلي، لذا لا يفل الحديد الا الحديد... هذا ما تفهمه حكومات الكيان الاستعماري الاستيطاني عبر تاريخ الصراع، ويشل تقدمه بسلب حقوق شعبنا الفلسطيني حتى لو كانت قناعات المستوى السياسي الفلسطيني تختلف اليوم عن ذلك فاذا ما سقط الخيار النضالي فانها اي سياسة الامر الواقع والتوسع الاستعماري ستستمر، وسيفقد هؤلاء فرص التسوية والتفاوض الذي رسم لها بعناية للسيطرة على ما تبقى من فلسطين بواسطة هذا الاسلوب المخدر لهم، وادخالهم في طريق ارتداء الياقات والصالونات الفاخرة وامتيازات الامراء ....