لست مرتاحا للأرقام الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء بخصوص واقع الشباب في فلسطين, ليس لعدم صدقيتها بل لما تعكسه من واقع محزن ومخجل للشباب خاصة للفئة العمرية 15-29 وما تعيشه هذه الشريحة من بؤس وضنك ينذران بكثير من المخاطر التي تتهدد مجتمعنا.

إذ تشير هذه الإحصائيات التي أعلن عنها في اليوم العالمي للشباب قبل أيام معدودة إلى أن نسب البطالة في فلسطين دخلت ضمن معدلات فلكية وصلت إلى 50.5% بينما وصل معدل التسرب من المدارس إلى 55.2%.

كما تشير الأرقام إلى كون 27.5% من أبناء تلك الشريحة يعانون من الفقر بينما تشير أرقام أخرى إلى كون 51% من الأطفال ضمن الفئة العمرية 12-17 تعرضوا عام 2011 إلى نوع من أنواع العنف الجسدي أو النفسي.

الجهاز المركزي للإحصاء مؤسسة تعتبر مفخرة للشعب الفلسطيني وهي ليست تابعة لأي حزب أو فصيل أو جهة خارجية ولا تخضع لأجندات خارجية أو داخلية كما يحلو للبعض استخدام هكذا توصيف عندما لا يتفق موقف أو تنسجم معلومة مع موقفهم. لذا فإن أسئلة كبيرة يجب أن تفتح في سياق هذا الحال المؤلم للشباب الذي يشكل قنبلة موقوتة.. قنبلة موقوتة سبق لي أن وضعتها كعنوان لإحدى الومضات: الشباب الفلسطيني.. القنبلة الموقوتة!

ولو كنت أريد أن ألخص تلك الأسئلة فإنني حتما سأحتاج إلى صفحة كاملة من صفحات جرائدنا الغراء لتتسع لكل تلك الأسئلة والاستفسارات بحثا عن مسببات هذا الوضع. لذا فإنني سأوفر الجهد والمال وأبتعد عن التلاوم والمعاتبة والاحتجاج وأركز هنا على مجمل اقتراحات محددة حتى لا يعود العام المقبل كما قالت لي إحدى الإعلاميات ويحمل أرقاما أكثر إيلاما فنعاود الصراخ والنحيب في وقت ربما لن ينفع فيه النحيب، وقت تكون القنبلة المذكورة قد انفجرت في جو لا تحمد عقباه.

وقبل أن أسوق بعض المقترحات أريد لزملائي الساسة وجمهور صناع القرار في القطاعين العام والخاص والمؤسسة الأكاديمية أن يلتفتوا بعناية شديدة لهذا الوضع قبل أن تفلت الأمور من عقالها ويصبح الشباب الذي يراوح ويهادن اليوم جيشا ثائرا في وجه الفقر والتهميش.

حلول العام الفاصل بين أرقام اليوم وأرقام العام المقبل يجب أن تشتمل على قرارات حكومية مستعجلة تعطي الشباب أولوية كبيرة لتحفيز دخولهم سوق العمل بمشروعاتهم الخاصة وتوفر لهم من خلال البنوك التي تحتاج أيضا إلى التحفيز والتوجيه قاعدة مالية أولية تمول تلك المشروعات. كما يجب توجيه الجامعات باتجاه ربط الاختصاصات التعليمية باحتياجات السوق بحيث نتجنب اتخام المجتمع باختصاصات لا تحتاجها السوق ضمن الفترة الآنية.

من الواجب أيضا دعوة المانحين لاجتماعات تنسيقية يتواصلون فيما بينهم وبين القطاعات المجتمعية تجنبا للتكرار والمضاربة وإهدار المال والجهد.

أحزابنا الفلسطينية يجب أيضا أن لا تكون بعيدة عن هذه الخطوات العلاجية، فدعمها واهتمامها بتلك الحلول والضغط باتجاهها أمر مهم ومستعجل. لا أنسى طبعا دور الإعلام والتكنولوجيا وشبكات التواصل الاجتماعي في خلق الروابط الممكنة بأسواق العمل المختلفة وبين الشباب الفلسطيني في الوطن والشتات.

المطلوب أيضا أن لا تهمل هذه الأرقام لدى صناع القرار وأن لا توضع على الرف ويقتصر استخدامها لشرعنة الحصول على الدعم المالي دونما نتائج.

إن أولويات الشباب تكمن في التشغيل والعيش الكريم وإنهاء الانقسام ومنع الازدواجية في القرار وتشتيت الجهود واستمرار فوضى المانحين وارتجالهم وغياب الأحزاب عن قضاياهم بينما يستمر التخبط القطاعي في شؤون الشباب وغيرها من الهموم.

هذه الكلمات ليست مجرد عواطف وشجون وليست خطابا شعبويا وإنما جرس إنذار وضوء أحمر كبير وكبير جدا.. للحديث بقية!