في سنوات خلت اجتاحت بعض المفاهيم حياتنا الفلسطينيةبتساوق كبير مع أموال المانحين وأهوائهم، فانتقلنا من الحديث عن الديمقراطية إلى حقوقالإنسان وصولا إلى مفاهيم الحكم الرشيد وما بينهما مجتمعة من صيحات وتقليعات اهدرتفيها دولارات المانحين بين ورش عمل وجلسات للعصف الفكري ومؤتمرات لم تنته إلا مع انتهاءالأزمنة التي استلزمت استحضار هذه الموضوعات.

الوافد الجديد في حياتنا هو الريادة وهو المصطلح الذيلا يفهمه كثير من الناس فيشعرون بأنه أمر جديد يحاكي تطور التقنيات وعالم التكنولوجيادون أن يعرفوا أننا مارسنا ونمارس الريادة في كل يوم. فتنطلق المشروعات الفردية والجماعيةبمساهمات مالية تشاركية أو بفعل قروض مختلفة.

لكن عالم الريادة هذا وما غلف به من تنميق وتزويق استجلبويستجلب اهتمام المانحين ومؤسساتنا على اختلافها حتى اتضح أن هناك أربعا وسبعين مبادرةتتمحور حول الريادة اليوم في فلسطين!

ومع قناعتي الذاتية بأن هذه الظاهرة إذا ما أحسنت إدارتهاستعود بفائدة عامة وستساهم في رعاية الإبداع لكن خارج نطاق الموضة والصيحات واجتذابالمال في اطار الشعارات البراقة وضياع هذا المال دون حسيب أو رقيب. الأمل هو ان تجتمعتلك المبادرات وتتكامل في عملها لا أن تصبح كما السياسة والفصائل مقسمة ومتناحرة.

إن عالم الإبداع اليوم يستوجب الاهتمام بالمبدعين أنفسهممعنويا ورياديا، فعندما طرح البعض افكاره في عالم افلام الخيال في الماضي ضحكنا عليه.وفي كل مرة جاء أحدهم بفكرة خاف الحديث عنها لاعتقاده أنها مدعاة لضحكنا عليه لكن عندمافهمنا الفكرة تحركت عواطفنا فضحكنا معه وعندما رأينا أننا بتنا فخورين به أردنا أننضحك له حتى نشجعه.

المعركة اليوم وفي عالم الريادة القديم الحديث يجب أنتتمحور حول انتقالنا بمبدعينا أصحاب الأفكار المجنونة من الضحك عليهم الى الضحك معهمإلى الضحك لهم حتى يصبحوا اكثر إبداعا واكثر قدرة على كسر التقاليد للوصول الاسرع للإنجاز.

فالإبداع هو العملية التي نسعى من خلالها الى تحسينمقومات الحياة وتطويرها باستحداث مكونات جديدة وهو العملية التي تتطلب المجازفة والتغييروكسر الحواجز والإيمان بالذات وبقدرات أبنائنا الذين لا يستوجب عالم الريادة منهم أنيكونوا أصحاب مال أو جاه.

فأهم المبدعين تاريخيا لم يكونوا ممن امتلك الجاه أوالمال فكثير منهم بدأ بالجامعة أو في كراج منزله كريتشارد برانسون صاحب شركات فيرجنومارك زوكربيرغ أحد مؤسسي الفيسبوك وبيل جيتس نجم شركة مايكروسوفت وأحمد زويل وفاروقالباز، وهم بدأوا بالقرار والرؤية والحلم والإرادة.. نعم والبيئة الحاضنة ثم وصلواالى المال على أرضية أن البقاء للأفضل ولمن يحقق عوامل الاستدامة والقدرة على التغيير.

لهذا تخيلوا لو ان عالم الريادة الفلسطيني الجديد يستطيعأن يحقق التجانس والتكامل فيوفر حاجات كل المبدعين: مال ومختبرات وعلاقات عامة وتسويق- لا شك عندها بأنه سيكون هناك تغيير اقتصادي وطني سره الإبداع.

الرسالة الاهم اليوم انه وفي هذا العالم المجنون الذينحتاج فيه مع ضيق الجغرافية وازدياد السكان إلى أن نجد حلولا خلاقة للبيئة والزراعةوالغذاء والمال وبالتالي لا مكان سوى لشيئ واحد هو الإبداع لأن الحلول التقليدية ماعادت مجدية.

فلو أن البشرية تباطأت في عالم الحاسوب مثلا لما حلتكثير من مشاكلنا: اليوم لدينا في هاتفنا المحمول كل الإمكانيات الحوسبية التي وجدتعلى وجه الارض قبل 5 اعوام. واليوم حاسوب واحد يعمل لعشرة آلاف ثانية لحل مشكلة بدولارواحد .. مقابل 10 آلاف حاسوب عملت في الماضي لحل نفس المشكلة في الثانية الواحدة بالتكلفةذاتها اي دولار واحد.

لذا، لا بد لنا من انقاذ «موضة» الريادة من سقوطها فيالمسار الذي اعتلى سابقاتها من الموضات وإبعادها بالمطلق عن عالم التقليع حتى نمكنأبناءنا وإخوتنا من كسر حواجز التقليد وتحفيز أفكارهم الإبداعية المجنونة، فناسنا وأهلنابعد طول إجهاد يبحثون عن التطبيق لا التقليع!