القدس رايحين، شهداءبالملايين'، شعار طالما ردده الراحل العظيم ياسر عرفات، وهو محاصر في المقاطعةبرام الله، قبل أن يذهب شهيدا على الطريق إلى القدس، وكأنه الشعار كان الوصيةالأخيرة لمؤسس ومطلق وباعث الهوية الوطنية الفلسطينية. هذا اليوم يؤكد بأن كثيرامن الوقت لم يمض حتى لبت الملايين النداء وحتى قالت : لبيك أبا عمار !بعد مضي نحوخمس سنوات من مفاوضات مضنية مع عدو مراوغ , أدرك أبو عمار عبثية المفاوضات معالإسرائيليين، لذا ما أن عاد من كامب ديفيد عام 2000 حتى أعطى الإشارة لإطلاقالانتفاضة الثانية، وحتى أن نقل مقر أقامته شخصيا إلى رام الله كأقرب نقطة ممكنةللقدس , وبحسه وحنكته أدرك أيضا أن انتزاع الحقوق الوطنية ما زال يحتاج كفاحاطويلا ومريرا بمضمونه الشعبي، فالملايين الزاحفة للقدس تتجاوز قدرة فصيل أو مجموعةأو نخبة، كذلك ما عاد مجديا قيادة هذا الكفاح من العواصم البعيدة _ بيروت أو تونس_ ولا حتى من أطراف الوطن _ غزة _ ولا من خلال فتح أو حماس فقط . لذا دخل عرفاتالبرنامج الكفاحي الشعبي دائرة الخطر، فكان قرار شارون بتصفيته جسديا، وكان ذلك منخلال فرض الحصار عليه في المقاطعة، ثم بدس السُّم له، لكن السؤال الذي يجب على كلفلسطيني أن يجيب عليه الآن , هو هل مضت روح أبو عمار من أوساط الفلسطينيين حقا ؟أم أن مسيرة اليوم تؤكد عودة الروح للفلسطينيين , التي كان وجوده يجسدها؟. تتجاوزالمسألة الحدود الضيقة لقضية القدس على أهميتها , حيث لا حل لها ولا معنى دون حلالمسألة الفلسطينية من حيث هي قضية كفاح وطني بالكامل , لكن مسيرة اليوم بمضامينهاوطبيعتها تؤكد على جملة الحقائق السياسية التي تعيد الاعتبار للكفاح الوطني علىطريق التحقق والانجاز، حتى بعد أن غاب القائد , وهذة الاعتبارات عديدة , لكن أهمهايكمن في ما يلي : أولا _ الطابع الشعبي لهذه المسيرة , بما يؤكد الحاجة إلى زج كلقدرات الفلسطينيين بملايينهم البشرية وليس بملايين الدولارات في معركة المواجهة معالاحتلال، متجاوزين خلافاتهم السياسية وتوزعهم الجغرافي , ذلك أن انخراط فلسطينيمناطق ال48 مع فلسطيني القدس والضفة وغزة مع فلسطيني الخارج , هو مدخل ضروري , وهوأمر لابد من تحققه حتى يمكن انتزاع الحقوق الوطنية وتوسيع دائرتها وإخراجها من عنقالزجاجة ومن دائرة التكتيك السياسي .ثانيا _ الطابع السلمي لها يؤكد على أمرين:أولهما تجاوز أن تقتصر مهمة التحرير على نخب سياسية أو عسكرية , ووضعها بين يديالمجموع الوطني الفلسطيني، كذلك فان هذا الطابع يحقق التعاطف والتأييد الدولي ,ويحيد قدرة إسرائيل العسكرية ويضعها في دائرة الجبهات التي تخسر فيها والتي طالماوعلى مدار عقود مضت سعت إلى تجنبها .ثالثا _ الطابع الجماعي للمسيرة يزج بكلالتجمعات الفلسطينية في مواجهة التوصل إلى حل لها يضع على طاولة البحث كل الملفاتالفلسطينية وليس فقط ملف الدولة بتفاصيلها _ الحدود , الأمن , القدس , المياه ,اللاجئين وما إلى ذلك , بالجملة، ويفتح الباب لشعارات وبرنامج وطني أشمل من برنامجالدولة المستقلة على حدود الخامس من حزيران عام 67 .ثم إن تنظيم وقيادة هذةالمسيرة , الذي تجاوز القيادة التقليدية , نقصد بذلك الفصائل منفردة أو مجتمعة ,يدخل دماء سياسية جديدة لهذة القيادة , وربما في حال تتابع هذة الفاعليةواستمرارها يخرج الفلسطينيين من مأزق الانقسام ومن ' تسلط ' النظام الفصائلي , بمايفتح على ربيع فلسطيني حقيقي , لا يقتصر على ' فلسطيني الدولة ' المنقسمة قبل أنتنشأ ! وحتى تنجح المسيرة في تحقيق أهدافها المباشرة , بوضع قضية القدس والعودةوحتى مجمل القضية الفلسطينية على طاولة البحث وضمن ' الفوكس ' الإعلامي في ظلانشغال المنطقة بالملفات العربية الداخلية _ آخرها الملف السوري _ أو أهدافهاالبعيدة , في استمرار الحراك الشعبي الفلسطيني , متجاوز الحدود والفواصل السياسيةوالجغرافية , على طريق أطلاق ثورة جديدة أو ثورة في الثورة , فلابد من : أولا حرصمنظمي المسيرة وقادتها على عدم ' اختراق ' نقاط التماس و ' الحدود ' , وعدماستعجال الاشتباك مع جنود الاحتلال الإسرائيليين , وثانيا _ الحرص على أن لا تكونهذة المسيرة , تظاهرة عابرة تدق جدران الخزان ومن ثم تمضي، أو أن تقول كلمتهاوتذهب , ذلك أن الكلمة الفصل، الأولى والأخيرة ستكون للشعب الفلسطيني، مجتمعا بملايينهالعشرة، في داخل الداخل , في الداخل والشتات، ولعل طابع المسيرة _ كما أشرنا _الذي يجمع الفلسطينيين من كل أماكن التواجد والوجود في الوطن والشتات , يؤكد هذا .لابد من البحث عن صيغة تضمن الاستمرار، ويمكن هنا الربط بالتواريخ، مثلا أن تبقىمجموعات _ ولو رمزية , في أماكن وصولها لأقرب نقطة , في دول الطوق _ الأردن ,لبنان , سورية , مصر _ ولا تغادر المكان , لأنها تحضر لمسيرة 15 أيار, _ يومالنكبة , ثم لمسيرة 5 حزيران _ يوم النكسة , ويمكن مقابلها أن تمكث مجموعات بشريةمن الداخل _ في غزة والضفة , تماما كما كان يفعل مواطنو الجولان , حتى يؤكدوا علىحق الشعب الفلسطيني بالوحدة والتوحد وجمع الشمل , ويمكن أيضا , أطلاق بالوناتالتواصل ومجموعات الكترونية وكذلك أنشاء محطات إذاعية وتلفزيونية , بحيث تتواصلالمجموعات البشرية , التي تفصل الحواجز والفواصل والحدود الاحتلالية فيما بينها ,وهي بذلك تضع حدا _ بالتدريج _ لظاهرة الاحتلال , وحتى لظاهرة الانقسام , وتضع هذةالفاعلية الشعبية على طريق الفعل الوطني المؤثر، ومن ثم المقرر وربما فيما بعدالقائد , للمصير والمستقبل الوطني , حتى يتحقق الشعار وربما يتحول إلى : ع القدسوعلى فلسطين، رايحين مناضلين ومجاهدين ومواطنين , محررين بالملايين .