خاص/مجلة القدس، في سنة1950 أصدرت حكومة توفيق السويدي في العراق قانوناً يبيح اسقاط الجنسية عن اليهودالعراقيين الراغبين في مغادرة العراق الى اسرائيل. ومع سريان المهلة لم يتقدم الاالقليل جداً من اليهود بطلبات الهجرة، وتبين أن الأغلبية الكاسحة لم تتجاوب مع هذاالقانون الذي صدر تحت ضغط بريطاني مكشوف. لكن، في سنة 1951، وهي السنة التي ينتهيفيها مفعول ذلك القانون، وقعت تفجيرات متمادية في الأحياء اليهودية في بغداد،ونُسفت بعض محالّهم، وقُتل بعض الأشخاص. وهذه التفجيرات أرغمت نحو مئة وعشرة آلافيهودي على الرحيل الى قبرص، ومن هناك الى اسرائيل حيث وُضعوا في معسكرات بائسة(المعبراه) قبل ان يتم توزيعهم هنا وهناك في ما بعد. وقد عانى اليهود العراقيونالأمرّين جراء عنصرية الاشكيناز ضدهم؛ فكانوا يحلقون شعور رؤوسهم فور وصولهم،ويرشون أجسادهم بمادة د.د.ت. قبل ترحيلهم الى المعسكرات. وخلّفت هذه المعاملةندوباً في أفئدتهم، ولا سيما ان يهود العراق كانوا ينتمون الى الطبقة الوسطى ومافوق، وكانت أحوالهم المادية والعلمية أكثر من جيدة في العراق، ويعتبرون أنفسهمأقدم الجماعات اليهودية في العالم؛ فهم جاؤوا الى العراق مع السبي البابلي في سنة586 قبل الميلاد، ولديهم تراث روحي شديد الارتباط بأرض العراق وثقافته ولغته.

قصارى القولان هجرة يهود العراق الى اسرائيل كانت إجبارية، وضد إرادة معظم المهاجرين الذينسيقوا سوقاً الى قبرص تحت وطأة الخوف من القتل الذي تبين أن الحركة الصهيونية هيالتي نفذت عمليات التفجير ضد اليهود في بغداد وحتى اليوم، في إمكان من يمر بحيرامات غان في تل أبيب الذي يقطنه يهود عراقيون كثر، أن يستمع الى أغاني فريدالأطرش وليلى مراد وعفيفة اسكندر وناظم الغزالي، وأن يشم روائح المطبخ العراقي،وأن يُنصت الى اللجهة العراقية التي كان يتكلمها معظم سكان هذا الحي. وأبعد منذلك، فقد غادر العراق من الشبان الذين قُيض لهم أن يصبحوا شعراء وروائيين فياسرائيل، وظلوا يكتبون باللغة العربية فترة طويلة جداً، وكانوا يعرِّفون أنفسهمبأنهم "عراقيون يهود مقيمون قسراً في اسرائيل"، حتى أن بعضهم لم يطقالبقاء في اسرائيل، وكان لا يستطيع العودة الى بغداد، فآثر الرحيل الى بريطانياأمثال الروائي سمير نقاش وحزقيل قوجمان، أو الى كندا أمثال الروائي نعيم قطانوالمؤرخ مير بصري وغيرهما.

أسماء لامعة

إن الروائي سميرنقاش ( ولد في بغداد سنة 1938 وتوفي في لندن سنة 2004) كان أبرز هؤلاء الشعراءوالروائيين والمؤرخين،وظل يكتب حتى آخر أيام حياته بالعربية، وكان معادياًلاسرائيل تماماً، ومن أهم رواياته "نزولة وخيط الدم". وفي هذا السياقيمكن ان نسرد أسماء كثيرة أهمها شمعون بلاص (مواليد 1930) وسامي ميخائيل (مواليد1926) ونعيم قطان (مواليد 1928 وغادر الى كندا سنة 1954) ونزهت قصاب وصموئيلالمعلم (شموئيل مورييه) واسحق بارموشي ومراد ميخائيل وسلام درويش وابراهيم عوبدياوداود تسيمح، علاوة على ساسون سوميخ الذي كان زميلاً في بغداد للشاعرين عبد الوهابالبياتي وبلند الحيدري، وللروائي غائب طعمة فرمان، والذي درس على حسين مروة ومحمدشرارة، وأصبح رئيساً لقسم الادب العربي في جامعة حيفا. ومن المعروف ان ساسون سوميخوشمعون بلاص وداود تسيمح أسسوا "منتدى أنصار الأدب العربي" في اسرائيلسنة 1954.

 

قمع الذات

ظل هؤلاءالكتاب والشعراء والروائيون يكتبون بالعربية الى فترة طويلة بعد فرارهم الىاسرائيل قسراً. لكن بعضهم وجد نفسه معزولا عن الجمهور اليهودي الواسع الذي لايمكنه القراءة بالعربية، بل يقرأ العبرية وحدها. فآثر هؤلاء الانتقال الى الكتابةبالعبرية، وكان ذلك نوعاً من "قمع الذات الثقافية" أمثال سامي ميخائيلوشمعون بلاص وداود تسيمح وشموئيل مورييه (صموئيل المعلم)، وتحولوا، بالتدريج، الىادباء مزدوجي الثقافة. وفي جميع الاحوال ظلت رواياتهم وقصصهم وأشعارهم تدور، فيمعظمها، في أحياء بغداد، وتكتسي حنيناً جارفاً الى العراق حيث الأماكن الأولى،والأحرف الأولى، والحب الأول ربما. أما أبرز الروايات التي كتبها هؤلاء العراقيوناليهود المقيمون في اسرائيل فهي: وداعاً بابل (نعيم قطان)، نذر الخريف ( شمعونبلاص)، فكتوريا، حفنة من ضباب، عاصفة بين النخيل (سامي ميخائيل)، نزولة وخيطالشيطان (سمير نقاش) وفي هذا الميدان لا بد من الالتفات الى الفلسطيني الوحيد الذيكتب بالعبرية كنوع من التحدي الثقافي وهو أنطون شماس (مواليد البصة سنة 1950) صاحبرواية "أرابيسك" التي أصدرها في سنة 1986 وأحدثت جدالاً صاخباً آنذاك.

صقر ابو فخر