خاص/مجلة القدس، إنالبحث عن عوامل وقواعد الاستقرار الأمني في المخيمات أمر بالغ الدقة والأهمية،وأصبح فرضاً وليس فقط سنة بالمفهوم الفقهي، لأنه يتعلق بالأمن الاجتماعي الذييعتبر احدى الركائز التي تضمن قدرة المجتمع على التفاعل الايجابي مع قضاياهالاجتماعية والوطنية والثقافية. والأمن الاجتماعي لا يكون إلا بالتوافق الجماعي،وبالقيادة الجماعية، وباعتماد القرارات الموضوعية التي تضمن شمولية المعالجة منأجل مستقبل واعد لشعب صامد، ووطن محتل ينتظر عودة أبنائه على طريق الحرية والنصروالتحرير. قبل البحث في العوامل والقواعد لا بد من الاتفاق على المسلَّمات التي منالمفترض أن لا تكون مصدر تناقض أو تباين، أو خلاف.

أ- إن المصالحالوطنية العليا للشعب الفلسطيني فوق كافة الاعتبارات والحسابات الفصائلية، وعندماتجد الفصائل أو القوى نفسها على نقيض مع مصالح الشعب الفلسطيني عليها إن تعيد  حساباتها جيد، وان تمتلك الجرأة في تغييرمواقفها احتراما للشعب الذي يعطي شرعية الوجود لهذا الفصيل أو ذاك، وعندما يعجز أيفصيل عن إجراء المراجعة لأسباب داخلية تخصُّه، أو تتعلق بتركيبته، أو بسبب مراكزالقوى فيه، أو بسبب عجزه الذي لا يساعده على إجراء عملية النقد الذاتي، أو عدمقدرته على التغيير باتجاه الأفضل، في مثل هذه الحالة يصبح هذا الفصيل أو هذا الطرفعبئا على الشعب والوطن والقضية، وهنا الطامة الكبرى.

ب- إنَّالمطلوب من الفصائل والقوى على الصعيد الاجتماعي والأمن الاجتماعي هو توفير الجانبالأمني والاستقرار، والطمأنينة، وعندما تعجز القوى  عن ذلك تفقد ثقة واحترام  شعبها، ولا يستطيع الشعب إن يتعامل مع هذهالقوى على أنها الممثل له ولطموحاته لأنه عندما يعيش هو وأسرته في خطر، سيبحث عمَّن يؤمن له الحماية بغضِّ النظر عنالإيديولوجية والو لاءات، والطروحات الفكرية والسياسية، لأن الأمن هو عمادُالمجتمع.

ج- المخيمالفلسطيني له رمزيته، وله تراثه، وأخلاقياته الوطنية، وهو بالتالي يرمز إلى حالةاللجوء المرتبطة بالعودة، لأن العودة إلى الأرض الفلسطينية هي من الثوابت الوطنيةالفلسطينية، وإذا كنا مقتنعين بذلك فلماذا نسمح بالتطاول على الأمن الاجتماعي؟ولماذا نتسامح مع  نشر حالة من الرعبوالخوف ما يعيق النضال الوطني؟ ولماذا نفقد الجدية حتى لا نهدمَ بيوتنا بأيدينا؟

د- المخيمالفلسطيني شئنا أم أبينا هو جزء لا يتجزأ من الجوار اللبناني، وما يجري في المخيمله انعكاساته على الجميع، والقضية معقدة ولا يمكن إخفاؤها، فعندما حدث ما حدث فيمخيم نهر البارد عمت تداعياتُ المأساة والنكبة منطقةَ الشمال بكاملها، وعندمايتأزم الموقف الأمني في مخيم  عين الحلوةيلجأ الأهالي إلى مدينة صيدا، ويعيش أهل المدينة فلسطينيين ولبنانيين مخاطر الحالةالقائمة بكل تفاصيلها.

هـ- إن وجودالبندقية بيد مقاتلي الفصائل في المخيم هو سلاح ذو حدين، فإما أن تكون عونا لأبناءالمجتمع تمنع الاعتداءات، وعمليات التخريب، والسرقات، وإما إن تكون مصدر خوف ورعبوقلق، وعندها تصبح البندقية ومن يحملها عبئاً بدل أن تكون عوناً.

ان الإنسانالفلسطيني بوعيه الوطني يربط دائما بين البندقية وقاعدة المقاتل، وبين البندقيةوالخيمة على التلال، وبين البندقية والعملية القتالية ضد العدو، وهو مستعدّ إنيتقبلها إذا كانت تسهر على أمنه، وتمنع الاعتداء عليه وعلى ممتلكاته وحقوقه، وتكفيد السارق، وتطارد المجرم. وعندما تخرج البندقية في المخيم عن هذه المبادئ، وتعجزعن القيام بالواجبات المطلوبة، فعلى صاحبها، وعلى من شرّعها أن لا يغضب عندما يرىأو يسمع ما لا يعجبه من اقرب الناس إليه لانَّ الأمانة صعبة. من هنا نؤكد أنالالتزام بالقواعد التالية هو الكفيل بتجاوز الأزمات الأمنية التي تحدث هنا أوهناك، وهي :

أولا: العودةإلى تنفيذ المصالحة التي تم التوقيع عليها من قبل جميع الإطراف، وتجاوز كافةالعقبات، والخلافات الداخلية في إي فصيل، ذلك لان مستقبل القضية الفلسطينيةمفتاحُه الوحيد المصالحة.

ثانيا: انجازالوحدة الوطنية الفلسطينية، واعتماد البرنامج السياسي الذي تم التوافق على خطوطهالعريضة خاصة ما يتعلق بالمفاوضات وبالمقاومة، والثوابت الوطنية بشكل عام.

ثالثا:التوافق على أن يكون الحوار البناء هو الأساس في التعاطي مع القضايا الخلافيةوالشائكة، والاتفاق على القواسم المشتركة وكيفية تفعيلها .

رابعا:التعاطي مع التحديات الأمنية، والمشاريع التوتيرية بموقف موحَّد، وبما يضمن سلامةالأوضاع الداخلية، وخدمة أبناء المجتمع .

خامسا:المحافظة على العلاقة المبدئية القائمة مع القوى السياسية اللبنانية، وتعزيز هذهالعلاقة بما يخدم القضية الفلسطينية ، ويضمن عدم انجرار المخيمات إلى حالةالتجاذبات اللبنانية الداخلية، لأن الإطراف اللبنانية قادرة على حل خلافاتها عبرالحوار اللبناني اللبناني  كما جرت العادة.

سادساً: لا بدأن تكون العلاقة مع السلطة اللبنانية والجهات الامنية قائمة على أساس الإقرارالفلسطيني بالسيادة اللبنانية، والإقرار اللبناني بأن يعيش الفلسطيني بكرامةمتمتعاً  بحقوقه المدنية والاجتماعية.

ولا بدَّ أننعتمد الالية المطلوبة لمعالجة ومتابعة كافة الحالات والقضايا الأمنية التي تتعلقبالإفراد، أو بأية ظواهر أخرى تشكل خطراً على أمن المخيم وامن الجوار اللبناني،وإذا كان هناك من إجراءات أمنية يرى الجيشُ ضرورةً لها لسبب أو لآخر، فان الجانبالفلسطيني لا يعترض ولكن الضرورة تتطلب أن لا تكون الإجراءات على أساس عقوبات جماعية،أو إجراءات تُفسَّر بأنها خدش للكرامة، فشعبنا الفلسطيني حسَّاس جدا في هذاالجانب، والبعض قد يستغلها لتعكير صفو العلاقة بين المخيم والجيش، والجيش نحترمهكمؤسسة تمثل الكلَّ الوطني اللبناني، ونرفض الإساءة إليه، ونسعى جميعا إلى بناءعلاقات ثقة مع الجيش اللبناني، ومع الأجهزة الأمنية المعنية بالمتابعة ومع الأمنالعام لمعالجة كل ما يتعلق بأوضاع شعبنا على أرضية الاحترام المتبادل التي أوصانابها الرئيس أبو مازن.

من هذاالمنطلق علينا أن نفهم الخطوة المركزية التي اعتمدتها قيادة حركة فتح، وبقرار منالرئيس أبو مازن، وهي التي تقوم على دمج كافة القوات والمؤسسات العسكرية تحت مسمىواحد، وهو قوات الأمن الوطني الفلسطينية، وذلك لتصليب أوضاع الحركة الداخلية، حتىتستطيع ان تتحمل مسؤوليتها كاملة في إطار الشراكة مع الجميع من أجل حفظ أمنالمخيمات، وإنهاء الفصول المأساوية السابقة وهذه بالتأكيد مسؤولية جماعية فلسطينية. ولا شك أن التفسيرات التي نسمعها من هنا أوهناك حول قرار قيادة حركة فتحوالمبنية على التشكيك والتحريض لا صحة لها، وكل ما في الأمر هي إجراءات داخليةلتعزيز دور حركة فتح، لأن قوة حركة فتح هي قوة للمجتمع الفلسطيني، فتح التي تؤمنبالوحدة الوطنية،  وبالقيادة الجماعيةوبالديمقراطية، وبالشراكة السياسية.