الرئيس ابو مازن على مفترق طرق، الاول ذو بعد انسانيمحض مركزه « الضمير» المسؤول، أو «أمانة المسؤولية» فمحبته للشعب الذي اولاه الثقةوادراكه العميق لمصالحهم في الأمن والاستقرار والتنمية كمقومات صمود وتعزيز الشخصيةالوطنية الفلسطينية بابداعات حضارية واقناع العالم بحضارية نضاله ومشروعيته وجدارتهفي الحرية والاستقلال . ..كل هذا يمنعه من التوقف في منتصف الطريق، او ما يمكن تشبيههبقطع الحبل في منتصف البئر، فرؤية وقراءة أبو مازن العقلانية والواقعية للصراع دافعهالرئيس لتخليص الشعب الفلسطيني من الغرق في بئر الصراع الدموي، فقرر أخذ الفلسطينيينالى سبل نضالية تحقق أمانيه وتحفظ دماء وشباب الشعب وتوظف قدراته في تنمية مؤسسات دولةمستقلة ستقوم حتى ولو بعد حين. الثاني : مسؤوليته التاريخية، فهو كرسول سلام لا يمكنهالاستمرار الى ما لا نهاية دون تحقيق الحد الأدنى من الأهداف الوطنية وهو سلطة وطنيةفلسطنينية قادرة على نقل الشعب الفلسطيني من الاحتلال الى الاستقلال، فعملية السلامحددت معالم البداية والنهاية، لكن حكومات اسرائيل بددت معالم النهاية وأجبرت الكل الفلسطينيعلى البقاء في مربع الأمر الواقع .. احتلال واستيطان وانقسام جيوسياسي اي جغرافي وسكانيبين ارض وسكان دولة فلسطين المستقلة التي كان متفقا على قيامها في النهاية التي مضىعليها حتى الآن 12 عاما ولم تتحقق !!.الطريق الثالث الذي نعتقد انه الطريق الصحيح والصوابوالآمن، حيث سكة بخطين متوازيين، الأول « المقاومة الشعبية السلمية» والثاني المفاوضات،المضاهيان بصلابتهما الفولاذ وليونتهما ونقاوتهما الذهب . فمضي ابو مازن بهذا الطريقيؤمن التوفيق والانسجام بين الضمير والمسؤولية الوطنية، كلازمة وشرط لتبوء موقع القيادةالتاريخية، التي تحسب بحجم الانجاز والاقتراب وليس بعدد السنين أو الضحايا كما جرتعليه معايير الأنظمة والقيادات الفاشلة، فأبو مازن – مثال للزاهد السياسي – لايبحثعن ادوار وطنية أو نياشين أو « أزياء ثورجية» للظهور في «مسرح الفرجة السياسية» الشعبيحيث التنافس على اشده بين الكومبارس للخروج عن النص ليكونوا ابطالا في رواية خياليةاصلا !!. ناهيك عن شخصيته المنعكسة باجراءاته وقراراته القاطعة لدابر التكسب الماديوالمعنوي و الارتزاق من الخطاب الثأري، الانتقامي، العنفي والانفعالي .قاوم « هوشيمنه» زعيم الفيتناميين الشماليين محتلي بلاده - الأميركان – وفاوضهم في باريس فيماكانت قواته الثورية تزحف على سايغون عاصمة دولة الانفصاليين الفيتناميين الجنوبيينوالقواعد الأميركية، مستمدا عنصري الصلابة والليونة من المادي والمعنوي على الأرض.فحقق انتصارا عسكريا وسياسيا باستعادة « الجنوب» الى الوطن ألأم .قاوم «العظيم المبجل»المعروف باسم نيلسون مانديلا العنصريين في جنوب أفريقيا، الذين فاوضوه في معتقله حيثحمل عذابات 28 عاما، فالملهم من المهاتما غاندي حول كيفية نبذ العنف، وفلسفته للمقاومةالسلمية ومواجهة المصائب والصعاب بكرامة وكبرياء بعث لرفاقه أن :» «اتحدوا! وجهزوا!وحاربوا! إذ ما بين سندان التحرك الشعبي، ومطرقة المقاومة المسلحة، سنسحق الفصل العنصري».ابدع شعب جنوب أفريقيا بتوظيف ثورة تكنولوجيا الاتصال والاعلام في العالم، وتعاطف الرايالعام العالمي حتى اجبر النظام العنصري على تفكيك نفسه بالتدريج .أما الشعب صاحب الأرضوالمستقبل في جنوب أفريقيا فكانت مؤسساته جاهزة للحظة قيام الدولة .يحتاج قائد حركةالتحرر الوطنية الفلسطينية الى قواعد جماهيرية، بمقدمتها وعلى راسها رأسها قيادات تنكرالذات الشخصية والحزبية من أجل المصلحة الوطنية العليا، يحتاج الى عقول باحثة، دارسة،ناصحة، تستخلص العبر، فليس كل الموروث التاريخي من اساليب واشكال الصراع واسترجاع الحقوقصالح للتطبيق في زماننا ..والمتغيرات في الوقائع والأحداث على الأرض متغيرة، ليس معظمهافي اتجاهنا .ليس أمام أبو مازن الا المقاومة كمانديلا ومن قبله غاندي الذي هزم الاستعمارالانكليزي للهند بمقاطعة منتجات بريطانيا العظمى، واختراق المفاوضات والدخول بقوة منبواباتها حتى انجاز تغيير قواعدها ومرجعياتها كما لو أن جماهير المقاومة الشعبية السلميةعلى ابواب القدس . لم يعد عدد الضحايا معيارا للاثبات أن للارادة والحرية والاستقلالشعبا عظيما، وانما تصميم الشعب على انجاز أهدافه الوطنية سلميا وفاء للضحايا والشهداء،وهذا هو عين الابداع الثوري المطلوب.