سأبدا هذا المقال بخبر عادي جدا, تكرر في السنة الاخيرة مئات المرات، الخبر عن مخيم اليرموك، مع العلم ان مصطلح مخيم اليرموك اصبح غامضا جدا ومختلفا عليه، هل مخيم اليرموك هو عاصمة المنفى الفلسطيني بعدد سكان يصل الى مائتي الفا، ام هو مساحة من الارض ملاصقة لمدينة دمشق؟ وهذا السؤال مهم جدا، لان الباقين من الفلسطينيين اقل من عشرين الف فقط، وهذا التغيير الفلسطيني، أي تهجير الفلسطينيين من مخيماتهم وتجمعاتهم ليس من قبيل الصدفة، تبدو حالات اعدام المخيمات الفلسطينية منذ اعدام مخيم الكرامة، الى اعدام مخيم النبطية، ومار الياس، وتل الزعتر، والبلديات، ونهر البارد، ومن ثم مخيم اليرموك، كما لو انها احداث متفرقة، لكنها في الحقيقة ليست كذلك، يوجد بينها رابط خفي او رابط واضح، تماما مثلما اختفت قرانا حول القدس أو في السهل الساحلي الجنوبي في فلسطين، اختفى السكان اولا تحت تهديد الموت، ثم اختفت المباني والعلامات والاثار, ثم اختفت حتى الاسماء القديمة.
وعودة الى الخبر الصغير العادي جدا الذي يقول: ان الاشتباكات المسلحة عادت بين جبهة النصرة الاسلامية «نوع من فروع القاعدة وبين الجبهة الشعبية القيادة العامة «فرع من فروع المخابرات السورية» والطرفان يتبادلان الاتهامات ايهما خرق الاتفاق، في الستة او السبعة شهور الاخيرة، وجدنا وفودا تذهب وتأتي، واجتماعات تعقد، واخبار تتواتر عن التوصل الى اتفاقات ناجحة، تم بموجبها اخراج عدد كبير من المرضى، والطلاب ليستأنفوا دراستهم، واطفال، وبدأت المساعدات تصل الى الاونروا التي تقوم بتوزيعها على من تبقوا في المخيم، كان المخيم قد اصبح للموت جوعا ناهيكم عن الموت قتلا بالرصاص والقذائف, وكان وقتها قد انتشر استخدام مصطلح غامض وهو مصطلح المسلحون، لم يكن المتحدثون يفصحون عن هوية هؤلاء المسلحين، الحمد لله، الان اتضح ان هؤلاء المسلحين هم جبهة النصرة ومقاتلو الجبهة الشعبية القيادة العامة، وحول القطبين تتوزع بقية الفصائل الوطنية والاسلامية, عدد كبير من الفصائل الفلسطينية بعضها كما يقال يدعم جبهة النصرة، وبعضها الاخر يدعم القيادة العامة وبعضها يقف على الحياد، يبدو من خلال هذا الوصف الذي لا يمكنني التأكد من دقته، انه لا احد من هذه الفصائل عى اختلاف مشاربها وولاءاتها يعيش في مخيم اليرموك، مكاتبهم وقياداتهم موجودة في المربع الاخضر في العاصمة، والمربع الاخضر مصطلح بدأ اولا في بغداد حيث تقيم الحكومات العراقية المتعاقبة منذ (برايمر )ممثل الغزو الاميركي الذي كان مقره في ذلك المربع قبل اكثر من عشر سنوات.
على ماذا تتقاتل جبهة النصرة والجبهة الشعبية القيادة العامة؟ وهل هما تتقاتلان فعلا، ام تتنافسان ايهما تفوز بالصفقة الكبرى، وهي ازالة عاصمة المنفى الفلسطيني التي اسمها مخيم اليرموك، وهل هذا الاقتتال في مخيم اليرموك وحوله له عند الاطراف المتقاتلة اسباب وذرائع امنية حقيقية ام ان تصفية المخيم واعدامه هو الهدف الرئيسي، ولماذا جاءت جبهة النصرة من اقصى الشمال الى مخيم اليرموك، وكيف ان الانتصارات الميدانية الكبرى التي حققها الجيش السوري في ريف دمشق الشمالي والجنوبي لم تنعكس ولو بشكل ضئيل حتى الان على مخيم اليرموك؟ وهل اتجاه الرياح يشير الى ان مخيم اليرموك لن يعود موجودا مهما انتهت اليه المعادلة في سوريا؟
هذه الاسئلة البسيطة ليست الا جزءا من سيل كبير من الاسئلة الكبرى المطروحة علينا فلسطينيا، بصفتنا الجزء الاكثر تضررا في هذا السياق الذي سقط فيه الوضع العربي كله من اقصاه الى اقصاه في مصيدة الزمن، او ضحية لمكر الزمن، حيث يداهمنا الزمن دون أدنى استعداد مسبق، غارقين في ميراثنا العميق من النفاق والاحقاد الطائفية والعرقية بحيرتنا القديمة العريقة تفور رغما عنا، فتنهار مسلماتنا الزائفة التي لا تصلح لشيء، وتنقلب المعطيات راسا على عقب، وفي وسط هذا الفوران القسري لا نتفق عربيا على شيء، لا نتفق على ماذا نكسب ولا نتفق على ماذا نخسر نعيش لحظة بلحظة ونسلم كل امورنا الى هبوب الرياح العاصفة.