اختفت صباح أمس، حيثيات موقعي على شبكة العنكبوت، وحلّت بدلاً منها، رسالة بذيئة من صهاينة لخصوا أمرهم وأمرنا معهم، بالقول الموجز التالي بالانجليزية: لقد اغتَصَبك «الهاكر» ويهمنا التأكيد، على أن جميعكم يستحقون الموت. الموت للعرب. ان كلاً منكم، يولد من بطن عَنـزة.
وبالطبع، لم تزعجني هذه الرسالة البذيئة. بل بالعكس أراحتني لأنها برهنت من جديد على فاعلية ما نكتب، وأكدت مرة أخرى، على عنصريتهم التي تجعل البشر نوعين، واحدا يولد من بطون الماعز، والآخر تلده أمه الآدمية. انهم يتابعون ما سطورنا بالحرف، ويتطيرون منها لأنها صنوْ الحقيقة والمنطق السوي، الذي يقابل منطقاً ظلامياً يتغذى من أساطير، ومن روح عفنة، ويستأنس بالقوة الامبريالية العظمى، وهي زائلة حسب سُنن التاريخ المحتَّمة.
من بين اللقطات المشجعة التي أعتز بها، ثلاث لقطات تضاهي كل منهما رسالة «الهاكر» البذيئة. ففي يوم 11 أيلول عام 2001 كان نتنياهو بالمصادفة في واشنطن، بعد أن خرج من السلطة، اثر هزيمته في انتخابات «الكنيست» الخامسة عشرة، في العام 1999. فقد استقال من حزب «الليكود» ومن «الكنيست» نفسها. وجاء الهجوم المروّع على برجي التجارة في نيويورك وعلى «البنتاغون» مقر وزارة الدفاع الأميركية في ولاية فرجينيا؛ فيما رواية نتنياهو وشرحه لما حدث، جاهزتان في حقيبته، سواء حدثت هجمات أو لم تحدث. ذهب لمقابلة لجنتي الشؤون الخارجية والأمن في مجلس النواب، واذا به يقرأ عليهم نصف مقالة لي نُشرت في صحيفة «الحياة الجديدة». فقد تعمد أن يحجب النصف الثاني، لأن خلاصة المقالة، ستنسف شرحه الكيدي للسطور التي كانت بعنوان «سلام مع النفس» وفيها رويت قصة مناضل فلسطيني من الناصرة، أعدمته السلطات البريطانية شنقاً في عام 1934. فعندما أبلغت سلطات الانتداب الشاب الفلسطيني بموعد الاعدام، كتب لوالده بتلقائية وبأريحية عالية، رسالة يبلغه فيها أن جثته ستصل مساء اليوم المحدد الى الناصرة للتشييع. وقد تضمنت صيغة الرسالة، عنصر طرافة سيمتزج بألم كل من يقرأها: والدي العزيز، بعد تقبيل يدكم الطاهرة، ان سألتم عني فانني والحمد لله بخير، اذ سانتقل الى رحمة الله في يوم الثلاثاء لأن الحاكم العسكري وافق على اعدامي في الساعة الثامنة من صباح يوم..». ويتوسل الشاب في رسالته عفو أي انسان من «البلد» تسبب له في أي ازعاج، ويتمنى أن يجري التشييع بهدوء وأن يحتشد له الأحباء من المواطنين». وضمن تعليقي على الرسالة، التي بعثها المناضل الى عنوان جار مسيحي لهم، أشرتُ الى الأخّوة الفلسطينية بين المسلمين والمسيحيين في وطنهم. وكان هدفي من المقالة، شرح حقيقة أن المناضل الفلسطيني ذاك، عاش لحظات سلام مع نفسه. ففي النصف الثاني من النص، قلت ان الفلسطيني ما زال حتى الآن، أمام أحد خيارين، اما السلام العادل، أو السلام مع النفس. لكن الكذوب نتنياهو أراد اقناع الكونغرس، أن العمل الانتحاري هو عقيدة فلسطينية، وأن الموت هو أسمى الأماني، على ما تقول أهزوجة اخوانية صريحة مع تعريف لهذه الأمنية الأسمى، بأنها «في سبيل الله» بمعنى أنها كذلك ليس حين يأتي الموت الحق وحسب، وانما لكي نسعى اليها دون رغبة في النجاة. وكان بمقدور نتنياهو، أن يغض النظر عن المقالة، وأن يأتي بمقتبسات تؤدي الغرض، من فقه الشيخ يوسف القرضاوي، الذي أفاض في شرح روعة الأمنية ووجوب اعتمادها، فيما هو في المأمن القطري ينكح الصغيرة في شيخوخته ويفتي بالزهد، ويستزيد فضلاً عن شرح الآيات والأحاديث، بأبيات من الشعر: لا يكره الموت الا مُريبٌ فهو... الذي يقرّب الحبيب من الحبيب.
يوم أن نشرت الصحافة الأميركية فحوى حديث مقالتي، وأتت على ذكر العبد لله، كنت في العريش في سيناء المصرية، وذهبت الى مقهى «انترنت» لكي أكتب مقالة عن الهجوم المروّع، وأقول ما معناه ان الهجوم لا يفيدنا. وكالعادة مررت على الصحف عبر الشاشة، فقرأت تعليق صديقي حافظ البرغوثي على تعرض نتنياهو لمقالتي في «الكونغرس» ولم أكن علمت بالقصة ونوّه حافظ الى ان موضوع المقال يختلف عن شرح نتنياهو له، وأن الحكاية تتعلق بالثلاثينيات وأنها تروي حدثاً أيام الانتداب البريطاني.
اللقطة الثانية يمثلها موقف ممتد، للمستعرب الأميركي جيفري فليتمان، الذي كان قنصلاً عاماً في القدس، ثم متطوعاً مع سلطة الاحتلال الانتقالية في العراق، ثم سفيراً لأميركا في لبنان، قبل أن يصبح مساعداً لوزيرة الخارجية هيلاري كلينتون بدرجة وزير. هذا الرجل كان يقرأ مقالاتي في «القدس العربي» ثم في «الحياة الجديدة»، وقد تدخل بشكل فظ في وضعي الوظيفي، وهذه حكاية لم يحن بعد، وقت روايتها. لكن القصد أن فيلتمان، كان يتابع ويغضب ويسجل ردود أفعاله، في أحاديث مع بعضنا الذي كان يسميه تودداً واختصاراً: «جِف».
اللقطة الثالثة، جاءت مع التركيز اليومي المفاجىء على اسم محسوبكم، من قبل «نيوت غنغريتش» المتسابق على ترشيح الحزب الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأميركية الأخيرة، وهو المتطرف صهيونياً الذي ترأس مجلس النواب الأميركي في النصف الثاني من التسعينيات (ولا أدري كيف يترأس معتوه من هذا الطراز برلمان البلد الأقوى في الدنيا). ففي حملته لنيل ترشيح حزبه، لم يجد «غنغريتش» من بين كل النصوص الفلسطينية، سوى التركيز على تصريح للسفير الفلسطيني لدى الهند الذي لا يعترف بـ «حق اسرائيل في الوجود».
انقضاض «الهاكر» على موقعي الـ «ويب سايت» على الشبكة، وارسال كلمات بذيئة، معناه أننا في الخط الصحيح، ونقطة على السطر.