تقول حركة حماس عن اتفاق الهدنة الذي لم يضع للحرب أوزارًا، بأنه اتفاق مشرف، وعلى هذا يبدو أن كلمة "مشرف" لم تعد في محلها من الإعراب، ولا من المعنى، فالاتفاق فيه من الإذعان ما لا يسمح بأي تشريف، على أنه إذا كنا سنقبل بهذا التوصيف للاتفاق، فإن التشريف سيحسب للرئيس الأميركي المنتخب "دونالد ترامب" فلولاه كما قال القيادي الحمساوي، باسم نعيم، ما كان للاتفاق أن يحصل، قال ذلك وشدد عليه بصريح العبارة، في مقابلة متلفزة مع قناة "العربية".

كان من المعقول والمقبول معًا، أن تقول حماس ليس بالإمكان أفضل مما كان، ولتترك لباسم نعيم مهمة تدبيج المديح للرئيس الأميركي، لكنها متلازمة التعالي والمكابرة التي ما زالت تصيب خطاباتها بالهذرمة، وبكل كلمة تغالط الواقع وتتنكر له.

الحرب لم تنته بعد، فما من حرب هنا تنتهي دون تسوية سياسية شاملة، وحرب الإبادة التي شنتها إسرائيل "نتنياهو" على قطاع غزة، كان وما زال هدفها الاستراتيجي، الإجهاز على المشروع الوطني الفلسطيني أولاً، وبمعنى الإجهاز على الحل السياسي، عبر طاولة المفاوضات، وفق قرارات الشرعية الدولية، وبكلمات أخرى سعت إسرائيل وما زالت تسعى لتمكين الحل العسكري بأعنف أشكاله وممارساته، على حساب الحل السياسي، واتفاق الهدنة ما من إشارة واحدة فيه، بشأن هذا الحل، بل الاتفاق يسعى لتكريس تسوية خدماتية بتنسيقات أمنية لمعالجة القضية الإنسانية المتعلقة بالغذاء والدواء، والماء والكهرباء، في القطاع الذبيح، وهذا يعني أن الاتفاق، اتفاق تقني وأمني، أكثر من كونه اتفاقًا سياسيًا، اتفاق لوقف العمليات العسكرية، تحت طائلة عودتها مرة أخرى، إذا ما تعثرت التقنيات المتعلقة بالالتزام بشروط الهدنة، ودروبها الخدماتية التي أغلبها دروب لحرية حركة جيش الاحتلال الإسرائيلي في القطاع الذبيح.

الحقيقة ستبقى معضلة "حماس" الجسيمة أنها ما زالت تلوذ بخطابات المكابرة والنكران، ولا تقرب الواقع، ولا حتى بكلمة واحدة، بل وعلى ما يبدو أنه ليس في منهج "حماس" وبرامجها، بنود للمراجعة والنقد والمساءلة. فما زالت ترى أن للمقاومة محورًا وأن للممانعة عاصمة، تكيل لها المديح والشكر. وما زالت تطرب لانفعالات وهتافات بعض وسائط التواصل الاجتماعي، التي أغلبها من أعمال ذبابها الإلكتروني، وممول فبركاتها وأوهامها في فضائية الفتنة والخديعة.

هذه معضلة عويصة ستبقي حماس لا تحسن أمرًا خارج مربعها الوحيد، حيث الاستعراض، والادعاء والمكابرة، وهو ليس غير مربع لغة وشعارات، ما عاد لها أي وزن وأي معنى. على حماس أن تعرف بعد كل قول أن خض الماء لا ينتج لبنًا، والأهم أن العنز لا تطير، حتى لو ركب لها الخطاب أجنحة الشعارات كلها.